يتم التحميل...

الآداب العامة لعبادة الله تعالى (3)

العلاقة مع الله

من الآداب القلبية حضور القلب الذي يمكن أن يكون كثير من الآداب مقدمة له والعبادة بدونه ليس لها روح وهو بنفسه مفتاح قفل الكمالات وباب أبواب السعادات.

عدد الزوار: 17

 التفهيم
من الآداب القلبية في العبادات وخصوصا العبادات الذكرية التفهيم، وهو يعني تهيئة القلب لفهم الأذكار الصلاتيّة، حتى ينفتح لسان القلب الذي هو المطلوب الحقيقي.

إن من أسرار تكرار الأذكار والأدعية ودوام الذكر والعبادة انفتاح لسان القلب ليتفهم معانيها ويتأثّر بمضامينها. وعلامة انفتاح لسان القلب أن يرتفع تعب الذكر ومشقته ويحصل النشاط والفرح ويرتفع الملل والألم.

وقد أشير إلى هذا الأدب في الأحاديث الشريفة ومنها: عن الصادق عليه السلام قال لأبي أسامة: "يا أبا أسامة أوعوا قلوبكم بذكر الله واحذروا النكت".

وعن الصادق عليه السلام، عن علي عليه السلام في بيان بعض آداب القراءة: "ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة".

وقد كان الأئمة عليهم السلام يراعون هذا الأدب كما في الحديث أن الصادق عليه السلام كان في صلاته فغشي عليه فلمّا أفاق سئل عن سببه فقال عليه السلام: "ما زلت أردد هذه الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم بها..".

إذن الذكر اللساني مهم ولكن الذكر القلبي هو الأهم، تأثر القلب هو المطلوب، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر: "يا أبا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكر، خير من قيام ليلة والقلب لاه".

حضور القلب
من الآداب القلبية حضور القلب الذي يمكن أن يكون كثير من الآداب مقدمة له والعبادة بدونه ليس لها روح وهو بنفسه مفتاح قفل الكمالات وباب أبواب السعادات.


وقد ورد الكثير من الأحاديث الشريفة تشيرإلى هذا الأدب ومنها:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من صلى ركعتين لم يحدّث فيهما نفسه بشيء من الدنيا غفر الله له ذنوبه".

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر وإن منها لما تلفّ كما يلفّ الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها" وإن" مالك في صلاتك إلا ما أقبلت عليه بقلبك".

إن من أسرار العبادات وفوائدها أن تتقوّى إرادة النفس، وهذا لا يحصل إلا بالحضور القلبي في العبادة، وإذا كان القلب وقت العبادة غافلاً وساهياً ولاهياً فحينئذ لا أثر للعبادة على النفس وإرادته، ولذا ترون أنه بعد مضي أربعين أو خمسين سنة لا يحصل أثر في أنفسنا بل تزداد يوماً فيوماً ظلمة القلب وتزداد معصية الله، في حين أننا نرى كتاب الله سبحانه قد نص على أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.


موانع حضور القلب

الأسباب المانعة من حضور القلب في العبادة، تارة تكون من أمور خارجية ومن طريق الحواس الظاهرية، مثل أن يسمع السمع في حال العبادة شيئاً يتعلق القلب به فيسهو ويغفل، أو أن ترى العين شيئاً فيشتت ويصرف القلب عن حقيقة ومعنى العبادة.

وقد ذكر العلماء علاجاً لرفع هذا المانع مثل أن يصلي الإنسان في غرفة مظلمة أو مكان خال ويغضّ من بصره ولا يصلي في المواضع التي تجلب النظر.


ولكن هذا العلاج ليس علاجاً جذرياً، والعلاج الجذري يكون بالقضاء على السبب الأساسي لتشتت القلب وهما أمران باطنيان:

الأول
:
عدم السيطرة على الخيال.
الثاني: حب الدنيا.

السيطرة على الخيال

إن الخيال هو بنفسه فرّار ينتقل من فكرة إلى أخرى، والسيطرة عليه من الأمور المهمّة لتحقيق المطلوب من العبادة بل لتحقيق صلاح النفس والقرب من الله تعالى. وقوة الخيال قابلة للتربية وليست السيطرة عليه مستحيلة، وعليك ألا تيأس لأنه منبع الضعف والوهن، فعليك حال الصلاة أن تحفظ خيالك، وهذا أول الأمر ربما يبدو صعباً، ولكنه بعد تكرار المحاولة تصل إلى النتيجة المرجوة.

ولعله في بداية الأمر لا تستطيع السيطرة على خيالك في تمام الصلاة ولكن بالتدريج تصل إلى نتيجة أكثر، إن من الأمور المساعدة على السيطرة على الخيال معرفة أهمية الشيء الذي أنت بصدد التفكير فيه، فإذا عرفت أهمية الصلاة وأحببتها لحبّك للمعبود استقرّ خيالك على معانيها واستغرق في التفكر بالمعبود الإله العظيم وجماله وكماله وقوته.

حب الدنيا
كما عرفت إن الإنسان إذا أحبّ شيئاً واهتم به انشغل تفكيره وخياله فيه، وبما أن كثيراً من الناس أحبّوا الدنيا وجعلوها همّهم الأساس فإن خيالهم مشغول فيها وبهمومها وغافل عن المحبوب الحقيقي وهو الله تعالى.

فحب الدنيا منشأ لتشتت الخيال ومانع من حضور القلب.

علينا لتغيير اتجاه خيالنا أن نبدل حب الدنيا بحبّ الله تعالى كما كان الأئمة العظام عليهم السلام: "ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه ومعه".

وعلاج هذا المرض (حب الدنيا) هو بالعلم والعمل:

أما العلم

وهو أن تعرف مدى خطورته على النفس الإنسانية وعلى مصيرها النهائي، من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.

ومن الأحاديث: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "رأس كل خطيئة حب الدنيا".

وعن الصادق عليه السلام: "الدنيا بمنزلة صورة رأسها الكبر وعينها الحرص وأذنها الطمع ولسانها الرياء ويدها الشهوة ورجلها العجب وقلبها الغفلة وشجونها الفناء وحاصلها الزوال فمن أحبها أورثته الكبر ومن استحسنها أورثته الحرص ومن طلبها أوردته إلى الطمع ومن مدحها ألبسته الرياء ومن أرادها مكّنته من العجب ومن اطمأن إليها أولته الغفلة ومن أعجبته متاعها أفنته ومن جمعها وبخل بها ردّته إلى مستقرها وهي النار".


فإذا علم أن حب الدنيا هو منشأ جميع المفاسد، فعلى الإنسان العاقل قلع هذه الشجرة من قلبه.

أما العلاج العملي

فهو أن يجاهد نفسه للتخّلص من حبّ الدني، فإذا كان تعلقه بمال فإنه يقطع جذوره عن القلب ببسط اليد والصدقات الواجبة والمستحبة، وإن من أسرار الصدقات تقليل العلاقة بالدنيا، ولهذا يستحب للإنسان أن يتصدّق بالشيء الذي يحبّه ويتعلق قلبه به، كما قال تعالى:﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ...(آل عمران:92).

وإن كانت علاقته بفخر وتقدّم ورئاسة فليعمل ضدّها ويرغم نفسه حتى تصير إلى العلاج.

*دروس من الآداب المعنوية للصلاة، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، آذار 2004م، ص25-32.
2009-08-21