يتم التحميل...

ما الدليل على عصمة الأنبياء من الذنوب؟

إضاءات إسلامية

استعملت العصمة في المصطلح العقائديّ بما يتواءم مع المعنى اللغويّ (المنع)، فقد قال الفاضل السيوريّ: "العصمة ملكة نفسانيّة تمنع المتّصف بها من الفجور مع قدرته عليه"

عدد الزوار: 7

1- ما معنى العصمة ؟
أ- معنى العصمة في اللغة

قال ابن فارس: عصم: أصل واحد صحيح يدلّ على إمساك ومنع وملازمة1.

ب- معنى العصمة في الإصطلاح
استعملت العصمة في المصطلح العقائديّ بما يتواءم مع المعنى اللغويّ (المنع)، فقد قال الفاضل السيوريّ: "العصمة ملكة نفسانيّة تمنع المتّصف بها من الفجور مع قدرته عليه"2.

2- ما الدليل على عصمة الأنبياء من الذنوب؟

إنّ العصمة تارةً تتعلّق بتلقّي الوحي، وتارةً بتبليغه، وهذا ما مرَّ بحثه، وتارةً تتعلّق بالذنوب، وأخرى بالخطأ، والنسيان.

وكلامنا هو في الدليل على العصمة من الذنوب، وهنا نعرض دليلين:
أ- الدليل العقليّ على عصمة الأنبياء من الذنوب
إنَّ الهدف من بعثة الأنبياء هو هداية الناس إلى طريق كمالهم ليسيروا فيه، فإذا كان النبيّ المنتخب والمصطفى من الله تعالى يقترف الذنوب، لأدّى ذلك إلى عقبتين في تحقيق ذلك الهدف:
العقبة الأولى: إنَّ اقتراف الأنبياء للذنوب يؤدّي إلى تزلزل الثقة بهم، وهذا ما قد يؤدّي إلى سريان ذلك التزلزل إلى الرسالة نفسها، ممّا يهدِّد الهدف من بعثة الأنبياء.
العقبة الثانية: إنّ تحقيق الهدف الإلهيّ، وهو هداية الناس إلى طريق كمالهم، لا يتحقّق بمجرّد بيان الرسالة بشكلٍ نظريٍّ، بل لا بدَّ أن يواكب ذلك بالسيرة العمليّة للنبيّ القدوة، لذا فإنّ ارتكاب النبيّ للذنب يحدث خللاً في تأثّر الناس بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فهم يتساءلون حينئذٍ: إذا كان من اختاره الله، واصطفاه من بيننا، وأنزل عليه وحيه، يعصي، فكيف يكون حالُ غيره من الناس؟!!

إنّ هذا يشكِّل عقبة نفسيّة تحول دون تحقيق الهدف الإلهيّ في سير الناس في طريق تكاملهم, لأنّ الناس لا يتأثّرون بمن يخالف فعلُه قولَه.

اعتمادًا على ما سبق، فإنّنا نقول لأولئك الذين يفهمون من بعض الآيات القرآنيّة اقتراف الأنبياء للذنوب:
أيعقل من الله تعالى الذي اصطفى أنبياءه من بين سائر الناس، وأمر بالاقتداء بهم، ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ3 أن يعرضهم متلبّسين بالذنوب، فهل هذا يتواءم مع الحكمة الإلهيّة؟!!

أنا إمام مسجد، افترضوا أنّي قرّرت أن أسافر شهرًا بعيدًا عن المسجد، وحتى يبقى الإحياء فيه، أتيت بعالم دين، وعرَّفت به المصلّين، وقلت في تعريفي له: إنّه إمامكم في الصلاة طيلة غيبتي، به اقتدوا، فهو قد درس في الحوزة سنوات طويلة خوَّلته أن يتشرّف باللباس الدينيّ، ليكون مبلِّغًا ناجحًا، مع أنّه سرق في حياته مرّة، وكذَّب مرّة أخرى، وقتل إنسانًا كان يتخاصم مع آخر، ولكن مع ذلك لا بدَّ من الاقتداء به، فهل هذا الخطاب يعتبر حكيمًا؟!

أليس خطاب الله تعالى لاتخاذ الأنبياء قدوة، وفي الوقت نفسه الإخبار عنهم بأنّهم أذنبوا، ووصفهم بصفات سلبيّة هو شبيه بخطابي المفترض.
إنّ الحكمة الإلهيّة تجعلنا نتأنّى بقراءة تلك الآيات، لنفهمها فهمًا يتماهى مع تلك الحكمة، وهذا ما سوف نوضحه، بإذنه تعالى، عند التعرّض لها.

ب- الدليل النقليّ على عصمة الأنبياء

إضافةً إلى الدليلين العقليّين السابقين على عصمة الأنبياء، فقد أكَّد القرآن الكريم هذه العصمة فقال تعالى: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ4.

وكرّر الله تعالى هذا المعنى بقوله عزّ وجل: ﴿لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ5.

إنَّ معنى لأغوينّهم أي لأضلّنهم، فالإغواء من الغيّ وهو الضلال6، وعبارة "لأُزَيِّنَنَّ" الواردة في الآية الثانية تبيِّن طريقًا لهذا الإغواء، وهو التزيين، وتغيير الصورة القبيحة، وتقديمها جميلة، وقد ورد هذا المعنى في آيات أخرى، من قبيل قوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ7، فالشيطان بوساطة تزيينه يقلب الصورة في أنفسهم من سيئة إلى حسنة، فيضلّهم بذلك.

ويبيِّن القرآن الكريم أنّ هذا الإغواء والإضلال، بوساطة التزيين، ونحوه، لا يصيب من أطلق عليه صفة المخلصين.
ومعنى المخلَص هو صاحب النفس الطاهرة الخالصة من كلِّ شيء غير ذات الله، فهي خالية من حبّ الدنيا، وزخارفها، وليس فيها إلاّ الله تعالى، كما نقول: ذهب خالص، أي ليس فيه أي شيء غير الذهب،
فمن كان مخلصًا لا تؤثّر فيه محاولات الشيطان الإغوائيّة، وممّا لا شكّ فيه أنّ الأنبياء هم من هؤلاء المخلصين.

وعلى أساس ما تقدّم وصف القرآن الكريم العديد من الأنبياء عليه السلام بصفة المخلص، فقال تعالى:
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا8.
﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ9.
﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ (أي عن يوسف عليه السلام) وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ10.

* كتاب يسألونك عن الأنبياء، سماحة الشيخ أكرم بركات.


1- ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، ج4، ص331.
2- السبحاني، محاضرات في الإلهيّات، (لا،ط)، قم، مؤسسة الإمام الصادق، (لا،ت)، ص 286.
3- سورة الأنعام، الآية 90.
4- سورة ص، الآيتان 82-83.
5- سورة الحجر، الآيتان 39-40.
6- ابن الأثير، مجد الدين، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، ط4، قم، مؤسسة اسماعيليان، 1364ش، ج3، ص297.
7- سورة التوبة، الآية 37.
8- سورة مريم، الآية 51.
9- سورة ص، الآيتان 45-46.
10- سورة يوسف، الآية 24.

2015-02-03