يتم التحميل...

لا تعصِ الله (الكذب)

العلاقة مع الله

قبائح الكذب:الكذب حرام بضرورة العقول والأديان، ويستفاد من القرآن الكريم والروايات أنه من الذنوب الكبيرة.والآيات والأخبار الواردة في كبر ذنب الكذب وشدة عقوبته ومفسدته ومضرته كثيرة

عدد الزوار: 100

قبائح الكذب
الكذب حرام بضرورة العقول والأديان، ويستفاد من القرآن الكريم والروايات أنه من الذنوب الكبيرة.

والآيات والأخبار الواردة في كبر ذنب الكذب وشدة عقوبته ومفسدته ومضرته كثيرة منها:

1- الكذب فسق

قال تعالى: ﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ(البقرة:197).

حيث عبَّر عن الكذب بالفسوق، وأيضاً في سورة الحجرات عبَّر عن الكاذب بالفاسق: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(الحجرات:6).

2- الكذب يتناقض مع الإيمان

يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ(النحل:105) ﴿وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ(المائدة:103).

3- الكذب من علامة النفاق

كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاث خصال من علامات المنافق: إذا حدّث كذِب، وإذا ائتمن خان، وإذا وعد أخلف".

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "الكذب باب من أبواب النفاق"1.

4- الكذب منشأ جميع الذنوب

فعن الباقر عليه السلام: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل للشرِّ أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شر من الشراب".

وعن الإمام العسكري عليه السلام: "جعلت الخبائث كلها في بيت وجعل مفتاحها الكذب".

وقد جسَّدت الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الحقيقة بكل وضوح، عندما جاءه رجل وقال له: يا رسول الله: إني لا أصلي وارتكب القبائح وأكذب، فأيها أترك أولاً؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الكذب، فتعهد الرجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يكذب أبداً.

فلما خرج عرضت له نية في منكر فقال في نفسه، إن سألني رسول الله غداً عن أمري، ماذا أقول له؟ فإن أنكرت كنت كاذباً، وإن صدقت جرى عليّ الحد، وهكذا ترك الكذب في جميع أفعاله القبيحة حتى تورّع عنها جميعاً، ولذا فترك الكذب طريق لترك الذنوب.

5- الكذب سبب الخذلان الإلهي

وهو سبب للحرمان من الهداية الإلهية كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ(الزمر:3) ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ(غافر:28).

6- الحرمان من صلاة الليل

عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الرجل ليكذب فيحُرم بها صلاة الليل، فإذا حرم صلاة الليل حُرِم بها الرزق"2.

7- الكذب يهلك صاحبه

كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اجتنبوا الكذب، وإن رأيتم فيه النجاة فإنَّ فيه الهلكة"3.

8- لا يقبل رأي الكاذب

كما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا رأي لكذوب"4.

9- يسلب البهاء

كما ورد عن عيسى عليه السلام: "من كثر كذبه ذهب بهاؤه" بنحو ينفر عنه الناس، ولأجل قبح الكذب وخطورته كان التحذير من مصاحبة الكذاب.

10- التحذير من مصادقة الكذّاب

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب مؤاخاة الكذاب، أنه يكذب حتى يجي‏ء بالصدق فلا يُصدَّق"5.

وعنه عليه السلام: "إياك ومصادقة الكذّاب، فإنه كالسراب يقرّب عليك البعيد ويبعد عليك القريب"6.

هذا غيض من فيض في قبح الكذب، ولقد عدّد المرحوم الشيخ النوري أربعين نقطة من خلال القرآن الكريم والأحاديث في شناعة أمر الكذب، لم نذكرها للاختصار.

الكذب بدافع المزاح والهزل

من جملة أقسام الكذب ما يكون بدافع الهزل والمزاح لغرض الترفيه والضحك، مثل: أن يقال لشخص ساذج بسيط: إن هذه المرأة ترغب في الزواج منك، أو إن هذا الشخص دعاك الليلة لوليمة أو إن المال الفلاني أعطي لك حوالة، وأمثال ذلك.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب جدّه وهزله"7.

وعن أبي ذر رضوان الله عليه في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم له:

"يا أبا ذر من ملك ما بين فخذيه وما بين لحييه دخل الجنة، إن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوي في جهنم ما بين السماء والأرض.

يا أبا ذر: ويل للذي يحدِّث ويكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له
"8.

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيان أشراط الساعة: "ويكون الكذب عندهم طرافة، فلعنة الله على الكاذب ولو كان مازحاً"9.

الكذب الصغير والكبير

وينبغي أيضاً اجتناب الكذب المتعارف أنه صغير كما تدل على ذلك هذه الرواية: عن الإمام السجاد عليه السلام: "إتّقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل"10.

الكذب على اللـه والرسول والإمام

إذا كان الكذب من الكبائر، وحذّرت الروايات من صغيره وهزله، فكيف بالكذب على الله تعالى ورسوله والأئمة، فإنَّه أسوأ مراتب الكذب، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(النحل:116-117).

ويقول تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ(الزمر:60).

إن الكذب على الله جلَّ وعلا، الذي هو أحد أسباب اسوداد الوجه يوم القيامة، له معان واسعة تصل حتى الادِّعاء للإمامة والقيادة كذباً، فعن الإمام الصادق عليه السلام عندما أجاب الإمام على سؤال يتعلق بتفسير هذه الآية، وقال: "من زعم أنه إمام وليس بإمام، قيل: وإن كان علوياً فاطمياً؟ قال: وإن كان علوياً فاطمياً"11.

وكذلك فإنَّ من نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى الإمام المعصوم حديثاً مختلقاً اعتبر كاذباً على الله، لأنهم لا ينطقون عن الهوى. لهذا فقد ورد في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "من تحدّث عنا بحديث فنحن سائلوه عنه يوم، فإن صدق علينا فإنما يصدق على الله وعلى رسوله وإن كذب علينا فإنه يكذب على الله ورسوله، لأنّا لا نقول قال فلان وقال فلان، إنّما نقول: قال الله وقال رسوله، ثم تلا هذه الآية (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ)"12.

الصدق

بمعرفتنا لقبح الكذب نعرف حسن الصدق، فالصدق من علامات صدق الإيمان ورأسه، كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة"13.

وعن الإمام علي عليه السلام: "الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرُّك، على الكذب حيث ينفعك"14.

وعنه عليه السلام: "الصدق أقوى دعائم الإيمان"15.

وعنه عليه السلام: "الصدق رأس الدين"16.

هذا وطريق الصدق هو طريق الأنبياء والأولياء الربانيين، حيث كانوا يتجنبون كلَّ كذب وغشِّ وخداع وحيلة في أفكارهم وأقوالهم وأعمالهم، وهذا بخلاف شياطين الإنس من الزعماء والرؤساء والملوك الذين ديدنهم الكذب والخداع والغشّ، وهذا من أسباب فشل المسلمين، ذلك أنَّهم اتبعوا شياطين الإنس الكاذبين وتركوا الصادقين، في حين أنَّ الله تعالى أمرنا أن نكون مع الصادقين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ(التوبة:119).


*من كبائر الذنوب، إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2008م، ص39-47.


1- ميزان الحكمة، مج‏8، ص‏341.
2- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج‏1، ص‏287.
3- ن.م، ص‏288.
4- ن.م، ص‏286.
5- ن.م، ص‏288.
6- مشكاة الأنوار، الطبرسي، ص‏157.
7- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج‏1، ص‏292.
8- ن.م، ص‏292.
9- ن.م، ص‏293.
10- ن.م، ص‏292.
11- تفسير نور الثقلين، مج‏4، ص‏496.
12- مجمع البياند ذيل تفسير الآية.
13- ميزان الحكمة، مج‏5، ص‏287.
14- ن.م، ص‏286.
15- ن.م، ص‏287.
16- ن.م، ص‏287.
2009-08-31