يتم التحميل...

أدب الجوارح_ السمع - البطن‏

آداب إسلامية

عن الإمام السجاد:وأما حق السمع، فتنزيهه عن أن تجعله طريقا إلى قلبك، إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا أو تكسب خلقا كريما، فإنه باب الكلام إلى القلب يؤدي به ضروب المعاني، على ما فيها من خير أو شر، ولا قوة إلا بالله.يختصر الإمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق في كلمات قليلة حق السمع ...

عدد الزوار: 19

عن الإمام السجاد: "وأما حق السمع، فتنزيهه عن أن تجعله طريقا إلى قلبك، إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا أو تكسب خلقا كريما، فإنه باب الكلام إلى القلب يؤدي به ضروب المعاني، على ما فيها من خير أو شر، ولا قوة إلا بالله"1.

يختصر الإمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق في كلمات قليلة حق السمع الذي لا بد وأن نراعيه ولكنه يشير في أول كلامه عليه السلام إلى تأثير السمع في القلب، ومعرفة هذا التأثير يعتبره الإمام عليه السلام من أول الحقوق.

فهذا السمع في الحقيقة ما هو إلا باب إلى قلب الإنسان وعقله، وإن نفس العضو المختص بالسمع أي الأذن لا يملك مصفاة تصفي ما يصلح سماعه أم لا بل إنها تستقبل أي شي‏ء سواء كان حسنا أم قبيحاً.

ومن هنا يأتي دور الإنسان، فعليه أن يتحكم بما يسمعه من خلال تواجده في الأماكن التي لا يضطر فيها لسماع أمر غير مرغوب فيه، أو على الأقل عدم الإصغاء إليه.

فما هو المطلوب أن ننزه أسماعنا عنه؟ هناك الكثير من الضوابط الشرعية التي ينبغي مراعاتها، والكثير من الانحرافات التي ينبغي تنزيه الأذن عن سماعها، ولكن سنشير إلى أمر يعتبر من أخطر المحرمات على الأذن وهو استماع الغناء.

نزه سمعك عن الغناء
والغناء هو ترجيع الصوت على الوجه المناسب لمجالس اللهو، وهو من المعاصي ويحرم على المغني والمستمع، وأما الموسيقى فهي العزف على آلاتها، فإن كانت بالشكل المتعارف في مجالس اللهو والعصيان فهي محرمة على عازفها وعلى مستمعها أيضاً2.

فالغناء من المحرمات التي جاء بها الكتاب يقول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلّ‏َ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ(لقمان:6)، وفي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: الغناء مما وعد الله عليه النار، وتلا هذه الآية3.

وفي رواية أخرى سمعت الإمام الصادق عليه السلام يقول: الغناء يورث النفاق، ويعقب الفقر4.

كما أنه يحرم الاستماع للغناء فإنه لا يجوز الحضور في مجلس الغناء والموسيقى المطربة اللهوية المناسبة لمجالس اللهو والعصيان إذا أدى ذلك للاستماع إليها أو إلى تأييدها5.

أثر الغناء على القلب‏
للاستماع إلى الغناء أثر كبير على القلب الذي يهم السالكين إلى الله تعالى أن يبقى أبيضَ ناصعاً غير ملوث بأكدار المعاصي، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: إياكم واستماع المعازف والغناء، فإنهما ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل7.

والبقل مع وجود الماء ينمو بسرعة كبيرة جداً وكذلك النفاق في القلب الذي يدخل إليه الغناء فإنه ينبت فيه النفاق بسرعة كبيرة أيضاً.

البطن‏
الطعام في الأصل هو ضرورة حياتية للإنسان، وقد جعل الله تعالى في الإنسان شهوة الطعام التي تدفع الإنسان نحو الأكل وبالتالي يتم تأمين حاجة البدن من الطعام بشكل يضمن بقاءه حياً.

ولكن عندما يذهب الإنسان بعيدا في إشباع الغريزة التي تدعوه لتناول الأطعمة ويصبح الأكل الهم الأكبر لديه، فهنا ينحرف الإنسان عن الخط الذي أراده الله تعالى له، فيتحول من إنسان أراده الله تعالى للعبادة التي تحقق السعادة إلى بهيمة هائمة لا ترى إلا علفها، ومن هنا جاء الإسلام ليحافظ على إنسانية الإنسان من خلال التشريعات التي تقنن عليه بعض الأنواع من الطعام التي ليس فيها صلاح له ولتأديبه بآداب تخلص نتيجتها إلى أن يأكل الإنسان ليعيش لا أن يعيش ليأكل.

نزه بطنك عن الحرام‏
إن الذي يتأمل فيما ورد عن الأئمة عليهم السلام، من الأحاديث ليجد حرصا كبيراً على حليَّة، ما يدخل في جوف الإنسان المؤمن ففي الحديث عن الإمام السجاد عليه السلام: "وأما حق بطنك، فأن لا تجعله وعاء لقليل من الحرام ولا لكثير، وأن تقتصر له في الحلال، ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين وذهاب المروة، وضبطه إذا هم بالجوع والظمأ، فإن الشبع المنتهي بصاحبه مكسلة ومثبطة ومقطعة عن كل بر وكرم، وأن الري المنتهي بصاحبه إلى السكر، مسخفة ومجهلة ومذهبة للمروة"8.

إذا هناك العديد من الأمور التي أمرنا الله تعالى أن ننزه أنفسنا عنها ومنها

1- الخمر
يقول الله تعالى: ﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(المائدة:90).

فالخمرة هي أم الخبائث، وهي من المحرمات الكبار التي تذهب بعقل الإنسان فيخسر دنياه وتعرضه لسخط الجبار فيخسر الآخرة وهذا هو الخسران المبين، ولقد وردت الروايات الكثيرة التي تنهى الإنسان عن تناول هذه المسكرات، ومما يفهم من بعض هذه الروايات أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، تشدد في عزل شارب الخمر اجتماعيا فأمر بمقاطعته فلا يزوج ولا يؤتمن ففي الرواية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: من ائتمن شارب الخمر على أمانة بعد علمه فليس له على الله ضمان ولا أجر له ولا خلف9.

وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله: شارب الخمر لا يزوج إذا خطب10.

ومن جهة أخرى فقد صورت الروايات شارب الخمر في يوم القيامة بصور مرعبة ومقززة ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: يأتي شارب الخمر يوم القيامة مسودا وجهه مدلعا لسانه، يسيل لعابه على صدره، وحق على الله أن يسقيه من (بئر خبال) قال: قلت: وما بئر خبال؟ قال: بئر يسيل فيها صديد الزناة11.

وفي رواية أخرى عن إمامنا الصادق: شارب الخمر يأتي يوم القيامة مسودا وجهه مائلا شفته مدلعا لسانه، ينادي العطش العطش12

2- الربا
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ‏ِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلّ‏َ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا(البقرة:275). لقد حارب الإسلام الربا وعدّه من المكاسب المحرمة، فمال الربا مال حرام وآكله آكل للمال الحرام، والسالك إلى الله تعالى لا بد له من أن يحرص على أن لا يشوب لحمه ودمه المال الحرام، فإن ذلك من الموانع التي تقف في طريق الإنسان للوصول إلى الله تبارك وتعالى وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: شر المكاسب كسب الربا13.

3- المال الحرام
المقصود به كل مال أخذ من غير ما أحله الله، كالمال الذي يجنيه بائع المحرمات كأشرطة الغناء والخمر، وكأكل أموال اليتامى ظلماً، يقول الله عز وجل: ﴿إِنّ‏َ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً(النساء:10).

ومن المال الحرام أيضاً غش الناس في التجارات والبيع يقول الله تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(البقرة:188).

ويقول في آية أخرى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنّ‏َ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً(النساء:29).

فيا أيها السالك إلى الله تعالى احذر كل الحذر من المال الحرام أن يدخل إلى بطنك أو يمتزج بلحمك ودمك لأن ذلك يزيد من الحجب بينك وبين ربك، ويجعلك تسير إلى وديان جهنم لا إلى الله تعالى وستكون من الأخسرين أعمالا والعياذ بالله: ﴿الَّذِينَ ضَلّ‏َ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا(الكهف:104).

*جهاد النفس، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2005م ، ص97-107.


1- مستدرك الوسائل الميرزا النوري، ج11، ص156.
2- أجوبة الإستفتاءات السيد علي الخامنئي، ج2، ص23.
3- وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي، ج71، ص304.
4- وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي، ج71، ص309.
5- أجوبة الإستفتاءات السيد علي الخامنئي، ج2، ص119.
6- الأربعون حديثاً الإمام الخميني قدس سره الحديث السادس.
7- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج3، ص2312.
8- ميتدرك الوسائل الميرزا النوري، ج11، ص157.
9- وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي، ج91، ص84.
10- وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي، ج20، ص79.
11- وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي، ج52، ص297.
12- المصدر السابق.
13- الوجيز في الفقه الإسلامي، ص57.
2009-08-12