الإختلاط
زاد المغترب
إن الاختلاط بشكل عام هو أرض خصبة لها قابلية للوقوع في الكثير من الانحرافات السلوكية والنفسية، التي قد تستدرج الإنسان على هذين المستويين ليجد نفسه في لحظة ما قد فقد كل الدفاعات النفسية التي تقف في وجه وسوسات الشيطان...
عدد الزوار: 961
الاختلاط:
إن الاختلاط بشكل عام هو أرض خصبة لها قابلية للوقوع في الكثير من الانحرافات
السلوكية والنفسية، التي قد تستدرج الإنسان على هذين المستويين ليجد نفسه في لحظة
ما قد فقد كل الدفاعات النفسية التي تقف في وجه وسوسات الشيطان والنفس الأمارة
بالسوء، من هنا كان للاختلاط خطورته الخاصة التي تحتم معرفة الحدود الشرعية التي
تمنع الإنسان من الوقوع في شرك إبليس وجنوده.
ما معنى الاختلاط ؟
المقصود من الاختلاط هو اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد، سواء في بيت أو سوق أو
طريق... فكل لقاء لأحد الجنسين مع الاخر هو نوع من أنواع الاختلاط.
والاختلاط إذا فسرناه بهذا المعنى الواسع إذا أمكن اجتنابه لشخص أو شخصين فهو
بالتأكيد متعسر بالنسبة للمجتمع عموماً، لأن الإنسان يعيش عادة في مجتمع مختلط
ولأفراده حاجات متبادلة يتعسر معها فرض عزلة الرجال عن النساء بشكل كامل، بل نجد
الاختلاط موجوداً حتى في بعض الأمور الشرعية الأساسية كالحج، وكذلك الجهاد كما
يستفاد من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله حيث كان يخرج معه النساء لمداواة
الجرحى ولسقي الماء ونحو ذلك...
الخلوة المحرمة
حرمت الشريعة المقدسة نوعاً من الاختلاط وهو الاختلاط الذي يصل إلى حدّ الخلوة بين
الرجل والمرأة الأجنبيين، يقول الإمام الخميني قدس سره في ذلك "إذا اجتمع الرجل
والمرأة في محلة خلوة، بحيث لم يوجد أحد هناك، ولا يتمكن الغير من الدخول، فإن كانا
يخافان الوقوع في الحرام فيجب أن يتركا المكان" 1 . ويكفي أن يكون
الحرام بمقدار النظرة المحرمة. فمثل هذه الخلوة محرمة بنفسها. وفي الرواية عن علي
عليه السلام : "لا يخلو بامرأة رجل، فما من رجل خلا بامرأة إلا كان الشيطان
ثالثهما" 2 .
ضوابط الاختلاط الحلال
إذا لم تحصل الخلوة، فالاختلاط ليس محرماً بنفسه ولكن هذا لا يعني عدم وجود حواجز
شرعية...
وهناك العديد من الحدود التي يجب أو ينبغي الالتفات إليها ومراعاتها عند اختلاط
الرجل بالمرأة نشير إلى بعضها:
1- التبرج والزينة: إن التبرج والزينة من الأمور التي يحرم على المرأة إظهارها
للرجل الأجنبي، وفي حديث المناهي عن النبي صلى الله عليه وآله : "ونهى أن تتزين
لغير زوجها فإن فعلت كان حقا على الله أن يحرقها بالنار".
2- الرائحة والطيب: إن الطيب والرائحة هي شبيهة بالتبرج أيضاً ولكن التبرج تدركه
حاسة البصر وأما الطيب فتدركه حاسة الشم، لذلك فمع وجود المفسدة يحرم الخروج بالطيب
والاختلاط فيه. وعن جابر بن يزيد قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه
السلام يقول: " ولا يجوز لها أن تتطيب إذا خرجت من بيتها" والخروج هنا مثال لما
يحقق الاختلاط، لذا فالحرمة لا تختص بالخروج بل تشمل مطلق الاختلاط بالأجنبي حتى لو
حصل في البيت.
3- اللمس والمصافحة: إن اللمس والمصافحة من المفاسد التي تتعلق بحاسة اللمس، فيحرم
لمس بشرة الأجنبي، وقد ورد عن رسول الله ص : "من صافح امرأة حراماً جاء يوم القيامة
مغلولا ثم يؤمر به إلى النار". وعن الإمام الباقر عليه السلام : "ولا يجوز للمرأة
أن تصافح غير ذي محرم إلا من وراء ثوبها"، فالحرمة من الطرفين، فيحرم على الرجل أن
يصافح المرأة، ويحرم على المرأة أن تصافح الرجل.
4- الخضوع في القول: بمعنى الميوعة في طريقة الكلام، وقد نهى الله تعالى عن ذلك في
قوله تعالى: ﴿يَا
نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا
تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَض وَقُلْنَ قَوْلًا
مَّعْرُوفًا﴾
3، فعلى المرأة المسلمة أن تتحدث بأسلوب متزن بعيداً عن الأساليب التي
تتسبب بفتنة المستمع من الرجال، خصوصا الذين في قلوبهم مرض.
5- الإمعان في النظر: يقول تعالى: ﴿قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ
أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِير بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ
يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى
جُيُوبِهِنَّ...﴾4، فعلى المؤمنين والمؤمنات أن يغضوا من أبصارهم. ومعنى الغضّ في
اللغة: الخفض والنقصان من الطرف، وغض البصر يعني عدم التحديق والإمعان في الشيء.
وعن النبي الأكرم ص : "اشتد غضب الله على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها أو
غير ذي محرم منها، فإنها إن فعلت أحبط الله عز وجل كل عمل عملته..." 5
وعنها: "من ملأ عينه من حرام، ملأ الله عينه يوم القيامة من النار، إلا أن يتوب
ويرجع" 6 .
6 المزاح وكثرة الضحك: ينبغي أن تحافظ المرأة على رصانتها عند الاختلاط ولا تطلق
العنان لنفسها لتظهر وكأنها ذات شخصية خفيفة تميل مع الأهواء بسهولة. وكثرة المزاح
والضحك من أكثر الأمور التي تظهر خفة المرأة وعدم رصانتها في هذا المجتمع المختلط،
لذلك نجد الرواية عن رسول الله ص : "من فاكه امرأة لا يملكها حبسه الله بكل كلمة في
الدنيا ألف عام" 7 ، فالمزاح يرفع الحواجز النفسية ويمهد الطريق أمام أي
انزلاق محتمل.
*زاد المغترب, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- توضيح المسائل
للإمام الخميني قده ، المسألة رقم 2445.
2- مستدرك الوسائل، ج14، ص265.
3- سورة الأحزاب، الاية: 32.
4- سورة النور، الايتان: 30 31.
5- ميزان الحكمة، ج2، ص116.
6- ميزان الحكمة، ج4، صفحة 3291.
7- وسائل الشيعة، ج20، ص198.