يتم التحميل...

الحلم والغضب

العلاقة مع المجتمع

وهما ضبط النفس أزاء مثيرات الغضب، وهما من أشرف السجايا، وأعز الخصال، ودليلا سمو النفس، وكرم الأخلاق، وسببا المودة والاعزاز. وقد مدح اللّه الحلماء والكاظمين الغيظ، وأثنى عليهم في محكم كتابه الكريم.

عدد الزوار: 17

الحلم وكظم الغيظ
وهما: ضبط النفس إزاء مثيرات الغضب، وهما من أشرف السجايا، وأعز الخصال، ودليلا سمو النفس، وكرم الأخلاق، وسببا المودة والاعزاز.

وقد مدح اللّه الحلماء والكاظمين الغيظ، وأثنى عليهم في محكم كتابه الكريم. فقال تعالى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًاً(الفرقان:63).

وقال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(فصلت:34-35).

وقال تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(آل عمران:134).

وعلى هذا النسق جاءت توجيهات أهل البيت عليهم السلام:

قال الباقر عليه السلام: "إنّ اللّه عز وجل يحب الحييّ الحليم"1.

وسمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلاً يشتم قنبراً، وقد رام قنبر أن يردّ عليه، فناداه أمير المؤمنين عليه السلام: "مهلاً يا قنبر، دع شاتمك، مُهانا، ترضي الرحمن، وتسخط الشيطان، وتعاقب عدوك، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما أرضى المؤمن ربه بمثل الحلم، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت، ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه"2.

وقال عليه السلام: "أول عوض الحليم من حلمه، أن الناس أنصاره على الجاهل"3.

وقال الصادق عليه السلام: "إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان، فيقولان للسفيه منهما: قلت وقلت، وأنت أهل لما قلت، ستُجزى بما قلت. ويقولان للحليم منهما: صبرت وحلمت، سيغفر اللّه لك، إن أتممت ذلك. قال: فإن رد عليه ارتفع الملكان"4.

وقال الصادق عليه السلام: "ما من عبد كظم غيظاً، إلا زاده اللّه عز وجل عزّاً في الدنيا والآخرة، وقد قال اللّه عز وجل: (والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، واللّه يحب المحسنين)..."5.

وقال الامام موسى بن جعفر عليه السلام: "إصبر على أعداء النعم، فانك لن تكافئ من عصى الله فيك، بأفضل من أن تطيع اللّه فيه"6.

وأحضر عليه السلام ولده يوماً فقال لهم: "يا بَنِيّ إني موصيكم بوصية، فمن حفظها لم يضع معها، إن أتاكم آت فأسمعكم في الاذن اليمنى مكروهاً، ثم تحوّل الى الاذن اليسرى فاعتذر وقال: لم أقل شيئاً فاقبلوا عذره"7.

وقد يحسب السفهاء أن الحلم من دلائل الضعف، ودواعي الهوان، ولكنّ العقلاء يرونه من سمات النبل، وسمو الخلق، ودواعي العزة والكرامة.

فكلما عظم الإنسان قدراً، كرمت أخلاقه، وسمت نفسه، عن مجاراة السفهاء في جهالتهم وطيشهم، معتصماً بالحلم وكرم الاغضاء، وحسن العفو، ما يجعله مثار الاكبار والثناء.

كما قيل:

وذي سفه يخاطبني بجهــل فآنف أن أكون لـه مجيبا
يزيد ســفاهةً وأزيــد حلمـاً كعودٍ زاده الاحـراق طيبا





ويقال: إنَّ رجلاً شتم أحد الحكماء، فأمسك عنه، فقيل له في ذلك قال: "لا أدخل حرباً الغالب فيها أشرّ من المغلوب".

ومن أروع ما نظمه الشعراء في مدح الحلم، مارواه الامام الرضا عليه السلام، حين قال له المأمون: أنشدني أحسن ما رويت في الحلم، فقال عليه السلام:

 إذا كــــان دونـــي مــن بليـــت بجهلـــه  أبيت لنفســي أن تقابــل بالجهـــل
 وإن كان مثلــي في محلــي من النهــــى  أخذت بحلمي كـي أجلّ عـن المـثل
 وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجــى  عرفـت لـه حــق التقدم والفضـــل






فقال له المأمون: ما أحسن هذا، هذا من قاله؟ فقال: "بعض فتياننا"8.

ولقد كان الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله والأئمة الطاهرون من أهل بيته، المثل الأعلى في الحلم، وجميل الصفح، وحسن التجاوز.

وقد زجزت أسفار السير والمناقب، بالفيض الغمر منها، واليك نموذجاً من ذلك:

قال الباقر عليه السلام: "إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أتى باليهودية التي سمت الشاة للنبي، فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت إن كان نبياً لم يضره، وإن كان ملكاً أرحت الناس منه، فعفى رسول اللّه عنها"9.

وعفى صلى اللّه عليه وآله عن جماعة كثيرة، بعد أن أباح دمهم، وأمر بقتلهم.

منهم: هبّار بن الأسود بن المطلب، وهو الذي روّع زينب بنت رسول اللّه، فألقت ذا بطنها، فأباح رسول اللّه دمه لذلك، فروي أنّه اعتذر الى النبي صلّى اللّه عليه وآله من سوء فعله، وقال: وكنا يا نبي اللّه أهل شرك، فهدانا اللّه بك، وأنقذنا بك من الهلكة، فاصفح عن جهلي، وعما كان يبلغك عني، فاني مقرّ بسوء فعلي، معترف بذنبي. فقال صلّى اللّه عليه وآله: قد عفوت عنك، وقد أحسن الله إليك، حيث هداك الى الإسلام، والاسلام يجب ما قبله.

ومنهم: عبد اللّه بن الربعرى، وكان يهجو النبي صلّى اللّه عليه وآله بمكة، ويعظم القول فيه، فهرب يوم الفتح، ثم رجع الى رسول اللّه واعتذر، فقبل صلى اللّه عليه وآله عذره.

ومنهم: وحشي قاتل حمزة سلام اللّه عليه، روي أنّه أسلم، قال له النبي: أوحشي؟ قال: نعم. قال: أخبرني كيف قتلت عمي؟ فأخبره، فبكى صلّى اللّه عليه وآله وقال: غيّب وجهك عني10.

وهكذا كان امير المؤمنين علي عليه السلام أحلم الناس وأصفحهم عن المسيء:

ظفر بعبد اللّه بن الزبير، ومروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، وهم ألد أعدائه، والمؤلبين عليه، فعفا عنهم، ولم يتعقبهم بسوء.

وظفر بعمرو بن العاص، وهو أخطر عليه من جيش ذي عدّة، فأعرض عنه، وتركه ينجو بحياته حين كشف عن سوأته اتقاءاً لضربته.

وحال جند معاوية بينه وبين الماء، في معركة صفين، وهم يقولون له ولا قطرة حتى تموت عطشاً، فلمّا حمل عليهم، وأجلاهم عنه، سوّغ لهم أن يشربوا منه كما يشرب جنده.

وزار السيدة عائشة بعد وقعة الجمل، وودعها أكرم وداع، وسار في ركابها أميالاً، وأرسل معها من يخدمها ويحفّ بها11.

وكان الحسن بن علي عليه السلام على سرّ أبيه وجده صلوات اللّه عليهم أجمعين:

فمن حلمه ما رواه المبرد، وابن عائشة: أن شامياً رآه راكباً، فجعل يلعنه، والحسن لا يرد، فلما فرغ، أقبل الحسن عليه السلام فسلم عليه، وضحك، فقال: أيها الشيخ أظنّك غريباً، ولعلك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك الينا، وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كثيراً. فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة اللّه في أرضه، اللّه أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق اللّه اليّ، والآن أنت أحبُّ خلق اللّه اليّ، وحوّل رحله اليه، وكان ضيفه الى أن ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم12.

وهكذا كان الحسين بن علي عليهما السلام: جنى غلام للحسين عليه السلام جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يضرب، فقال: يا مولاي والكاظمين الغيظ. قال: خلّوا عنه. قال: يا مولاي والعافين عن الناس. قال: قد عفوت عنك. قال: واللّه يحبُّ المحسنين، قال: أنت حرّ لوجه اللّه، ولك ضعف ما كنت أعطيك13.

وإني استقرأت سيرة أهل البيت عليهم السلام فوجدتها نمطاً فريداً، ومثلاً عالياً، في دنيا السير والأخلاق:

من ذلك ما قصّه الرواة من حلم الامام زين العابدين عليه السلام، فقد كان عنده أضياف، فاستعجل خادماً له بشواء كان في التنور، فأقبل به الخادم مسرعاً، فسقط منه على رأس بُنيّ لعلي بن الحسين عليه السلام تحت الدرجة، فأصاب رأسه فقتله، فقال علي للغلام وقد تحير الغلام واضطرب: أنت حرّ، فانك لم تتعمده، وأخذ في جهاز ابنه ودفنه14.

ولُقّب الامام موسى بن جعفر عليه السلام (بالكاظم) لوفرة حلمه، وتجرعه الغيظ، في مرضاة اللّه تعالى.

يحدث الراوي عن ذلك، فيقول: كان في المدينة رجل من أولاد بعض الصحابة يؤذي أبا الحسن موسى عليه السلام ويسبّه إذا رآه، ويشتم علياً، فقال له بعض حاشيته يوماً: دعنا نقتل هذا الفاجر. فنهاهم عن ذلك أشدّ النهي، وزجرهم، وسأل عنه فذُكر أنّه يزرع بناحية من نواحي المدينة، فركب إليه فوجده في مزرعة له، فدخل المزرعة بحماره، فصاح به لا توطئ زرعنا، فوطأه عليه السلام بالحمار حتى وصل اليه، ونزل وجلس عنده، وباسطه وضاحكه، وقال له: كم غرمت على زرعك هذا؟ قال: مائة دينار. قال: فكم ترجو أن تصيب؟ قال: لست أعلم الغيب. قال له: إنّما قلت كم ترجو أن يجيئك فيه. قال: أرجو أن يجيء مائتا دينار. قال: فأخرج له أبو الحسن صرّة فيها ثلاثمائة دينار وقال: هذا زرعك على حاله، واللّه يرزقك فيه ما ترجو. قال: فقام الرجل فقبّل رأسه، وسأله أن يصفح عن فارطه، فتبسم اليه أبو الحسن وانصرف. قال: وراح الى المسجد، فوجد الرجل جالساً، فلما نظر اليه، قال: اللّه أعلم حيث يجعل رسالته. قال: فوثب أصحابه اليه فقالوا: ما قضيتك؟! قد كنت تقول غير هذا. قال: فقال لهم: قد سمعتم ما قلت الآن، وجعل يدعو لأبي الحسن عليه السلام، فخاصموه وخاصمهم، فلما رجع أبو الحسن الى داره، قال لجلسائه الذين سألوه في قتله: أيما كان خيراً، ما أردتم أم ما أردت، إنني أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم وكُفيت شره15.

وقد أحسن الفرزدق حيث يقول في مدحهم:

 مـن معشــر حبهم دين وبغضهم  كفـــــر وقربهم منجــــىً ومعتصــم
 إن عدّ أهل التقـى كانــوا أئمتهم  أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم




الغضب

وهو: حالة نفسية، تبعث على هياج الانسان، وثورته قولاً أو عملاً. وهو مفتاح الشرور، ورأس الآثام، وداعية الازمات والاخطار. وقد تكاثرت الآثار في ذمه والتحذير منه:

قال الصادق عليه السلام: "الغضب مفتاح كل شر"16.

وإنما صار الغضب مفتاحاً للشرور، لما ينجم عنه من أخطار وآثام، كالاستهزاء، والتعيير، والفحش، والضرب، والقتل، ونحو ذلك من المساوئ.

وقال الباقر عليه السلام: "إنّ الرجل ليغضب فيما يرضى أبداً حتى يدخل النار"17.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "واحذر الغضب، فانه جند عظيم من جنود ابليس"18.

وقال عليه السلام: "الحدّة ضرب من الجنون، لأنّ صاحبها يندم، فإن لم يندم فجنونه مستحكم"19.

وقال الصادق عليه السلام: "سمعت أبي يقول: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله رجل بدويّ ، فقال: إني أسكن البادية، فعلمني جوامع الكلام. فقال: آمرك أن لا تغضب. فأعاد الأعرابي عليه المسألة ثلاث مرات، حتى رجع الى نفسه، فقال: لا أسأل عن شيء بعد هذا، ما أمرني رسول اللّه إلا بالخير...."20.

بواعث الغضب

لا يحدث الغضب عفواً واعتباطاً، وإنما ينشأ عن أسباب وبواعث تجعل الانسان مرهف الاحساس، سريع التأثر.

ولو تأملنا تلك البواعث، وجدناها مجملة على الوجه التالي:

1- قد يكون منشأ الغضب إنحرافاً صحياً، كاعتلال الصحة العامة، أو ضعف الجهاز العصبي، مما يسبب سرعة التهيج.

2- وقد يكون المنشأ نفسياً، منبعثاً عن الاجهاد العقلي، أو المغالاة في الانانية، أو الشعور بالاهانة، والاستنقاص، ونحوها من الحالات النفسية، التي سرعان ما تستفز الانسان، وتستثير غضبه.

3- وقد يكون المنشأ أخلاقياً، كتعود الشراسة، وسرعة التهيج، مما يوجب رسوخ عادة الغضب في صاحبه.

أضرار الغضب

للغضب أضرار جسيمة، وغوائل فادحة، تضرّ بالانسان فرداً ومجتمعاً، جسمياً ونفسياً، مادياً وأدبياً. فكم غضبة جرحت العواطف، وشحنت النفوس بالاضغان، وفصمت عرى التحابب والتآلف بين الناس. وكم غضبة زجت أناساً في السجون، وعرضتهم للمهالك، وكم غضبة أثارت الحروب: وسفكت الدماء، فراح ضحيتها الآلاف من الابرياء.

كل ذلك سوى ما ينجم عنه من المآسي والازمات النفسية، التي قد تؤدي الى موت الفجأة.

والغضب بعد هذا يحيل الانسان بركاناً ثائراً، يتفجر غيظاً وشراً، فإذا هو إنسان في واقع وحش، ووحش في صورة إنسان.

فإذا بلسانه ينطلق بالفحش والبذاء، وهتك الأعراض، وإذا بيديه تنبعثان بالضرب والتنكيل، وربما أفضى الى القتل، هذا مع سطوة الغاضب وسيطرته على خصمه، والا انعكست غوائل الغضب على صاحبه، فينبعث في تمزيق ثوبه، ولطم رأسه، وربّما تعاطى أعمالاً جنونية، كسبّ البهائم وضرب الجمادات.

الغضب بين المدح والذم

الغضب غريزة هامة، تُلهب في الانسان روح الحمية والاباء، وتبعثه على التضحية والفداء، في سبيل أهدافه الرفيعة، ومثله العليا، كالذود عن العقيدة، وصيانة الأرواح، والأموال، والكرامات. ومتى تجرد الانسان من هذه الغريزة صار عرضة للهوان والاستعباد، كما قيل "من استُغضِب فلم يغضب فهو حمار".

فيستنتج من ذلك: أنّ الغضب المذموم ما أفرط فيه الانسان، وخرج به عن الاعتدال، متحدياً ضوابط العقل والشرع. أما المعتدل فهو كما عرفت، من الفضائل المشرّفة، التي تعزز الانسان، وترفع معنوياته، كالغضب على المنكرات، والتنمّر في ذات اللّه تعالى.

علاج الغضب
عرفنا من مطاوي هذا البحث، طرفاً من بواعث الغضب ومساوئه وآثامه، والآن أودّ أن أعرض وصفة علاجية لهذا الخُلق الخطير، وهي مؤلفة من عناصر الحكمة النفسية، والتوجيه الخلقي، عسى أن يجد فيها صرعى الغضب ما يساعدهم على مكافحته وعلاجه.

وإليك العناصر الآتية:

1- إذا كان منشأ الغضب اعتلالاً صحياً، أو هبوطاً عصبياً كالمرضى والشيوخ ونحاف البنية، فعلاجهم - والحالة هذه - بالوسائل الطبية، وتقوية صحتهم العامة، وتوفير دواعي الراحة النفسية والجسمية لهم، كتنظيم الغذاء، والتزام النظافة، وممارسة الرياضة الملائمة، واستنشاق الهواء الطلق، وتعاطي الاسترخاء العضلي بالتمدد على الفراش.

كل ذلك مع الابتعاد والاجتناب عن مرهقات النفس والجسم، كالاجهاد الفكري، والسهر المضني، والاستسلام للكآبة، ونحو ذلك من دواعي التهيج.

2- لا يحدث الغضب عفواً، وإنّما ينشأ عن أسباب تستثيره، أهمها: المغالاة في الانانية، الجدل والمراء، الاستهزاء والتعيير، المزاح الجارح. وعلاجه في هذه الصور باجتناب أسبابه، والابتعاد عن مثيراته جهد المستطاع.

3- تذكّر مساوئ الغضب وأخطاره وآثامه، وأنها تحيق بالغاضب، وتضرّ به أكثر من المغضوب عليه، فرب أمر تافه أثار غضبة عارمة، أودت بصحة الانسان وسعادته.

يقول بعض باحثي علم النفس: دع محاولة الاقتصاص من أعدائك، فإنك بمحاولتك هذه تؤذي نفسك أكثر مما تؤذيهم... إننا حين نمقت أعداءنا نتيح لهم فرصة الغلبة علينا، وإنّ أعداءنا ليرقصون طرباً لو علموا كم يسببون لنا من القلق وكم يقتصّون منّا، إنّ مقتنا لا يؤذيهم، وإنّما يؤذينا نحن، ويحيل أيامنا وليالينا الى جحيم21.

وهكذا يجدر تذكر فضائل الحلم، وآثاره الجليلة، وأنّه باعث على اعجاب الناس وثنائهم، وكسب عواطفهم.

وخير محفّز على الحلم قول اللّه عز وجل: ﴿...ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(فصلت:34-35).

4- إنّ سطوة الغضب ودوافعه الاجرامية، تعرّض الغاضب لسخط اللّه تعالى وعقابه، وربما عرّضته لسطوة من أغضبه واقتصاصه منه في نفسه أو في ماله أو عزيز عليه. قال الصادق عليه السلام: "أوحى اللّه تعالى إلى بعض أنبيائه: إبنَ آدم أذكرني في غضبك أذكرك في غضبي، لا أمحقك فيمن أمحق، وارض بي منتصراً، فانّ انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك"22.

5- من الخير للغاضب إرجاء نزوات الغضب وبوادره، ريثما تخفّ سورته، والتروّي في أقواله وأفعاله عند احتدام الغضب، فذلك مما يخفّف حدّة التوتر والتهيج، ويعيده الى الرشد والصواب، ولا يُنال ذلك إلا بضبط النفس، والسيطرة على الأعصاب.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: "إن لم تكن حليماً فتحّلم، فإنّه قَلّ من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم"23.

6- ومن علاج الغضب: الاستعاذة من الشيطان الرجيم، وجلوس الغاضب إذا كان قائماً، واضطجاعه إن كان جالساً، والوضوء أو الغسل بالماء البارد، ومس يد الرحم إن كان مغضوباً عليه، فإنه من مهدئات الغضب.

* أخلاق أهل البيت عليهم السلام، السيد محمد مهدي الصدر، دار الكتاب الإسلامي، ص:26.

1- الكافي.
2- مجالس الشيخ المفيد.
3- نهج البلاغة.
4- الكافي.
5- المصدر نفسه.
6- المصدر نفسه.
7- كشف الغمة للأربلي.
8- معاني الأخبار، وعيون اخبار الرضا للشيخ الصدوق.
9- الكافي.
10- سفينة البحار ج 1 .
11- عبقرية الامام للعقاد بتصرف.
12- البحار مجلد 9 ص 95.
13- كشف الغمة للأربلي.
14- كشف الغمة للأربلي.
14- البحار مجلد 11 نقلاً عن إعلام الورى للطبرسي وارشاد المفيد.
16- الكافي.
17- المصدر نفسه.
18- نهج البلاغة.
19- المصدر نفسه.
20- الكافي.
21- دع القلق وابدأ الحياة.
22- الكافي.
23- كتاب قرب الاسناد، وقريب من هذا الخبر ما في علل الشرائع للشيخ الصدوق.

2012-04-30