يتم التحميل...

الخوارج

مذاهب

ترجع بداية ظهور الخوارج إلى قصّة التحكيم في معركة صفين، فبعد اقتراب هزيمة معاوية وحيلة عمرو بن العاص برفع المصاحف، وعصيان الناس لأمير المؤمنين عليه السلام

عدد الزوار: 94

النشأة والتأسيس
ترجع بداية ظهور الخوارج إلى قصّة التحكيم في معركة صفين، فبعد اقتراب هزيمة معاوية وحيلة عمرو بن العاص برفع المصاحف، وعصيان الناس لأمير المؤمنين عليه السلام حيث انطلت حيلة رفع المصاحف عليهم ابتدأت قصّة التحكيم. وتمّ الاتفاق على أنّ الحكمين يجتمعان بــ(دومة الجندل) ليرفعا مَن رفعه القرآن، ويخفِضا من خفضه القرآن، وكانت النتيجة أنْ خلع أبو موسى الأشعري الإمام عليّاً عليه السلام عن الخلافة، ونصّب عمرو بن العاص معاوية بن أبي سفيان إماماً للمسلمين!!

ولكن الّذين حملوا عليّاً عليه السلام على الموادعة والرضوخ للتحكيم، رجعوا عن فكرتهم وزعموا أنّ أمر التحكيم على خلاف الذكر الحكيم حيث يقول ﴿إنْ الحُكْم إلّا لله فحاولوا أنْ يفرضوا على الإمام عليّّ عليه السلام أمراً آخر وهو القيام بنقض الميثاق ورفض كتاب الصلح بينه وبين معاوية، فجاء هؤلاء قائلين: "لا حكم إلّا لله".

وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه واله وسلم بفتنة الخوارج، فقد روى ابن هشام عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنّه قال: "جاء رجل من بني تميم ـ في غزوة هوازن ـ يُقال له ذو الخويصرة فوقف عليه وهو يُعطي النّاس فقال: يا محمّد، قد رأيتُ ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أجل، فكيف رأيت؟ فقال: لم أرك عدلت، قال: فغضب النبيُّ صلى الله عليه واله وسلم ، ثمّ قال: ويحك، إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ألا أقتله؟ فقال: لا دعه فإنّه سيكون له شيعة يتعمّقون في الدين حتّى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية"1.

وتحرّك الخوارج بعد ذلك على أمور ثلاثة:

1 ـ التظاهر ضد الإمام عليّ عليه السلام بقولهم: "لا حكم إلّا لله" في المسجد وخارجه خصوصاً عند قيام الإمام بإلقاء الخطب.
2 ـ تكفير الإمام عليّ عليه السلام وأصحابه الّذين وفوا بالميثاق.
3 ـ تأمين أهل الكتاب وإرهاب المسلمين وقتل الأبرياء.

كان الخوارج من أهل القبلة وأهل الصلاة والعبادة، وكان الناس يستصغرون عبادة أنفسهم عندما يرون عبادة الخوارج، فلم يكن قتالهم واستئصالهم أمراً هيّناً، ولم يكن يجترئ عليه غير الإمام عليّّ عليه السلام ولأجل ذلك قام بعد قتالهم، فقال: بعد حمد الله والثناء عليه، "أيّها الناس فإنّي فَقَأتُ عين الفتنة، ولم تكن ليجترىءَ عليها أحد غيري، بعد أنْ ماج غيهبها واشتدّ كلَبُها"2.

ولمّا قُتل الخوارج وأفلت منهم من أفلت، قال بعض أصحاب الإمام: يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم، فقال:"كلّا والله إنّهم نُطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء، كلّما نجم منهم قرن قطع، حتّى يكون آخرهم لصوصاً سلّابين"3.

وقد ذكر المؤرّخون قضايا وحوادث تُعرب عن أنّ القوم صاروا بعد ذلك لصوصاً سلّابين، فإنّ دعوة الخوارج اضمحلّت، ورجالها فنيت حتّى أفضى الأمر إلى أنْ صار خلفهم قطّاع طرق متظاهرين بالفسوق والفساد في الأرض.

وللإمام عليّّ عليه السلام كلمة في حقِّ الخوارج ألقاها بعد القضاء عليهم:"لا تُقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحقّ فأخطأه، كمن طلب الباطل فأدركه"4.
هذه الكلمة تُعرب عن أنّ انحراف الخوارج عن الحقّ لم يكن شيئاً مدبّراً من ذي قبل، وإنّما سذاجة القوم وقرب قعرهم، جرّهم إلى تلك الساحة، وكانوا جاحدين للحقّ عن جهل ممزوج بالعناد، فكانوا يطلبون الحقّ من أوّل الأمر، لكنْ أخطأوا في طلبه ودخلوا في حبائل الشيطان والنفس الأمّارة.

وللخوارج ألقاب عديدة، فمن ألقابهم:"الخوارج" لخروجهم على الإمام عليّّ بن أبي طالب L، و"المحكِّمة" لكون شعارهم: "لا حكم إلّا لله"، و"الحروريّة" لنزولهم في منطقة حروراء في أوّل أمرهم، و"الشُراة" لقولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله أي بِعْناها بالجنّة، و"المارقة" لأنّهم مرقوا من الدين وخرجوا منه، كما يَمْرق السهم من الرمية ـ حسب توصيف الرسول صلى الله عليه واله وسلم لهم ـ.

أهمُّ معتقداتهم

1 ـ تكفير مرتكب الكبيرة.
2 ـ إنكار مبدأ التحكيم.
3 ـ تكفير عثمان والإمام عليّّ عليه السلام ومعاوية وطلحة والزبير ومن سار على دربهم ورضي بأعمال عثمان وتحكيم عليّّ عليه السلام ، على هذه الأُصول نشأوا إلى عهد ابن الزبير.

الفرقة الإباضيّة

الفرقة الوحيدة المتبقيّة من الخوارج هم الإباضيّة، ووُصفت الإباضيّة في كلام غير واحد بأنّهم أقرب الناس إلى أهل السنّة وأنّهم هم الفرقة المعتدلة من الخوارج، ولأجل هذا أُتيح لهم البقاء إلى يومنا هذا، فهم متفرّقون في عُمان وزنجبار وشمال أفريقيا، فإذا كان البحث في سائر الفرق بحثاً في طوائف أبادها الدهر وصاروا خبراً لِكانَ، فالبحث عن الإباضيّة بحث عن فرقة موجودة من الخوارج، ويُعتبر مذهبهم المذهب الرسميّ في سلطنة عُمان.

وبما أنّ الخوارج لم يكونوا ذوي سمعة حسنة، وكان المسلمون يتبرّأون من عقائدهم وأعمالهم، صار هذا هو الحافز لعلماء الإباضيّة لإخراج أنفسهم من صفوفهم، والتأكيد على أنّهم فرقة مستقلّة لا صلة لهم بالخوارج إلّا كونهم مشتركين في أصل واحد وهو إنكار التحكيم.

ولمّا كانت الفرقة الإباضيّة هي الوحيدة الباقية إلى زماننا هذا فسنذكر هنا أهمّ معتقداتهم:
1ـ أنّ الصفات الإلهيّة ليست شيئاً زائداً على الذات.
2 ـ امتناع رؤية الله سبحانه في الآخرة:إنّ امتناع رؤية الله سبحانه من الأُصول الّتي استقاها الوعاة من المسلمين من القرآن الكريم وخطب سيّد الموحّدين أميرالمؤمنين عليه السلام إذ قال عزّ من قائل: ﴿لا تُدْرِكهُ الأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ5. وهذا الأصل أيضاً من الأُصول اللامعة في عقائد الإباضيّة.
3 ـ القرآن حادث غير قديم:إنّ المترقّب من الإباضيّة الّذين رفضوا القشريّة، وخضعوا للعقل، أنْ يكون موقفهم في خلق القرآن موقف العدليّة ويصرّحوا بأنّ القرآن مخلوق لله سبحانه وحادث بعد أنْ لم يكن، لكونه حادثاً ومخلوقاً لله سبحانه غير أنّ الظاهر من بعض كتّابهم أنّهم يتحرّجون من التصريح بخلق القرآن وإنْ كانوا بعيدين عن القول بكونه قديماً غير مخلوق.
4 ـ عدم اشتراط القرشيّة في الإمام
5 ـ الشفاعة، دخول الجنّة بسرعة:إنّ مرتكبي الكبيرة عند الإباضيّة إذا ماتوا بلا توبة، محكومون بالخلود في النار، فلأجل هذا الموقف المسبَّق في هذه المسألة فسّروا الشفاعة بدخول المؤمنين الجنّة بسرعة، وفي الحقيقة خَصُّوها بغير المذنبين من الأُمّة، وهذا التفسير يوافق ما عليه المعتزلة من أنّ الغاية من الشفاعة هو رفع الدرجة لامغفرة الذنوب.
6 ـ مرتكب الكبيرة كافر نعمة لا كافر ملّة:اتّفقت الخوارج حتّى الإباضيّة على أنّ ارتكاب الكبيرة موجب للكفر، ولكنّ المتطرّفين منهم يرونه خروجاً عن الملّة، ودخولاً في الكفر والشرك، إلّا الإباضيّة فإنّهم يرونه كفر النعمة.
7 ـ الخروج على الإمام الجائر:يقول أبو الحسن الأشعريّ: "والإباضيّة لا ترى اعتراض الناس بالسيف لكنّهم يرون إزالة أئمّة الجور ومنعهم من أنْ يكونوا أئمّة بأيّ شيء قدروا عليه بالسيف أو بغيره.

وربّما يُنسب إليهم أمر غير صحيح، وهو أنّ الإباضيّة لايرون وجوب اقامة الخلافة".
إنّ وجوب الخروج على الإمام الجائر أصل يدعمه الكتاب والسنّة النبويّة وسيرة أئمّة أهل البيت عليهم السلام إذا كانت هناك قدرة ومنعة، وهذا الأصل الّذي ذهبت إليه الإباضيّة بل الخوارج عامّة، هو الأصل العام في منهجهم، ولكنْ نرى أنّ بعض الكتّاب الجدد من الإباضيّة الّذين يُريدون إيجاد اللقاء بينهم وبين أهل السنّة يطرحون هذا الأصل بصورة ضئيلة.

أهمُّ فرقهم وشخصيّاتهم
أما أهمُّ شخصيّاتهم في بداية ظهورهم فهم:

1 ـ قطري بن الفجاءة (ت/78).
2 ـ عمران بن حطّان السدوسيّ البصري (ت/84).
3 ـ عكرمة البربري (ت/105).
4 ـ الطرماح بن حكيم (ت/125).
5 ـ عبد الله بن إباض مؤسس المذهب الإباضي، وقد خرج في أيّام مروان بن محمّد في أواخر دولة بني أميّة6.
6 ـ الضحّاك بن قيس
الضحّاك بن قيس مذكور في التاريخ باعتباره قائداً عسكريّاً قد أجهد الدولة الأمويّة في عصره، ولم يوصف بشيء من العلم والشعر والأدب سوى القيادة.
وللخوراج فرق أخرى منقرضة هي:

الفرقة الأُولى

الأزارقة: أتباع نافع بن الأزرق المقتول سنة 65هـ.

الفرقة الثانية

النجديَّة: وهم أتباع نجدة بن عامر الحنفي, توفي سنة 69هـ.

الفرقة الثالثة

البيهسيّة: ويُنسبون إلى أبي بيهس، طلبه الحجّاج أيّام الوليد فهرب إلى المدينة، قتله واليها بأمر الوليد7.

الفرقة الرابعة

الصفريّة: والمعروف أنّهم أتباع ابن صفار، وقال الشهرستانيّ إنّهم أتباع زياد بن أصفر.

الخلاصة

ترجع بدايات ظهور الخوارج إلى قصّة التحكيم بعد معركة صفين، وهم جماعة من أتباع الإمام عليّ عليه السلام ممّن انشقّوا عنه بعد اجتماع الحكمين وقيامهما بعزل الإمام عليّ عليه السلام عن الخلافة مطلقين شعار لا حكم إلّا لله.
قاتلهم الإمام عليه السلام بمعركة النهروان وقضى عليهم، وهم الّذين يُطلق عليهم المارقون ولهم تسميات أخرى.

أهمُّ معتقداتهم
1 ـ تكفير مرتكب الكبيرة.
2 ـ إنكار مبدأ التحكيم.
3 ـ تكفير عثمان وعليّّ ومعاوية وطلحة والزبير.

الفرقة المتبقيّة منهم إلى الآن هم الإباضيّة المقيمون في عُمان وزنجبار وشمال أفريقيا وأهمّ معتقداتهم هي:امتناع رؤية الله سبحانه في الآخرة، القرآن حادث غير قديم، الشفاعة:وتعني عندهم دخول الجنّة بسرعة، مرتكب الكبيرة كافر نعمة لا كافر ملّة.

أهمُّ شخصيّاتهم:
عبد الله بن إباض، عكرمة البربري، قطري بن الفجاءة، عمران بن حطّان السدوسيّ البصريّ.

* دراسات في المذاهب الإسلامية, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1-السيرة النبوية، ابن هشام، ج4، ص 496. الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج2، ص184.
2-نهج البلاغة، ج1، ص 183.
3-م.ن، الخطبة 93.
4-نهج البلاغة، الخطبة 60
5-الأنعام: 103.
6-وفي كتاب المذاهب الإسلاميّة، للشيخ السبحاني، يقول: إنّ عبد الله بن إباض التميمي معاصر لمعاوية وعاش إلى أواخر أيّام عبد الملك بن مروان. انظر:السبحاني، المذاهب الإسلامية، مؤسسة الإمام الصادق ، قم ـ إيران، ط1، 1423هـ، ص136.
7-انظر:المذاهب الإسلامية، السبحاني، ص136.
8-نهج البلاغة، الخطبة 40.
9-م.ن، الخطبة 58.
10-م.ن، الخطبة 59، (يعني بالنطفة ماء النهر وهو أفصح كناية عن الماء وإن كان كثيراً جمّاً).
11-م.ن، الخطبة 60.
12 نهج البلاغة، الكلمة: 323.

2013-02-09