يتم التحميل...

معايير الحق والباطل

إضاءات إسلامية

قال عبد الله بن عباس: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذه النَعل؟ فقلت: لا قيمة لها.فقال عليه السلام: والله لَهيَ أحبُّ إليَّ من إمرتكم إلاّ أن أُقيم حقّاً، أو أدفع باطلاً.

عدد الزوار: 83

بسم الله الرحمن الرحيم

قال عبد الله بن عباس: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذه النَعل؟1
فقلت: لا قيمة لها.
فقال عليه السلام: والله لَهيَ أحبُّ إليَّ من إمرتكم إلاّ أن أُقيم حقّاً، أو أدفع باطلاً.

بهذه الكلمات المضيئة يرسم لنا الإمام علي (عليه السلام) النهج والطريق الذي ينبغي على المؤمن الرسالي سلوكه في الحياة الدنيا.

ففي الوقت الذي يسعى فيه الكثيرون للوصول إلى أعلى المقامات في الدنيا، والنيل من زخارفها ومباهجها، ولا يبالون في الوصول إلى هذه الأهداف حتى ولو كانت على دماء الأبرياء، وإتباع الشيطان، وظلم الناس يَرى إمام الحق والعدالة الإنسانية أنّ ذلك كلَّه لا يساوي شيء في مقابل إقامة الحق ودفع الباطل.

إنّه علي بن أبي طالب الذي ما أن يُذكر إسمه إلاّ ويقترن بأقدس العناوين والتي منها الحق والعدل والزهد والورع وعدم الإغترار بالدنيا ومافيها.

إنّه الإمام العظيم الذي لم يكن ليسلب نملةً جُلب شعيرة حتى ولو كان الثمن أن يُعطى الأقاليم السبعة بقوله (عليه السلام): "والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملةٍ أسلبها جُلب شعيرةٍ ما فعلت، وإنّ دنياكم لأهون عليَّ من ورقةٍ في فم جرادة، ما لعليّ ونعيم يفنى ولذةٍ تبقى"2

ولأنه رفض المساومة على الحق لم يترك له الحق من صديق فكانت المعاناة والأسى هما الثوب الذي ارتداه عليّ (عليه السلام) طوال حياته، وعلى مدى فترة حكومته حيث عاش مرارة الباطل وخذلان الناس له من أولئك الذين التبس عليهم الحق والباطل وفي هذا يقول (عليه السلام): ".. فلو أنّ الباطل خَلُص من مزاح الحقّ لم يخفَ على المرتادين، ولو أنّ الحقّ خَلُص من لَبْس الباطل، انقطعت عنه ألسُن المعاندين ولكن يؤخذ من هذا ضغثٌ، ومن هذا ضغثٌ، فيمزجان فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه، وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى"3

ولكي لا يصيبنا ما أصاب تلك الفئة التي انحرفت عن مسار الحق وتخلفت عن ركب الإيمان والهدى الذي قاده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأكمله من بعده الإمام علي (عليه السلام) وسائر الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، كان لا بد من تشخيص المعايير التي على أساسها نميّز بين الحق والباطل، وذلك من خلال النقاط التالية:

القرآن هو المعيار الأول لمعرفة الحق من الباطل.
اختلفت معايير الحق والباطل بين أفراد الأمة ممّا جعل فريقاً يستغرق في الباطل معتقداً أنّه الحق، واختلط الحق بالباطل على مدى تاريخ المسلمين اختلاطاً قاسياً أورث الأمة الكثير من المواجهات والحروب والانقسامات، فتاه المسلمون وضاعوا وغرقوا في مستنقعات الضلالة والجهالة.

لذلك كانت العودة إلى كتاب الله العزيز هي المفصل الأساس لتشخيص تلك الموازين التي نستطيع من خلالها معرفة الحقّ من الباطل.

يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ4

فمن كان في قلبه زيغٌ وينقاد إلى هوى النفس سوف يتّخذ من المتشابهات وعاءً للفتنة، ولتأويل آيات الله، لأنّ الحق في آيات الله تعالى قد يُلبِسُه البعض لباس الباطل، وكذلك العكس من خلال الآيات المتشابهات.

ولكنّ ذلك لا يمكن أن يمرّ على من وعى القرآن بقلبه وعقله وتفكّر في آياته.

لذلك حذّر القرآن من هؤلاء بقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ5

وأرشدنا إلى عدم إمكانية التباس الحق على أهل القرآن بقوله تعالى: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ6

والأمة الإسلامية التبس عليها الأمر من تلك اللحظة التي افتقدت فيها ذاك الذي وعى القرآن وتدبّره خير تدبير، وفسّره خير تفسير، وبيّن محكمه من متشابهه، وناسخه من منسوخه، وكيف وبمن نزلت آياته و...، لقد افتقدت الأمة رسولها الكريم الهادي والمنذر والبشير، ولكنه لم يرحل عن الدنيا حتى ترك لهم فيها من يضيء الطريق ويكمل المسيرة، والذي فتح له من أبواب العلم ما يُفتح له معها من كل باب ألف باب، فحاربته وخذلته، ومالت إلى أعداء نبيّها وإمامها، وصدّت السبيل إلى الله تعالى، وتحقق فيهم ما حذّر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منه بقوله للإمام علي (عليه السلام): "يا علي أقاتلهم على التنزيل وتقاتلهم على التأويل"
فلا التنزيل حفظوه، ولا التأويل عرفوه.

فكان التياه والضياع، وابتلوا بما أصيبت به بنوا اسرائيل، يقول (عليه السلام): " أيها الناس، لو لم تتخاذلوا عن نصر الحق، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم، ولم يقومن قوي عليكم، لكنكم تهتم متاه بني إسرائيل، ولعمري لَيُضَعَّفَنَّ لكم التيه من بعدي أضعافاً، بما خلّفتم الحقّ وراء ظهوركم"7

وليس كثيراً على هذه الأمة ضياعها، بل نزول العذاب عليها، وسخط الله تعالى وغضبه على ما فعلته بإرث نبيّها ودينها وأشرف رسالة نزلت بها...

لقد تخلّت وحادت وانحرفت عن كتابها الذي نصّ على ضرورة اتباع الحقّ المتجسّد بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكان جزائها هذه التفرقة والتشرذم الذي عاشته وما زالت، وهذه الحكومات الجائرة من السلالة الأموية إلى العباسية إلى العثمانية التي عاثت فيها فساداً وظلماً وجوراً.

الطريق إلى الحق
لأجل سلوك طريق الحق، واجتناب الباطل، لا بد من العودة إلى القرآن أولاً، وجعله حاكماً فينا، وهادياً ودليلاً إلى الحق، لأنه المصدر الأساس لمعرفة الحق والباطل والذي يعرض المقاييس الصحيحة لمعرفة الحقائق، فلو أخطأنا في التفكير وسرنا في الطريق المنحرفة، فإنّ القرآن الكريم هو الذي يدلّنا على الطريق القويم ويهدينا سبيل الرشاد، ويعلمنا سُبُل بلوغ الحق، واجتناب الباطل.

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): " وعلى كتاب الله تُعرَضُ الأمثال"8

ولأنّ الأمّة اختلفت على التنزيل والتأويل، ولأنّها عاجزة عن الوصول إلى تلك الحقائق النورانية التي استودعها الله تعالى في كتابه العزيز.. أوعز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المروي المشهور عنده لدى الفريقين (السنة والشيعة) إلى أمته بالاستعانة والرجوع إلى عترته الهادية التي من تمسك بها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى، والذي ورد في الحديث المعروف بحديث الثقلين وفيه: "إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي"9

هذه الوصية النبوية التي لو تمسك بها المسلمون لعرفوا كيف يستفيدوا من الثقلين خير استفادة، ولما اشتبهت عليهم الأمور، ولكانوا اليوم في الموضوع الذي أراده الله تعالى لهم،أي ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ10.

وبكثير من الأسف انقلبت المعايير والموازين لدى فئة كبيرة من أمة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فتحوّلت إلى الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، وذلك بفعل اتباع الهوى وطول الأمل، كما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "إنّ أخوف ما أخافُ عليكم إثنان: إتّباع الهوى وطول الأمل، فأمّا اتّباع الهوى فَيصُدُّ عن الحق"11
وأيضاً بفعل تخلّفها عن راية نبيّها الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي انصّبت كل جهوده على تعريف الأمة بالحق وفضح الباطل.

يقول (عليه السلام): ".. وخَلَّقَ فينا راية الحق، من تقدّمها، مرق، ومن تخلّف عنها زهق، ومن لزمها لحِق"12
وبهذا نصل إلى النتيجة البيّنة الواضحة وهي أن معرفة الحق يبدأ من اتباع القرآن الكريم، مروراً بالاقتداء براية النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وصولاً إلى التمسّك بنهج وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

بين الحقّ والباطل
يتحمّل الإنسان المؤمن المسؤولية الكبرى في الوقوف إلى جانب الحق في مواجهة الباطل، وعند تشخيص الحقّ من الباطل لا يجوز لأيٍ كان التذرع بأيّ حجّة لعدم نصرة الحق.

فاللذّة عند المؤمن تكمن في إتباع الحق، والمرارة في اتباع الباطل.

ولذا يوصي الإمام علي (عليه السلام) أبا ذر بقوله: "يا أبا ذرّ: لا يؤنِسَنَّك إلاّ الحقّ، ولا يوحشنّك إلا الباطل"13
ولأن الفاصلة قصيرة بين الحق والباطل، يرشدنا الإمام علي (عليه السلام) إلى المسافة بينهما محذراً من الوقوع في الإلتباس نتيجة ذلك بقوله (عليه السلام): " أما إنّه ليس بين الحقّ والباطل إلاّ أربع أصابع..الباطل أن تقول :سمعتُ، والحقّ أن تقول : رأيتُ"14
وفي جواب له عن سؤال: كم بين الحقّ والباطل؟
يقول عليه السلام: " أربع أصابع ووضع أمير المؤمنين (عليه السلام) يده على أُذنه وعينيه، فقال: ما رأته عيناك فهو الحقّ، وما سمعته أذُنَاك، فأكثره باطل"15
وتطبيقاً لهذه المضمون الراقي والسامي يقول عليه السلام: "أيها الناس من عرف من أخيه وثيقة في دين وسداد طريق فلا يسمعنّ فيه أقاويل الناس، أما إنّه قد يرمي الرامي ويخطئ السّهام، ويحيل الكلام وباطل ذلك يبور، والله سميع شهيد"16.

الغلبة والعزّة لأهل الحقّ
الوعد الإلهي كان ولا يزال على الدوام هو أنّ الغلبة للحق، والعزّة لأهل الباطل، وقد ينتصر الباطل في بعض الجولات، ولكن النهاية السعيدة لن تكون دائماً إلا لأولئك الذين استناروا واهتدوا بهدي الله تعالى الذي ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلاّ بالحق.

وهذا ما نطقت به آيات الكتاب الكريم والروايات الشريفة:
قال تعالى: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ17
وقال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي18
وقال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ19

وفي الروايات ورد عنهم (عليهم السلام):
" قليل الحقّ يدفع كثير الباطل، كما أنّ القليل من النار يحرق كثير الحطب"
20
" ليس من باطل يقوم بازُاء الحقّ إلاّ غلب الحقُّ الباطل، وذلك قوله: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ"21
" من صارع الحقّ صُرِع"22

وكما أنّ الحقّ منتصر وغالب كذلك المتمسّك بالحق فإنّه العزيز الذي لا يُضام، والقوّي الذي لا يمكن لأي قوّة أن تزعزع إرادته وقدرته، وفي الحديث: "من يطلب العزّ بغير حقّ يذلّ، ومن عاند الحقّ لزمه الوهن"23

مقياس الحق والباطل
الحقّ حقّ في نفسه، والباطلُ باطل في نفسه، ولا يمكن الإنحراف عن هذه الجادة المستقيمة التي درج عليها المجتمع البشري السائر على غير هُدى، أمّا المجتمع الإيماني وأفراده العقلاء فلديهم معياراً ومقياساً تُعرَضُ عليه الأقوال والأفعال والمواقف والأفراد والجماعات والدول والأنظمة، ومن خلال المقياس الثابت نتمكّن من معرفة أماكن الخطأ والصواب، وإذا انعدم هذا المقياس إستحال الوصول إلى الحق واجتناب الباطل.

والإسلام العظيم الذي هدم أركان الجاهلية ومبادئها رفض كل المعايير الباطلة في ميزان الحق والباطل، حيث كان السائد في ذلك الزمن أنّ الحقّ مع القوي حتى ولو كان ظالماً مفسداً، ومن خير الشواهد على قيم ومبادئ الحقّ في الإسلام، والدين بشكل عام هو عدم ربط الحق والباطل بالأشخاص، وحتى الأنبياء إتّباعهم مرهون بكونهم على الحقّ، ولذلك يقول تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ24

وعن عيسى بن مريم (عليهما السلام) قال تعالى: ﴿قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ25

فالحقّ فوق الجميع حتى الأنبياء، وهم مربوطون به، ومن القواعد التي أسّس لها أمير المؤمنين (عليه السلام) في معيارية الحق وكيفية التعرّف عليه، هو كونه غير مرتبط بأشخاص، وأنّ الحقّ والباطل لا يُعرفان بالرجال، ففي معركة الجمل اشتبه الأمر والتبس الحق بالباطل على أحد رجال علي (عليه السلام) الذي نظر إلى الإمام علي (عليه السلام) ومعه الحسن والحسين (عليها السلام)، وجملة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن الطبيعي أن يكون هؤلاء الصفوة أصحاب الحق، ونظر إلى الجهة المقابلة التي وقف فيها المحاربون للإمام (عليه السلام)، فرأى أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير وجملة من أصحاب الجباه السود، فكيف يكون هؤلاء على باطل؟

حينها وقف هذا البعض حائراً، وهو الحارث بن حوط، لا يدري ماذا يضع، ولا يستطيع تحديد المعتدي من المُعتدى عليه!!

فتوجه الحارث إلى الإمام (عليه السلام) وقال: أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟

فقال (عليه السلام): "يا حارِثُ، إنّك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك، فَحِرْتَ! إنّك لم تعرف الحق فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه"

فقال الحارث: فإنّي اعتزل سعيد بن مالك وعبد الله بن عمر.

فقال عليه السلام: " إنّ سعيداً وعبد الله بن عمر لم ينصُرا الحق ولم يخذُلا الباطل"26

وفي رواية أخرى أنه قال: "... وإنّك امرؤ ملبوس عليك، إنّ دين الله لا يُعْرف بالرجال، فاعرِف الحقّ تعرف أهله".

فالميزان والمعيار عند الإمام علي (عليه السلام) أنّ الحق أرفع من الأشخاص مهما كان تاريخهم، والصواب هو معرفة الحق والباطل، وعلى أساسهما يُقاس الناس.

المتلوّنون
ونعني بهم أصحاب المواقف المتزلزلة والذين لا يدور الأمر عندهم مدار الحق والباطل، بل المصالح الشخصية، والمنافع الفردية، ومن الأمراض والإبتلاءات في المجتمع هو الأشخاص الذين لا قدرة لهم على الشهادة بالحق، والنُطق به.

يقول صادق أهل البيت (عليه السلام): " اعلموا أنّ الله يبغض من خُلُقُه المتلوّن فلا تزولوا عن الحقّ وأهله، فإنّ من استبدّ بالباطل وأهله هلك وفاتته الدنيا.."27

وهذا هو حال أصحاب اللسانين في المجتمع البشري.

ورد في الحديث أن الله تعالى قال لعيسى (عليه السلام): " يا عيسى ليكن لسانك في السرّ والعلانية لساناً واحداً، وكذلك قلبك، إنّي أحذّرك نفسك، وكفى بك خبيراً، لا يصلح لسانان في فم واحد، ولا سيفان في غمدٍ واحد، ولا قلبان في صدرٍ واحد"..

وفي الحديث أيضاً: " بئس العبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه شاهداً، ويأكله غائباً، إن أُعطي حسده، وإن ابتلى خذله".

لأجل هذا كله، ولأنّ الحق والوقوف إلى جانبه ثمنه باهظ ومكلف... رأينا الناس على امتداد التاريخ ترفض الحق لثقله، وتكرهه لكلفته.

قال تعالى: ﴿لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ28

أما المجاهدون في سبيل الله فلا تأخذهم في الله لومة لائمة، ولن يتركوا راية الحق، ولن تسقط طالما هم الرافعون لها.

والحمد لله رب العالمين

* سماحة الشيخ خليل رزق.


1- نهج البلاغة، الخطبة:33
2- - نهج ابلاغة، الخطبة:222
3- نهج البلاغة، الخطبة:50.
4- سورة آل عمران، الآية:7
5- سورة البقرة، الآية:42
6- سورة فصلت، الآية:42
7- نهج البلاغة، الخطبة: 166
8- نهج البلاغة، الخطبة:75.
9- سنن البيهقي،ج2، ص 148.
10- سورة آل عمران، الأية: 110
11- نهج البلاغة، الخطبة:42
12- المصدر نفسه، الخطبة:100
13- المصدر نفسه، الخطبة:130
14- بحار الأنوار،ج75،ص197
15- المصدر نفسه، ج75، ص 196.
16- سورة الأنبياء، الآية:18
17- سورة الأنبياء، الآية:18
18- سورة المجادلة، الآية:21.
19- سورة الرعد، الآية:17
20- غرر الحكم.
21- بحار الأنوار، ج5، ص 350.
22- المصدر نفسه، ج77،ص 420.
23- المصدر نفسه، ج77،ص 283.
24- سورة الحاقة، الآية:44
25- سورة المائدة، الآية:116.
26- نهج البلاغة، الحكمة:262.
27- بحار الأنوار، ح72،ص 126.
28- سورة الشورى، الآية: 24

2014-01-27