يتم التحميل...

إيّاكم والتكبّر

جمادى الأولى

إيّاكم والتكبّر

عدد الزوار: 28

إيّاكم والتكبّر


من الصفاتِ المذمومةِ في الإنسانِ التكبُّرُ بما يحملُه من ترفُّعٍ عن سائرِ الناسِ بنحوٍ يرى الإنسانُ نفسَه أعلى من غيرِه،  فيرى لنفسِه العزّةَ والتعظيمَ فوقَ الغيرِ.

وهذه الصفةُ هي من الصفاتِ التي خصَّ اللهُ عزَّ وجلَّ بها نفسَه، وقد وردَ في كلامِ الإمامِ (عليه السلام): "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَبِسَ الْعِزَّ والْكِبْرِيَاءَ، واخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ، وجَعَلَهُمَا حِمًى وحَرَماً عَلَى غَيْرِهِ، واصْطَفَاهُمَا لِجَلَالِهِ"[1].

وهذا يعني أنَّ هذه الصفةَ لا ينالُها مخلوقٌ إلاّ إذا تجاوزَ الحدودَ التي جعلَها اللهُ عزَّ وجلَّ، الأمرُ الذي يكشفُ عن خطورةِ الوقوعِ في صفةِ التكبُّرِ.

وبما أنَّ للصفاتِ المذمومةِ أسبابَها التي يتوسَّلُ بها الشيطانُ لإيقاعِ الإنسانِ في حبائِلها، فقد تعرّضَ الإمامُ (عليه السلام) في بعض كلماتِه إلى تلك الأسبابِ وهي:

1- العصبيّةُ والحميةُ:
فالتعصّبُ المذمومُ إذا تشرّبَتْهُ النفسُ وامتَلَكَها ذهبَ بها إلى الكِبْر، وفي قصةِ إبليسَ عبرةٌ حيث قادَتْه هذه العصبيّةُ لكونِه مخلوقاً من نارٍ ليتكبَّرَ على آدمَ المخلوقِ من ترابٍ، يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): "اعْتَرَضَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بِخَلْقِهِ، وتَعَصَّبَ عَلَيْهِ لأَصْلِهِ، فَعَدُوُّ اللَّهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ، وسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ، ونَازَعَ اللَّهً رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ، وادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ، وخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ"[2].

2- وساوسُ الشيطانِ:
وهذا الذي وقعَ به إبليسُ جعلَهُ شراكاً يصطادُ به بني آدمَ فهو داءٌ ابتُلي به وأرادَ أنْ ينقلَ العدوى منه إلى غيرِه، ولذا فإنَّ من يتَّبعْ إبليسَ هم أصحابُ العصبيّةِ والحميّةِ، يقول (عليه السلام): "فاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّه عَدُوَّ اللَّهِ أَنْ يُعْدِيَكُمْ بِدَائِه، وأَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِه وأَنْ يُجْلِبَ عَلَيْكُمْ بِخَيْلِه ورَجِلِه... صَدَّقَه بِه أَبْنَاءُ الْحَمِيَّةِ وإِخْوَانُ الْعَصَبِيَّةِ، وفُرْسَانُ الْكِبْرِ والْجَاهِلِيَّةِ"[3].

ويصفُ فعلَ القتلِ الذي صدرَ من قابيلَ بحقِّ أخيه بأنّه إنّما كان بسببِ ما بثَّهُ الشيطانُ في نفسِه، يقولُ (عليه السلام): "ونَفَخَ الشَّيْطَانُ فِي أَنْفِه مِنْ رِيحِ الْكِبْرِ، الَّذِي أَعْقَبَه اللَّهُ بِه النَّدَامَةَ، وأَلْزَمَه آثَامَ الْقَاتِلِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"[4].

3- الحسدُ:
فحيثُ يرى الإنسانُ النعمةَ لدى غيرِه ويرى أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ فضَّلَ غيرَه عليه بها، يذهبُ به حسدُه إلى التكبُّرِ تعويضاً عمّا يراه من نقصٍ لحقَ به، ولذا يصفُ الإمامُ هذه الصفةَ كعاملٍ موجبٍ للتكبُّرِ، يقولُ (عليه السلام): " ولَا تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى ابْنِ أُمِّه، مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَه اللَّهُ فِيه، سِوَى مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَةُ بِنَفْسِه مِنْ عَدَاوَةِ الْحَسَدِ، وقَدَحَتِ الْحَمِيَّةُ فِي قَلْبِه مِنْ نَارِ الْغَضَبِ، ونَفَخَ الشَّيْطَانُ فِي أَنْفِه مِنْ رِيحِ الْكِبْرِ"[5].

4- المالُ والنعمُ:
يُعطي اللهُ عزَّ وجلَّ بعضَ خلقِه من نعمِه ويُفيضُ عليهم من المالِ والبنينَ وذلك ليكونَ معيناً لهم على طاعتِه والتقرّبِ منه، ولكنَّ أهلَ المعاصي يتعصّبونَ لهذا الرزقِ فيرونَ بذلك الفضلَ والامتيازَ لهم عن غيرِهم فيجرُّهم ذلك للتكبُّرِ عليهم، يقولُ (عليه السلام): "وأَمَّا الأَغْنِيَاءُ مِنْ مُتْرَفَةِ الأُمَمِ، فَتَعَصَّبُوا لِآثَارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ، فَـ * ( قالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وأَوْلاداً، وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ )[6].

5- طاعةُ الكُبراءِ:
لقد ذمَّ القرآنُ الكريمُ تلك الطاعةَ للكُبراءِ ولم يرضَ حجّةَ من اعتذرَ عن الضلالِ بأنّه كانَ ذلك منه طاعةً لسادتِه وكُبرائِه، ويَصفُ الإمامُ (عليه السلام) هؤلاءِ السادةَ والكُبراءَ بأنّهم من الأسبابِ التي تُوقعُ الإنسانَ في الكبْرِ، يقولُ (عليه السلام): " أَلَا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وكُبَرَائِكُمْ، الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وتَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ، ... فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ أَسَاسِ الْعَصَبِيَّةِ، ودَعَائِمُ أَرْكَانِ الْفِتْنَةِ وسُيُوفُ اعْتِزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ"[7].


[1]، الخطبة 192 من نهج البلاغة.
[2]، الخطبة 192.
[3]، الخطبة، 192.
[4]، الخطبة 192.
[5]، الخطبة 192.
[6]، الخطبة 192.
[7]، الخطبة 192.

2019-01-09