يتم التحميل...

إبراهيم عليهم السلام والاختبار الإلهي

النبي ابراهيم عليه السلام

أمنية كل مؤمن أن يهبه الله تعالى الذرية الصالحة وكان إبراهيم عليه السلام ممن لم يرزقه الله الولد في بداية حياته لمشكلة في زوجه التي كانت عاقراً، وهنا التجأ إبراهيم عليه السلام إلى الله عز وجل الذي بيده كل الأمور واستجاب له الله عز وجل طلبه هذا فإبراهيم عليه السلام أراد ذرية صالحة ملتزمة مؤمنة وهذا من طلب الخير.

عدد الزوار: 56

الذريَّة الصالحة
أمنية كل مؤمن أن يهبه الله تعالى الذرية الصالحة وكان إبراهيم عليه السلام ممن لم يرزقه الله الولد في بداية حياته لمشكلة في زوجه التي كانت عاقراً، وهنا التجأ إبراهيم عليه السلام إلى الله عز وجل الذي بيده كل الأمور واستجاب له الله عز وجل طلبه هذا فإبراهيم عليه السلام أراد ذرية صالحة ملتزمة مؤمنة وهذا من طلب الخير ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِي * رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ1.

وكانت البشرى الإلهية لإبراهيم هي أن رزقه الله إسماعيل من هاجر غير زوجته الأولى سارة، ووصف الله هذا الولد بأنه غلام حليم وهكذا كانت البشرى لإبراهيم هي باستجابة الدعاء بأن وهبه الله الولد وكانت البشرى أيضاً بأنه كان غلاماً أي أنَّه ممن يصل إلى سنّ الشباب والفتوة وكانت البشرى بأنه حليم وهو الذي يضبط نفسه عند الغضب ويصبر.

وكتب الله عز وجل لإبراهيم أيضاً أن يكون كل أولاده هبة من الله عز وجل وأن تبشره الملائكة بهذه الهبة الإلهية فقد وهبه الله عز وجل غلاماً آخر هو إسحاق من زوجته الأولى وبعد أن كانت عاقراً ﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ2.

وقد اقترنت هذه البشارة لإبراهيم بإسحاق بأنَّ إسحاق سيولد له ولد وهو يعقوب فهي بشارة بالولد وبالحفيد.

إن قصة إبراهيم عليه السلام هذه تحكي عن اللطف الإلهي بعباد الله الصالحين لأن إبراهيم عليه السلام كان شيخاً كبير السنّ وزوجته كانت عاقراً، ولكن الله كتب له الولد الصالح فلا ينبغي للإنسان أن يحترز عن التوسل إلى الله في قضاء أي حاجة يطلبها ومن الخطأ الفادح أن يتوهم الإنسان أن الله يعجز عن الإستجابة له لأنه القادر على كل شيء.

وفي آية أخرى يحدثنا القرآن عن هذه البشارة فيقول: ﴿فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ3.

وقد ورد في آخر الآية أن الاستجابة إنما تكون عن حكمة وعلم فهي لا تصدرُ لمجرد دعاء الإنسان وطلبه أمراً من الله بل لا بدَّ وأن يكون في ذلك حكمة للعبادة ومصلحة لهم.

وفي الرواية قال أحدهم للرضا عليه السلام جعلت فداك إني قد سألت الله تبارك وتعالى حاجة منذ كذا وكذا سنة، وقد دخل قلبي من إبطائها شيء فقال عليه السلام: يا أحمد إياك والشيطان أن يكون له عليك سبيلاً حتى يعرضك إن أبا جعفر صلوات الله عليه كان يقول: إن المؤمن يسأل الله الحاجة فيؤخر عنه تعجيل حاجته حباً لصوته، واستماع نحيبه ثم قال: والله لما أخر الله عن المؤمنين مما يطلبون في هذه الدنيا خير لهم مما عجل لهم منها، وأي شيء الدنيا؟ إن أبا جعفر كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة، ليس إذا ابتلى فتر، فلا تمل الدعاء (فإنه) من الله تبارك وتعالى بمكان4.

الإختبار الإلهي بعد البشارة
إن التكليف الشرعي بالنسبة للمؤمن هو الهدف الذي يسعى دائماً إلى تحقيقه، لأن في مقابل الإلتزام الكامل به رضا الله سبحانه وتعالى.

وقد يكون التكليف الشرعي في بعض الأحيان مخالفاً لمزاج الإنسان وهواه، وهنا تكون الفرصة السانحة التي لا يحب الشيطان أن يفوتها، فيدخل على الخط ليحاول ثني الإنسان عن أداء هذا التكليف إما من خلال تثبيط عزيمته أو بتحريك هوى النفس الأمّارة بالسوء باتجاه رغباتها وبالتالي ترك التكليف.

وفي هذه الحالة يكون الأمر ابتلاءاً وامتحاناً من الله تعالى لعبده، وهذا الإمتحان من الله تعالى للعباد يختلف من شخص لآخر، وبحسب قدرة كل إنسان على التحمل، ولذا يختلف امتحان الأنبياء عليهم السلام عن امتحان سائر البشر لتفاوت القدرات بينهم.

لقد كان التكليف الإلهي الذي اختبر به الله عز وجل خليله إبراهيم عليه السلام عظيماً، وعظيماً جداً إنه أمرٌ قد يسقط في الإلتزام به الإنسان العادي والذي لم يصل إلى المقام الإيماني العظيم الذي وصل إليه النبي إبراهيم عليه السلام، فأي بشر يحتمل أن يذبح ولده فقط طاعة لله ولأن الله أمره بذلك دون أن يعرِّفه سرَّ ذلك.

هنا كان الموقف الكبير والقرار الذي لا مداهنة فيه، وهو الانقياد التام لأمر الله تعالى والطاعة والتسليم، فيقود ولدهُ نحو المذبح هذا الولد الذي جاءه بعد دعاءٍ استجابهُ الله تعالى له، ولكن إذا كان الله هو الذي أعطى فله كل شيء وعلى إبراهيم عليه السلام أن يطيعه.

وتتجلى الطاعة عند إسماعيل عليه السلام هذا الفتى الذي خاطب أباه بالطاعة، مشهد رباني حدثتنا عنه الآيات الكريمة:﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَا اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ5.

ليس مناماً عابراً إنها رؤيا من نبي فهي أمر إلهي وتكليف ربّاني.

وأما الطاعة فإنها أرقى من مجرد أن يقوم إبراهيم بعملية الذبح إنها حالة التسليم أي الخضوع والخشوع وتقبل الأمر، فهو يقبل على عملية ذبح ولده وهو على قناعة تامة بأن ذلك الطلب الإلهي لا مجال فيه للشك أو السؤال ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ6. عندما أسلم إبراهيم وإسماعيل للأمر وجلس الولد في المذبح واستل الوالد سكينه دون اضطراب أو قلق إنها الطاعة ولكن النداء الإلهي جاءه

﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ7.

لقد تحقق المطلوب واجتاز إبراهيم عليه السلام الامتحان وأظهر التسليم التام أمامَ الأمرِ الإلهي، فأتى أمر الله تعالى بعد أن علم صدقه وتسليمه بأن يذبح الكبش (الفداء) بدل ولده وبهذا استحق إبراهيم عليه السلام أن يكون من المحسنين والمؤمنين واستحقَّ مقام الإِمامة الإلهية.

وكانت سنّة إبراهيم هذه في ذبحه للفداء أمراً إلهيا بالتضحية على كل من حج بيت الله الحرام تذكيراً لهذا الإنسان بالموقف العظيم لنبي من أنبياء الله العظام عليهم السلام لقد قص القرآن الكريم هذه القصة ليبين للمسلمين أهمية الطاعة للتكليف الإلهي والتسليم أمامه وأن على الإنسان أن لا يختلق المبررات لمخالفة أي تكليف طلبه الله تعالى منه.

* أولو العزم،سلسلة الدروس الثقافية, جمعية المعارف الثقافية، ط1، 2006 م - 1424هـ، ص 45 - 51


1- الصافات: 99 - 101.
2- هود: 71 - 73.
3- الذاريات:29 - 30.
4- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج9، ص367.
5- الصافات: 102.
6- الصافات:103.
7- الصافات: 104 - 111.
 

2010-04-02