يتم التحميل...

عبادة المجاهد

خاصة الأولياء

هو أمر أساسي وأصل لكل الأمور الأخرى، بل لا يمكننا الحديث عن أي من الأمور غير الواجبة قبل أن نحرز أن الشخص ملتزم بالواجبات، إذ لا قربة بالنوافل إذا أضرّت بالفرائض، كما في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام.والتهاون في الأمور المستحبة قد يكون أمراً لا يلوم الله تعالى عليه، لأنه في النهاية مستحب.

عدد الزوار: 51

الالتزام بالواجبات وترك المحرمات
هو أمر أساسي وأصل لكل الأمور الأخرى، بل لا يمكننا الحديث عن أي من الأمور غير الواجبة قبل أن نحرز أن الشخص ملتزم بالواجبات، إذ "لا قربة بالنوافل إذا أضرّت بالفرائض"1، كما في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام.

والتهاون في الأمور المستحبة قد يكون أمراً لا يلوم الله تعالى عليه، لأنه في النهاية مستحب، وإن كان لا ينبغي التقصير في هذا الجانب، إلا أن الواجبات هي الخط الأحمر الذي لا يمكن لأي منّا أن يتجاوزه، وفي مضمون هذا الكلام الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "خادع نفسك في العبادة، وأرفق بها ولا تقهرها، وخذ عفوها ونشاطها، إلاّ ما كان مكتوباً عليك من الفريضة، فإنه لا بدّ من قضائه 2 وتعاهدها عند محلّها"3.

كما أن الالتزام بالواجبات الشرعية ليس بأمر لا تأثير له، بل هو المسبب الأول للتقوى، فالصلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر والصوم يثبت الإخلاص ويعلم الصبر، وإلى هذا المعنى أشار حديث رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس"4.

ولكن لا يكفي أن يقوم المرء والمجاهد بفعل الواجبات من دون تحقيق أمر آخر، ألا وهو ترك المحرمات والمناهي التي نهى الله تعالى عباده عنها، يقول الله تعالى:﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(الأعراف:157).

ويقول تعالى في آية أخرى:﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(الأعراف:33).

وللتذكرة نذكر هنا نقطتين أساسيتين يمكن لنا من خلالهما أن نذكر النفس الغافلة لكي تتباعد عن الذنب والمعصية وارتكاب الحرام:

الأولى
إن الله سبحانه وتعالى لم يزرع الشهوات في النفس ويأمر بالقضاء عليها، وإنما أمر بتوجيهها ووضع الحدود لها، حتى تكون ضمن إطارها المفيد لا المضر، وبالتالي فالسبل أمامنا ليست مغلقة، والحرام ليس هو الشيء الوحيد الذي يمكننا التوسل به، وإنما الأمر بالعكس تماماً فطرق الحلال أرحب، وأرضى لله تعالى، ولهذا المعنى يشير حديث أمير المؤمنين عليه السلام: "ما نهى الله سبحانه عن شيء إلا وأغنى عنه"5.

الثانية
إن الأمور المحرمة في الغالب يستقبحها كل ذي عقل وفطرة سليمة، لهذا ترى أن الكثير من غير المتدينين، لا يقربون هذه المحرمات التي يحكم العقل بأنها قبيحة كالكذب والظلم والغيبة وإفشاء السر وسائر القبائح الأخرى، عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لو لم ينه الله سبحانه عن محارمه لوجب أن يجتنبها العاقل"6.

الاحتياط في الشبهات
والاحتياط في الموارد التي فيها شبهة الحرام من الصفات التي يتحلى بها المؤمن المجاهد، فإن من يسعى للوصول إلى الله تعالى، لا بد وأن يبتعد عن كل مورد يشك في أنه سيؤدي به إلى انحراف الوجهة عن الهدف الذي يسعى إليه، وقد أكدت الكثير من الروايات الشريفة على ضرورة الابتعاد عن الشبهات، منها ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "دع ما يريبك الى ما لا يريبك، فمن رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه"7.

وعن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: "أمسك عن طريق إذا خفت ضلالة، فإن الكف عن حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال"8

فإن في الابتعاد عن هذه الموارد التي يحتمل فيها الضلال أمان لدين المجاهد المؤمن، وعلينا أن نلتفت إلى وسوسة الشيطان وتسويل النفس الأمارة بالسوء وطبيعة الدنيا التي تخفي المساوىء، فإذا أدركنا ذلك بقلوبنا يصبح اجتنابنا للشبهات أمراً يسيراً.

فمن المحتمل أن يكون في مورد الشبهات هلاك المرء أي هلاك دينه، وخسرانه لآخرته، فما أهون الابتعاد أمام احتمال خسران الآخرة، كما ورد في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة"9.

عمود لا يترك
إن المسألة الأخطر في هذا المقام، مقام الحديث عن أداء الواجبات الشرعية والبعد عن المحرم والشبهات، هي مسألة التهاون بفريضة الصلاة.

فالصلاة هي العمود الذي لا يترك.

والمقصود من ترك الصلاة هنا التهاون والاستخفاف بقدرها وأدائها فالصلاة:

وجه الدين: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لكلّ شيء وجه، ووجه دينكم الصلاة"10.

والصلاة هي المعيار التي يقاس بها دين المرء فمن استخف بصلاته وأضاعها، فمن الطبيعي أن يكون مهملاً لسائر الواجبات الأخرى، لأن القداسة التي أعطاها الله تعالى للصلاة واعتبارها عمود الدين إن اخترقت كان اختراق سائر الواجبات أمراً سهلاً وعادياً، فعن الإمام علي عليه السلام من كتابه لمحمد بن أبي بكر: "واعلم أن كل شيء من عملك تبع لصلاتك، فمن ضيّع الصلاة فإنه لغيرها أضيع"11.

والصلاة أفضل الأعمال بعد المعرفة
فعن الإمام الصادق عليه السلام لما سئل عن أفضل الأعمال بعد المعرفة: "ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة"12.

فالمطلوب بالدرجة الأولى منّا أن لا نؤخر الصلاة عن وقتها، فأداء الصلاة في أول الوقت ليس بالأمر العادي، بل هو ميزة وفضل تحلى به الشهداء العظام، وأمرنا به الأئمة عليهم السلام:

عن الإمام علي عليه السلام: "ليس عمل أحب إلى الله عز وجل من الصلاة، فلا يشغلنكم عن أوقاتها شيء من أمور الدنيا فإن الله عز وجل ذمّ أقواماً فقال: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُون(الماعون: 5). يعني أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها"13.

التهجد والدعاء
هي ميزة تحلى بها الكثير من الشهداء، حين تغفو عيون الناس، كانت أعينهم تستيقظ، ويكون حديث الدموع والبكاء والعشق الإلهي، يكون السجود والصلاة والمناجاة...

فالأحاديث الكثيرة التي حثّت على السحر وقيام الليل خلقت فيهم عشقاً لساعات لقاء المحبوب، وقد وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة المتقين فقال: "أما الليل فصافّون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتلونها ترتيلا، يحزّنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم"14.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله جل جلاله أوحى إلى الدنيا: أتعبي من خدمك واخدمي من رفضك، وإن العبد إذا تخلى بسيده في جوف الليل المظلم وناجاه أثبت الله النور في قلبه، فإذا قال: يا ربّ، ناداه الجليل جل جلاله: لبيك عبدي سلني أعطك، وتوكّل عليّ أكفك.

ثم يقول جل جلاله للملائكة: ملائكتي، انظروا الى عبدي قد تخلى بي في جوف هذا الليل المظلم، والبطاّلون لاهون، والغافلون ينامون، اشهدوا أني قد غفرت له
"15.

حزب الله حقاً
ومن كان هذه الصفة فهو من حزب الله حقاً فعن الإمام علي عليه السلام: "طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضها وعركت بجنبها بؤسها، وهجرت في الليل غمضها حتى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها وتوسدت كفّها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم، وهمهمت بذكر ربّهم شفاههم، وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم، أولئك حزب الله، ألا إنّ حزب الله هم المفلحون"16.

*خاصة الاولياء، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2007م، ص69-77.


1- نهج البلاغة: الحكمة 39.
2- القضاء هنا بمعنى الأداء، وليس المراد به القضاء بعد فوات وقت الفريضة، بل كما نقول قضيت الأمر الفلاني أي أتيت به.
3- نهج البلاغة: الكتاب 69.
4- الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2 - 82 4.
5- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج1، ص579.
6- غرر الحكم: 7595.
7- تنبيه الخواطر: 1 - 52.
8- ابن شعبة الحراني، الوفاة: ق 4، تحف العقول، الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة: 69.
9- الديلمي، الحسن بن ابي الحسن، أعلام الدين في صفات المؤمنين، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم: 301.
10-القاضي النعمان المغربي، دعائم الاسلام: 1-123.
11- محمد بن محمد بن النعمان، الشيخ المفيد، الامالي، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان: 267-03
12- محمد بن الحسن، الطوسي، الوفاة: 460، الأمالي، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، قم: 694 - 1478.
13- الصدوق، الشيخ، الوفاة: 381، الخصال، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة: 621 - 10.
14- نهج البلاغة: الخطبة 193.
15- علي، الطبرسي، المطبعة: دار الحديث الطبعة الأولى: 450-1509.
16- نهج البلاغة: الكتاب 45.

2009-08-31