يتم التحميل...

الخوف والرّجاء

السيد مصطفى الخميني

اعلم: أنّ من المحرّر في الرّوايات القطعيّة والأخبار المتواترة، ومن المقرّر في العلوم العقليّة والأخلاقيّة: أنّ الإنسان معجونٌ مركّبٌ من جهاتٍ شتّى، ومن تلك التراكيب المرعيّة في هذه الطّبيعة العجيبة، ومن النّعوت المخمورة في فطرته الأوّلية، هو الخوف والرّجاء

عدد الزوار: 12
 

اعلم: أنّ من المحرّر في الرّوايات القطعيّة والأخبار المتواترة، ومن المقرّر في العلوم العقليّة والأخلاقيّة: أنّ الإنسان معجونٌ مركّبٌ من جهاتٍ شتّى، ومن تلك التراكيب المرعيّة في هذه الطّبيعة العجيبة، ومن النّعوت المخمورة في فطرته الأوّلية، هو الخوف والرّجاء. ولأجل هذه الوديعة يجب عليه أن يخاف ويرجو، فلو خاف بالمرّة، أو رجا بالكلّيّة، لما وصل إلى الحدود اللّازمة، وإلى المراتب الرّاقية، ولم يتمكّن من الجمع بين الخيرات الحسّيّة والمعيشة الدّنيويّة والسّعادة الظّاهرة، وبين الخيرات العقليّة والحياة الأخرويّة والسّعادة الأبديّة. وعلى هذه الرّحى تدور إطارات المجتمعات البشريّة، وسياسة المنزل والبلد والقطر والمملكة الواسعة الكبيرة، ولأجل هذه الخصيصة يجب على المرشدين وأرباب الوعظ والهداية، أن يفتحوا في سيرهم أبواب الجانبين وسبل الطريقتين، فلا يقولون بما يحصل منه الرّجاء المطلق، ولا بما يخاف منه النّاس كلًّا، بل لا بدّ من المحافظة على الفطرة بذكر الخوف والرجاء.

وتفصيل هذه المسألة يطلب من مقامٍ آخر. فعلى هذا الأصل الأصيل تتوجَّه هنا مشكلة: وهي الحكم بأنّهم لا يرجعون من القساوة والبطلان إلى السّعادة والحقّ، ومن الضّلالة إلى الهداية، فإنّ من يجد نفسه في هذه المرحلة من الانحطاط، ويدرك نصيبه من الشّقاوة بهذه المنزلة من الدّناءة والانحراف، فيخرجه عن حدّ الرّجاء والآمال، فيسقط للأبد في النّار خالداً فيها ما دامت السّماوات والأرض، وهذه الطّريقة غير مرضيّة من الكتاب الإلهي على ما يظهر منه، فإنّ كتابكم هذا جامعٌ شتات المنحرفين وشاملٌ شمل المنحطّين، وفيه من آيات الرّجاء ما لا يُعدّ ولا يُحصى، وقد سلك أحسن المسالك في الجمع بين الخطّين، وفي مراعاة الوجهين والنّاحيتين.

وبالجملة: هو كتاب الهداية والوعظ الأبديّ، وكتاب اللّطف والعشق السّرمديّ بكافّة النّاس والأنام، على أرقى الوجوه وأحسن الكلام في كلّ حالٍ ومقامٍ، كيلا تزلّ لديه الأقدام، حتّى الرّسل والأنبياء، فضلاً عن الأعلام..

ثمّ إنّ مراعاة الحالين الخوف والرّجاء في الوعظ والإرشاد، لازمٌ بالقياس إلى من في وجوده من النّور شيء، وأمّا إذا ﴿ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ  وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ1 وهم الصمّ البكم العمي، فكيف يمكن أن يرجعوا إلى دار السّعادة وحسن العافية والعاقبة ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاء ذَكَرَهُ2 دون هؤلاء الغافلين المبعدين. ففي هذه الآيات إنذارٌ بالنّسبة إلى الآخرين، حتّى يصونوا من الانسلاك في نسوجهم الباطلة، والانخراط في خيوطهم الكاسدة الفاسدة.

* من كتاب بصر الهدى، سلسلة وصايا العلماء، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة البقرة، الآية 17.
2- سورة المدثّر ، الآيتان 54 -55.

2014-02-24