يتم التحميل...

المحطّة الرابعة بين النبيّين عيسى (ع) ومحمّد (ص)

إضاءات إسلامية

بعد أن ارتقى المجتمع البشريّ من محطّة الإيمان بالتواصل بين الله تعالى والناس عبر الرسول الإنسان، إلى محطّة الاعتقاد بتوحيد الله تعالى، إلى محطّة المجتمع التشريعيّ، فما هي المحطّة التالية التي خطّط الله تعالى لوصول المجتمع الإنسانيّ إليها؟

عدد الزوار: 6

بعد أن ارتقى المجتمع البشريّ من محطّة الإيمان بالتواصل بين الله تعالى والناس عبر الرسول الإنسان، إلى محطّة الاعتقاد بتوحيد الله تعالى، إلى محطّة المجتمع التشريعيّ، فما هي المحطّة التالية التي خطّط الله تعالى لوصول المجتمع الإنسانيّ إليها؟

إنّها محطّة الحكومة الإلهيّة العالميّة، إلاّ أنّ السؤال: متى تتحقّق هذه المحطّة التي تُعتبر خاتمة المحطّات التي تصل قافلة الإنسانيّة فيها إلى أوج كمالها؟

يجيب القرآن عن هذا السؤال بقوله تعالى: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ1.

إنّ هذه الآيات تفيد أنّ هدف إرسال الله رسوله محمّدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو إظهار الدين أي غلبته على كلّ الأديان، وبالتالي فإنّ شريعة هذا الدين ستحكم المجتمعات، وعندها تتحقّق الحكومة الإلهيّة الكبرى.

لكن من الواضح أنّ هذه النبوءة لم تتحقّق في زمن خاتم الرسل محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يعني أنّ دين محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الإسلام، سيكون دين الحكومة الإلهيّة العالميّة بغياب شخص النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذا الأمر أكّده الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم نفسه حينما تحدّث عن لا بديّة وصول قافلة البشريّة إلى كمالها، ولكن بعد حين، بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلاً وقسطًا كما ملئت جورًا وظلمًا"2.

إذًا, إنّ المحطّة الرابعة هي محمّديّة الدين بقيادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، لكنَّ السؤال يبقى عن دور النبيّ عيسى عليه السلام الذي هو الرسول الرابع من أولي العزم، والذي بحسب التسلسل المنطقيّ السابق، كان يفترض أن يكون هو قائد محطّة الحكومة الإلهيّة.

وما يعزّز هذا الافتراض أنّه ركّز دعوته وتبليغه وحركته الإصلاحيّة على المجتمع اليهوديّ أي مجتمع الشريعة الذي يعيش المحطّة الثالثة، إلاّ أنّ أحبار اليهود منعوه من النجاح في هذه الحركة، وحالوا بينه وبين الوصول إلى هدفه.

تُرى، هل كان سرُّ رفع الله تعالى لرسوله عيسى بن مريم عليه السلام هو أنّه لم يستكمل دوره في تحقيق المحطّة الرابعة، وهي الحكومة الإلهيّة، لذا رفعه الله إليه لينزله في زمن قائد تلك المحطّة, وهو الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف, ليؤازره ويشاركه صناعة الحكومة الإلهيّة العالميّة، كما أكّدته النصوص الإسلاميّة التي منها ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ينزل عيسى بن مريم عليه السلام...بيده حربة...يهلك الدجال، ويقبض أموال القائم، ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه"3.

وبهذا تتحقّق الحكومة الإلهيّة الكبرى عبر حفيد ابراهيم عليه السلام الإسماعيليّ، يؤازره حفيده الإسحاقيّ.

ترى ما هي دخالة ذلك بوصف "باراقليط"4، الذي ترجم في اللغة العربيّة بـ "المعزّي"، والذي ينطبق على النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقد ورد في الإنجيل:
-"وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزيًا آخر, ليمكث معكم إلى الأبد"5.
-"ومتى جاء المعزِّي الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحقّ الذي من عند الأب، فهو يشهد لي"6.
-"لكنّي أقول لكم الحقّ إنّه خير لكم أن أنطلق, لأنّه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي، ولكن إن ذهبت أرسله لكم"7.

ترى هل سرُّ كون النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، على فرض صحّة ما تقدّم، هو أنّه يمثّل المعزِّي والمسلِّي للنبيّ عيسى عليه السلام بكون الحكومة الإلهيّة سوف تتحقّق على يد حفيده الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بموازرة النبيّ عيسى عليه السلام، وبهذا تكون التعزية للسيّد المسيح؟!

الخلاصة

المحطّات الرئيسيّة لقافلة الإنسانيّة

الأولى
قائدها
ربط الناس بالله عبر الرسول الإنسان
نبيّ الله نوح عليه السلام
الثانية
قائدها
بناء المجتمع التوحيديّ
نبيّ الله إبراهيم عليه السلام
الثالثة
قائدها
بناء المجتمع التشريعيّ
نبيّ الله موسى عليه السلام
الرابعة
دينها
قائدها
وزير القائد
إقامة الحكومة الإسلاميّة الإلهيّة
الإسلام المحمّديّ
حفيد النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
نبيّ الله عيسى عليه السلام

* كتاب قافلة البشرية، سماحة الشيخ أكرم بركات.


1- سورة التوبة، الآيات 31-33.
2- الصدوق، محمّد، كمال الدين وتمام النعمة، (لا،ط)، قم، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، 1405هـ، ص 318.
3- البحراني، هاشم، غاية المرام، تحقيق علي عاشور، (لا،ط)، (لا،ن)، (لا،ت)، ج7، ص 93.
4- الكتاب المقدّس، العهد الجديد، ط4، بيروت، المكتبة الشرقيّة، 1986م، ص 337، حاشية 16.
5- العهد الجديد والمزامير، (لا،ط)، بيروت، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، 1985م، إنجيل يوحنا، الإصحاح 14، فقرة 16.
6- العهد الجديد والمزامير، إنجيل يوحنا، الإصحاح 15، فقرة 26.
7- المصدر السابق، الإصحاح 17، فقرة 7.

2014-03-29