يتم التحميل...

العصبية

العلاقة مع المجتمع

عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: ليس منّا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منّا من مات على عصبية. أ- في ظلال الحديث: معنى العصبية والتعصّب واحد وهو كما جاء في اللغة: أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته قرابته والتألّب معهم على من يناويهم ظالمين كانوا أو مظلومين،

عدد الزوار: 80

عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: "ليس منّا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منّا من مات على عصبية"1.

أ- في ظلال الحديث
معنى العصبية والتعصّب واحد وهو كما جاء في اللغة: أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته (قرابته) والتألّب معهم على من يناويهم ظالمين كانوا أو مظلومين، والعصبي هو من يعين قومه على الظلم ويغضب لعصبته ويحامي عنهم2.

وهكذا عرّف النبي صلى الله عليه وآله العصبية لما سئل عنها قائلاً: "إن تعين قومك على الظلم"3.

وقال مولانا علي بن الحسين سيد الساجدين عليه السلام: "العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم"4.

ولقد جاء في الكتاب الكريم ذكر حميّة الجاهلية والعصبية العمياء التي كانت من الأوصاف المعروفة للكفار وفي الجبهة المقابلة أهل الإيمان وكلمة التقوى في قوله سبحانه: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا(الفتح:26).

فالعصبية بالمعنى المذكور مرفوضة ومذمومة بكل أشكالها فهي لا تستحق أن يدعو لها الإنسان ولا يقاتل عليها ولا يموت، كذلك من اتخذها خطاً له ومسلكاً خالف خط الإيمان والإسلام حيث جاء في الحديث: "من تعصّب أو تعصّب له فقد خلع ربق الإيمان من عنقه وفي نقل آخر: فقد خلع ربقة الإسلام في عنقه"5.

ومما روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: "من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه اللَّه يوم القيامة مع أعراب الجاهلية"6.

إن واجب الإنسان المؤمن هو نصرة الحق أينما كان ومحاربة الباطل وإن كان صادراً من عشيرته وأقاربه لأن ذلك سبيل المتقين العاملين بموازين الشريعة الغرّاء، فتغاضي الإنسان عن ظلم قومه ليس من الإسلام وخطه في شي‏ء، والحب الحقيقي الصادق لهم لا بد أن يكون داعياً لردعهم عن الظلم وأعانتهم على التقوى وهو المطلوب وليس معاونتهم على الاثم والعدوان، ضرورة أن من يعين الآخر على الخطأ هو كاذب في حبّه له.

فنصرتهم ظالمين معناها كفّهم عن ظلمهم وردعهم عنه ونصرتهم مظلومين معناها الدفاع والمحاماة عنهم ومحاولة ارجاع حقوقهم المغتصبة لهم.

ب- إمام المتعصّبين
للتعصب أساس يعود تاريخه إلى افتخار الشيطان على أبينا آدم عليه السلام بخلقه حيث تعصّب لأصله قائلاً خلقتني من نار وخلقته من طين.

فكان إبليس إمام المتعصبين، والعصبية من جنوده المودية إلى الهلاك؛ لأنها تسلك بصاحبها سبيل الضلال والغيّ وتبعده عن طريق الحق والرشاد.

فمما جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام في ذم إبليس: "فافتخر على آدم بخلقه وتعصب عليه لأصله، فعدوّ اللَّه إمام المتعصبين وسلف المستكبرين الذي وضع أساس العصبية ونازع اللَّه رداء الجبرية، وادّرع لباس التعزّز، وخلع قناع التذلّل"7.

وفي حديث آخر: "اعترته الحمية وغلبت عليه الشقوة وتعزز بخلقه النار واستوهن خلق الصلصال"8.

وعن مولانا الصادق عليه السلام: "إن الملائكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم، وكان في علم اللَّه أنه ليس منهم، فاستخرج ما في نفسه بالحمية والغضب فقال: خلقتني من نار وخلقته من طين"9 فمن تأخذه حميّة النسب، واللون، والمكان واللهجة وغيرها من الاعتبارات التي يتعصب لها بعض الجاهلين، لا شك أن هذا الإنسان هو من معسكر الشيطان ومن جنوده الذين يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه وحينئذٍ سيبوء بالخسران.

ج- هل في الإسلام تعصّب ممدوح؟
التعصّب كما تقدم معناه في الفقرتين السابقتين لا يمكن أن يكون ممدوحاً ومطلوباً بشكل من الأشكال طالما تضمّن المعاونة على الظلم وتجاهل الموازين الإلهية، لكن بالإمكان أن نسمي نصرة الحق تعصباً له أو الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحامد الأفعال تعصباً لها تسمية مجازية، باعتبار كون الإنسان المؤمن شديد الدفاع والمحاماة عنها والمحافظة عليها وذلك لا يحوي إلا المعاني الجميلة ونصرة الحق والدعوة إليه.

وقد جاءت هذه التسمية في بعض خطب الأئمة عليهم السلام وأحاديثهم الشريفة كقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إن كنتم لا محالة متعصّبين فتعصّبوا لنصرة الحق وإغاثة الملهوف"10.

ولا شك أن هذا النوع من التعصب ممدوح وراجح وإليه يدعو الإمام عليه السلام.

وفي خطبة القاصعة يقول عليه السلام: "ولقد نظرت فما وجدت أحداً من العالمين يتعصّب لشي‏ء من الأشياء إلا عن علة تحتمل تمويه الجهلاء، أو حجة تليط بعقول السفهاء، غيركم فإنكم تتعصبون لأمر ما يعرف له سبب ولا علة، أما إبليس فتعصب على آدم لأصله، وطعن عليه في خلقته فقال: أنا ناريّ وأنت طينيّ، وأما الأغنياء من مترفة الأمم فتعصبّوا لآثار مواقع النعم، فقالوا: نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذّبين".

(إلى هذا الموضع من الخطبة كان عليه السلام يتحدث عن التعصب المذموم، ثم بعد ذلك شرع بالحديث عن التعصبّ الممدوح قائلاً):

"فإن كان لا بد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال ومحاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجداء النجداء من بيوتات العرب ويحاسيب القبائل، بالأخلاق الرغيبة والأحلام العظيمة والأخطار الجليلة والآثار المحمودة. فتعصبوا لخلال الحمد من الحفظ للجوار، والوفاء بالذمام، والطاعة للبّر والمعصية للكبر، والأخذ بالفضل، والكف عن البغي والإعظام للقتل والانصاف للخلق والكظم للغيظ واجتناب الفساد في الأرض"11.

* صفات الموالين, إعداد ونشر جمعية المعارف الثقافيه, ط1, محرم 1424هـ, ص 89-95.


1- بحار الأنوار، ج‏31، ص‏40  ميزان الحكمة، حديث 13035.
2- راجع لسان العرب، ج‏9، ص‏233  232.
3- ميزان الحكمة، حديث 13039.
4- الكافي، ج‏2، ص‏308، حديث 7.
5- الكافي، ج‏2، ص‏308، حديث 2.
6- نفس المصدر. حديث 3.
7- نهج البلاغة، الخطبة 192.
8- نهج البلاغة، الخطبة 1.
9- الكافي، ج‏2، ص‏308، حديث 6.
10-غرر الحكم 3738.
11-نهج البلاغة، الخطبة 192.
2009-08-20