يتم التحميل...

التقوى والعفاف ودورهما في تعزيز العلاقات الزوجية

العلاقات الزوجية

إنها لمن أعظم النعم أن يهبنا الله إنساناً عفيفاً طاهراً يشاركنا حياتنا، إنساناً يشعر المرء إلى جواره بالسكينة والهدوء والأمن. إن الحياة الأسرية حياة مقدسة، وهذه القداسة لا يمكن حمايتها إلاّ بعفّة الرجل والمرأة...

عدد الزوار: 19

إنها لمن أعظم النعم أن يهبنا الله إنساناً عفيفاً طاهراً يشاركنا حياتنا، إنساناً يشعر المرء إلى جواره بالسكينة والهدوء والأمن.

إن الحياة الأسرية حياة مقدسة، وهذه القداسة لا يمكن حمايتها إلاّ بعفّة الرجل والمرأة، ذلك أن التقوى والعفاف تحيطان الأسرة بهالة مقدّسة تحميانها من مخاطر التفكك والانحلال.

فإذا أردنا أن نصنع أسرة طاهرة، وبالتالي مجتمعاً طاهراً بعيداً عن كل أشكال التلوّث الاجتماعي والسقوط الأخلاقي علينا أن نصنع رجالاً ونساء يرفعون التقوى والعفّة شعاراً لهم.

إن التقوى والعفاف تزيد من أواصر الزوجية وتعزّز من علاقات الزوجين وتزيد إنسهما وإلفتهما في حياتهما المشتركة.

ضرورة المحافظة على العفّة
ولا تعتبر مسألة العفّة ضرورية من ناحية دينية فحسب، بل إنها ضرورية أيضاً حتى من وجهة نظر ماديّة، ذلك أن الحياة الجنسية تتطلب من الرجل والمرأة الالتزام بحدود العفّة، فالزواج يعني امتلاك الرجل للمرأة وامتلاك المرأة للرجل، والعفّة معادلة دقيقة تحدّد مسألة التكافؤ بين الرجل والمرأة. والإخلال به حتى لو من جانب واحد سوف يقلق هذه المعادلة ويعرضها للخطر.

إن عفة الرجل هي التي ستحمي امرأته أو " حرثه " على حد تعبير القرآن من اعتداءات الأجانب وصيانتها من كل الأخطار.

وهذا الأمر ينسحب على المرأة أيضاً، فمن خلال عفّتها تتمكن من المحافظة عليه وحمايته من الانحراف.

آثام السقوط
ولو طالعنا حياة بعض الرجال والنساء من الذين انتهى بهم الأمر إلى الضياع لوجدنا أن الكثير منهم ليسوا إلاّ ضحية الانحراف والسقوط في هاوية الرذيلة.

إن أكثر أسباب التصدع في الحياة الزوجية إنما ينشأ بسبب عوامل جنسية، ولذا فإن مسؤولية الحفاظ على العفّة مسؤولية عامّة، وتهمّ الرجل كما تهمّ المرأة، وهي ليست مؤقته بل إنها تشمل حياة الإنسان كلها عمراً وسلوكاً بالرغم من تجلّي أهميتها في فترة الزواج.

إن البعض من الأزواج ومع الأسف من ضعيفي الإيمان يقع في شراك الرذيلة بمجرد اكتشافه لإنحراف شريك حياته عن جادّة العفاف معتبراً الأمر شكلاً من أشكال الانتقام والمقابلة بالمثل، متناسياً خسارته الكبرى في نفسه وخسارته لدنياه وآخرته.

إنهيار الأسرة
لا تنهار الحياة الزوجية فجأة، بل هناك عوامل وأسباب متعددة تنخر في الكيان الأسري وتدفعه إلى السقوط. وفي إطار ما يرتبط بهذا البحث يمكن الإشارة إلى ما يلي:

1- الرغبة المجنونة:
ما أكثر الأفراد الذين أسرتهم هذه الرغبة، فهم لا يكفّون عن اللهاث وراء إرواء عطشهم، مسخّرين جوارحهم في سبيل ذلك.. أعينهم تدور هنا وهناك، وألسنتهم تنصب الحبائل في طريق الضحايا. ولعلّ الرجال من أسهل الفرائس إذ سرعان ما يقعون في الفخ بمجرد كلمة أو دعوة، بالرغم من وجود الماكرين من الرجال الذين يستغلون طيبة وسذاجة بعض النساء والإيقاع بهنّ.

ومن أجل هذا، يوصي الإسلام الإنسان المؤمن بصيانة جوارحه عن الحرام. فهو يأمرنا بأن نغضّ أبصارنا ونحفظ فروجنا، ويوصي بالحجاب والستر والعفاف في حياتنا الجنسية.

ولأن الرجل تأسره الرغبة الجنسية فقد أوجب الإسلام على المرأة الانقياد إلى زوجها في الشؤون الجنسية لكي يسدّ عليه التفكير في إشباع رغبته من طرق أخرى تخل بعفته وبكرامة زوجته.

2- سوء الظن
سوء الظن ديدان تنخر في جسد الأسرة، وفئران تقرض أسس البناء الأسري. وما أكثر الذين دفعوا بأزواجهم، ومن خلال أساليبهم الخاطئة، إلى الشك وسوء الظن.

إن تردد شخص غريب على البيت، وبالرغم من كل النوايا الطيبة، سوف يفجّر غضباً وشكّاً في قلب الزوج أو الزوجة في حالة عدم إطلاع أحدهما على حيثيات المسألة.

ومن المنطقي جداً أن لا يضع المرء نفسه في موضع الشبهات، بل إنّ عليه أن يسعى دائماً تبديد ضباب الشك في أذهان الآخرين واكتساب ثقة من يشاركه حياته.

3- الإتّهام
إن أخطر ما يرتكبه الزوج أو الزوجة هو توجيه الإتهام لشريك حياته إذا شعر بفتور العاطفة لديه، ذلك أنه سوف يضع كرامته في قفص الإتهام. وهنا يتخذ المتهم أحد هذين الموقفين: إما أن يسعى لتبرئة نفسه ويثبت لشريك حياته خطأ تصوراته، أو أن يجنح إلى الخطيئة، ما دامت الشكوك تحوم حوله، وهو خطأ لا يغتفر في كل الأحوال.

قد تبدو مسألة الإتهام أمراً سهلاً، ولكنه عند الله عظيم، لأنه مسألة تتعلق بكرامة وشرف الإنسان.

وقد شدد الإسلام على هذه المسألة وحذر أولئك الذين يتساهلون في إتهام الآخرين دون تثبيت وتفحّص.

4- الغيرة
يعتبر الرجال بشكل عام أنفسهم مسؤولين عن شرف وكرامة أسرهم، ولذا فإنهم يراقبون كل ما يسيء إلى طهرها ونقائها، ويعرض رجولتهم إلى الخطر.

أما المرأة فإنها تعتبر زوجها ملكاً لها، ولهذا فهي ترفض أن يكون لأي امرأة أخرى مكاناً في قلبه، وإذا شاهدت ما يزعزع منزلتها في قلب زوجها فإنها تهبّ لدفع ذلك الخطر بأيّ ثمن.

إن إحساس الغيرة إحساس فطري مشروع إذا لم يتعدّ حدوده الطبيعية المعقولة. أما إذا تعدّت الغيرة الحدّ المعقول فإن آثارها السلبية ستكون مخرّبة، وقد تجرّ إلى الطلاق الذي لا بد أن يكون ظلماً بأحد الطرفين ليس له مبرر.

في طريق العفاف
إن العفة والتقوى أمر ضروري في ديمومة الحياة الزوجية واستمرارها، وهي مسؤولية يتحمل أعباءها الرجل والمرأة، وذلك برعاية الضوابط الشرعية والأخلاقية في حياتهما المشتركة.

وإذا كان هناك ما ينبغي الإشارة إليه في سبيل تعزيز هذا الجانب، فهو كما يلي:

1- المظهر اللائق
صحيح أن الزواج لا يقوم على الظاهر والزينة وأن العلاقات الزوجية أسمى بكثير من ذلك، وأن الحياة الجنسية ليست هدفاً بحدّ ذاته إنما هي وسيلة إلى أهداف أخرى، إلا أن الظهور بالمظهر الجميل له دوره في تعزيز العلاقات بين الزوجين.

إن مقتضيات الحب والاحترام الزوجي تفرض على المرأة والرجل الظهور أمام شريك حياته بالمظهر المحبب، وهذه المسألة وبالرغم من بساطتها إلا أنها حساسة جداً في الحفاظ على العفّة وصيانة الزواج من أخطار الإنحراف والسقوط.

2- الإشباع العاطفي
ليس هناك ما هو أجمل من العاطفة والحب في الحياة الزوجية، وليس هناك منظر أكثر تأثيراً من نظرات الحب والحنان والمودّة التي يتبادلها الزوجان.. الحب هو القلب النابض في المنزل، والروح التي تغمر البيت بالنور والدفء.

الرجل ينظر إلى زوجته كنبع متفجر بالحنان والحب، والمرأة ترى في زوجها الظلال الوارفة التي تقيها لهيب الحياة، والملاذ الآمن من تقلّبات الزمن.

ومن هنا، فإن الإخلال بهذه المعادلة سوف يربك الحياة الزوجية ويعرّضها إلى خطر الانحراف.

3- إلغاء العلاقات المشبوهة
عندما يدخل الرجل والمرأة حياتهما ودنياهما الجديدة، فإن ضوابط وعلاقات وسلوكيات جديدة سوف يفرضها العرف والشرع ومصلحة الأسرة. ولذا فإن العلاقات التي قد تؤثر على مسيرة الزواج يجب أن تخضع إلى مقاييس تأخذ بنظر الاعتبار خطورتها على الأسرة.

فعلى الرجل مثل الامتناع عن الحديث مع امرأة أجنبية حتى إن كانت من أقاربه، وكذلك على المرأة أيضاً أن لا تتحدث مع الرجال الأجانب. ينبغي إخضاع الجوارح لمراقبة دقيقة يمنعها من تجاوز الحدود المشروعة.

4- حسن المعاشرة
من الطرق والأساليب المؤثرة في هذا المضمار هو حسن المعاشرة، ذلك أن الزواج بشكل عام محاولة لسدّ النقص الذي يشعر به الرجل والمرأة، كما أن الجانب العاطفي يشكل ساحة واسعة من هذا الشعور الفطري، فالرجل يحتاج إلى حب زوجته كما أن المرأة تشعر بالحاجة إلى عطف زوجها.

ومن هنا، فإن حسن المعاشرة يساعد على تلبية هذا النداء الفطري لدى الإنسان ويدفعه إلى التفاني في عمله وإخلاصه، وبعكسه فإن الأنانية والنرجسية وتفضيل الذات ديدان تنخر في جسد الأسرة وتعرّضها إلى الموت العاطفي.

5- الابتعاد عن الشبهات
التقوى والعفاف في حياة المرأة والرجل هما ضمان السعادة في الحياة الزوجية، ومن غير الصحيح أن يضع المرء نفسه في موضع يثير الشبهات والشكوك.

إن على الإنسان المسلم أن يصون جوارحه من الحرام، ويبني شخصيته على أسس متينة تبعده عن ألسنة القيل والقال وسوء المقال.

ونؤكد هنا أيضاً على أن بعض ما نحمله عن الآخرين هو مجرد تصورات باطلة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، وصدق الله سبحانه حين يقول: ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.

ومن الخطأ أن نصادر شركاء حياتنا، وأن نطلب منهم سلوكاً يتفق مع تصوراتنا، فالإنسان حرّ في كل شيء ما دام تحركه وسلوكه يتمّان ضمن دائرة الشروط التي يحدّدها الدين والعرف.

6- تعزيز العلاقات الجنسية
تترك العلاقات الجنسية آثاراً مهمّة على مجمل العلاقات الزوجية، إضافة إلى دورها في حفظ عفّة الطرفين وطهارة ثوبيهما.

ومن وجهة نظر شرعية فإن للزوجين تلبية نداء الفطرة في أي وقت يشاءان، إلاّ في بعض الظروف التي يعيّنها الشرع.

وقد ورد في الروايات أنه من رأى منكم امرأة فأعجبته فليمسّ امرأته.
وبهذا يمكن للإنسان أن يحفظ عفته وكرامته من خلال إشباع غريزته الجنسية بالطرق المشروعة.

7- تعزيز الإيمان
وأخيراً، فإن الإيمان هو صمام الأمان في كل الأحوال، ذلك أن الله هو الشاهد على جميع أعمالنا وهو المطّلع على كل أسرارنا وخفايانا.

الإيمان هو بوصلة الإنسان التي تهديه إلى سواء السبيل، وعلى المرء أن يراقب نفسه ويعرف ما له وما عليه متحرّياً في كل ذلك مرضاة الله سبحانه وتعالى.

حديث مع المرأة
وفي ختام هذا البحث أجد من اللازم أن أتوجه بالحديث إلى بعض الأخوات من اللواتي ولجن حديثاً عش الزوجية مذكّراً إيّاهن بأنّ أكثر ما يلمسنه من فتور في علاقات أزواجهن إنما يعود إلى إهمال المرأة لبعض الضروريات، مما يؤدي إلى خلق المناخ المناسب لانحراف أزواجهن، فإذا كان زوجك يقضي وقته مثلاً خارج المنزل، فإنه لم يجد ما يجتذبه إليك، فحاولي العثور على السبب من خلال السعي المتواصل إلى إثارة انتباهه إليك.

إن سلوكك.. مواقفك.. نظرتك وابتسامتك.. إخلاصك ووفاءك.. حبك وولاءك.. و.. سوف يدفع بالرجل أخيراً إلى أن يحترمك ويحبّك ويخلص إليك، وإلى أن يجد كل متعته في قضاء الوقت معك.

حاولي أن تلجي إلى قلبه بهدوء وأن تحتلي المكان المناسب هناك. إنه على كل حال ليس عدواً لك، ولكنه يطمع في أن يرى فيك الأمّ الحنون والصديق الوفيّ والظلال الوارفة التي تقيه لهيب الحياة.

*الأُسرة و قضايا الزواج،الدكتور علي القائمي،دار النبلاء،لبنان، بيروت،ط1ـ1414هـ 1994م،ص172ـ178.

2010-05-07