يتم التحميل...

نور الأسبوع: ذِكْــرُ الله

جمادى الثانية

لا شك في ارتباط الإنسان بخالقه تكوينيا، فأمر هذا الإنسان بيد الله، يتصرف به كيفما يشاء، ولا اختيار للإنسان فيه، ولكن المفهوم الإسلامي للعلاقة بالخالق يرتبط بعنصر آخر يمتاز بكونه أمرا اختيارياً يسعى الإنسان إليه ويجعله هدفا في حياته وهو الارتباط القلبي بالله عز وجل والذي يعبّر عنه بالذكر.

عدد الزوار: 39

ذِكْــرُ الله


قال تعالى:﴿يُسَبِّحُ لَه فِيها بِالْغُدُوِّ والآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله.

لا شك في ارتباط الإنسان بخالقه تكوينيا، فأمر هذا الإنسان بيد الله، يتصرف به كيفما يشاء، ولا اختيار للإنسان فيه، ولكن المفهوم الإسلامي للعلاقة بالخالق يرتبط بعنصر آخر يمتاز بكونه أمرا اختيارياً يسعى الإنسان إليه ويجعله هدفا في حياته وهو الارتباط القلبي بالله عز وجل والذي يعبّر عنه بالذكر.

وهذا الارتباط هو الحكمة في العبادات التي أمر الله عز وجل الإنسان بأدائها، ولكنه لم يخلقه مجبورا على ذلك، بل جعل الترغيب بها والحث عليها وسيلة للقيام بها، بل الإفاضة أي الإكثار من ذكر الله هو المطلوب، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "أَفِيضُوا فِي ذِكْرِ اللَّه فَإِنَّه أَحْسَنُ الذِّكْرِ، وارْغَبُوا فِيمَا وَعَدَ الْمُتَّقِينَ فَإِنَّ وَعْدَه أَصْدَقُ الْوَعْدِ".

وذِكْر الله عز وجل يقع على نمطين ذكرٌ لساني وآخرُ قلبي، والذكْرُ اللساني وسيلةٌ وطريقٌ لكي يعيش القلب حالة الذكر والمتمثل بالحضور الإلهي الدائم في أفق النفس الإنسانية وفي كل موقف يقوم به أو تصرف يسلكه.

والذكر دواء ناجع لزوال كل الحجب التي قد تتراكم على القلب فتحول بينه وبين أن يبصر حقائق الأشياء، ومن هنا قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "جَعَلَ الذِّكْرَ جِلاءً لِلْقُلُوبِ، تَسْمَعُ بِه بَعْدَ الْوَقْرَةِ وتُبْصِرُ بِه بَعْدَ الْعَشْوَةِ، وتَنْقَادُ بِه بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ". وكما يوضح هذا النص العلويّ فإن ثمرة الذكر بعد أن تتحقق الرؤية الصحيحة هو الانقياد والخروج من حالة العناد للحق.

ولِذِكْر الله عز وجل تأثيرٌ مباشر على الإنسان فيما يتعرّض له في حياته من تقلّبات: ولذا يصف الإمام (عليه السلام) الذاكرين بقوله: "إِنْ أَوْحَشَتْهُمُ الْغُرْبَةُ آنَسَهُمْ ذِكْرُكَ، وإِنْ صُبَّتْ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبُ لَجَئُوا إِلَى الِاسْتِجَارَةِ بِكَ".

وعندما يتحقق فتح هذا الباب للعلاقة مع الله عز وجل يصبح الإنسان مشغولا على الدوام بذكر الله ويتعرض الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لصفة هؤلاء فيقول: "يُمْسِي وهَمُّه الشُّكْرُ ويُصْبِحُ وهَمُّه الذِّكْرُ، يَبِيتُ حَذِراً ويُصْبِحُ فَرِحاً، حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ، وفَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ والرَّحْمَةِ،... إِنْ كَانَ فِي الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ، وإِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ".

فيخرج في المرحلة الأولى عن طائفة الغافلين نهائيا، ولا يقف الرقي المعنوي للذاكرين هنا بل يصل مقام من أصبح لذكر الله طعما في نفوسهم يلتذّون به ويأنسون من خلاله فهو عيشهم وحياتهم، يقول الإمام (عليه السلام): "إِنَّ لِلذِّكْرِ لأَهْلًا أَخَذُوه مِنَ الدُّنْيَا بَدَلًا، فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ ولَا بَيْعٌ عَنْه، يَقْطَعُونَ بِه أَيَّامَ الْحَيَاةِ، ويَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّه فِي أَسْمَاعِ الْغَافِلِينَ". لقد انتقل أهل الذكر إلى مرحلة التأثير بالآخرين فالذكر لا يجعلهم في عزلة عن الناس بل يجعلهم يهتفون بردع الغافلين عن محارم الله.

وعندما يقف الانسان في مرتبة الذاكرين تبدأ درجات القرب من الله عز وجل فيصبح الذاكر لله محلا لفيض خاص من الله يصفه أمير المؤمنين بقوله: "ومَا بَرِحَ لِلَّه عَزَّتْ آلَاؤُه فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ، وفِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ، وكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ، فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي الأَبْصَارِ والأَسْمَاعِ والأَفْئِدَةِ".

نتوسل إلى الله عز وجل بما توسل به أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء كميل بن زياد حيث يقول:"أسألك بحقك وقدسك وأعظم صفاتك وأسمائك أن تجعل أوقاتي من الليل والنهار بذكرك معمورة، وبخدمتك موصولة ، وأعمالي عندك مقبولة ، حتى تكون أعمالي وأورادي كلها وردا واحدا، وحالي في خدمتك سرمدا".

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

2017-03-22