يتم التحميل...

الرغبات وأثرها على الزواج

العلاقات الزوجية

الحياة هي المحاولات والسعي المتواصل ومجموع الأحلام والطموح لتحقيق الأهداف. يمر عهد الطفولة وتنقضي أيامه الزاخرة باللهو واللعب والخيالات الجميلة التي تنشأ من خلالها استعدادات الإنسان في المستقبل وتوجهاته.. ولكن البعض يتصرف في حياته وكأنه ذلك الطفل الذي يسعى من خلال خيالاته أن ينال القمر.

عدد الزوار: 19

الحياة هي المحاولات والسعي المتواصل ومجموع الأحلام والطموح لتحقيق الأهداف.

يمر عهد الطفولة وتنقضي أيامه الزاخرة باللهو واللعب والخيالات الجميلة التي تنشأ من خلالها استعدادات الإنسان في المستقبل وتوجهاته.. ولكن البعض يتصرف في حياته وكأنه ذلك الطفل الذي يسعى من خلال خيالاته أن ينال القمر.

إننا لا نطرح خطاً صارماً للحياة، إذ من الممكن الخروج هنا أو هناك عن المسير المعين للحياة، ولكن المفروض هنا هو ذلك الجنوح في الخيال بعيداً، لأنه يضاعف من أخطار السقوط.

الحياة المشتركة والرغبات:
ما أكثر الرغبات التي تقود إلى المصائد وتجعل طعم الحياة مراً، وهذه المسألة تكاد تكون عامة تشمل كل نواحي الحياة إلا أنها تتجلى واضحة جلية في الحياة الزوجية.

إن الوقوع في أسر الرغبات وإتباع الشهوات واللهاث وراءها وتجاوز الحدود القانونية التي رسمها العقل والشرع من أجل سعادة الإنسان واستقراره، إن تجاوز هذه الحدود سيتسبب في اضمحلال الحياة الزوجية وانهيارها.

وما أكثر الخلافات والحساسيات، وبعبارة أكثر صراحة ما أكثر الانحرافات التي تطبع حياة البعض من الرجال أو النساء والتي تؤدي إلى انهيار الحياة المشتركة عن حسن نية.

نعم، نحن نؤمن بأن بعض المراحل من عمر الإنسان تقتضي التظاهر ومحاولة إلفات نظر الآخرين، ولكن ـ وبعد أن يخطو الخطوة الأولى في دنيا الحياة المشتركة ـ عليهما الالتزام بالضوابط الإلهية وتوظيف هذه الموهبة الإلهية في دائرة الشرعية التي يحددها الدين.

مسألة الهدى:
أن تكون الحياة زاخرة بالأحلام الملوّنة والأماني الجميلة أمر لا يعترض عليه أحد، ولا يدعي أحد كذلك بأن على الإنسان إذا ما وصل إلى سن البلوغ أن يقضي وقته بالعبادة والدعاء، بالرغم من أن دائرة العبادة من وجهة نظر الإسلام تسع جميع الأنشطة الإنسانية التي تحظى برضا الله سبحانه، حيث تعتبر بعض الأفعال كالأكل والنوم وحتى الممارسة الجنسية في حالات معينة عبادة يثاب عليها الإنسان.
إن ما يرفضه الدين هو الانقياد إلى الهوى وإتباع الشهوات والوقوع في أسر الرغبات. بعبارة أخرى سقوط الإرادة ووقوع الإنسان في أسر الأهواء النفسية.

فالذي لا يملك سلطاناً على عينيه ولسانه وأذنيه، والذي لا يمكنه ضبط نفسه من الرغبات، لا يمكنه أن يتمتع بشخصية متماسكة متينة، وبالتالي يعرّض سمعته وطهارة ثوبه إلى الخطر.

الأخطار:
متعددة هي الأخطار التي تنجم عن الوقوع في أسر الشهوة والانقياد إلى الهوى.

1 ـ المعاشرة والانحراف:
تخضع المعاشرة من ناحية إسلامية لضوابط محددة، فالإنسان المسلم مقيد بحدود معينة تنظم علاقاته مع الآخرين، فهناك مسألة المحارم مثلاً كأبرز ضابطة شرعية تنظم علاقات الرجل والمرأة، إذ ليس من حقنا أن نمزح مع أي كان أو نجالس أيّا كان أو نتحدث مع من نشاء.

إن بعض النزاعات التي تعكر من صفو الحياة الزوجية إنما تنشأ بسبب إهمال هذه الضوابط، إذ أننا نجد البعض ـ رجلاً أو امرأة ـ يقيم علاقات محرمة مع بعض الأفراد في نفس الوقت الذي يقوم فيه بتقطيع كل الأوامر مع زوجه، ولا تستمر الحال هكذا إذ سرعان ما تتحطم حياة كل منهما وتذهب أدراج الريّاح.

2 ـ الاشتراك في الحرام:
عادة ما تقود الشهوات إلى الوقوع في الحرام، وبالطبع تكون البداية حضور الحفلات المحرمة التي تلوّث الإنسان تدريجياً ثم سرعان ما يجد المرء نفسه في أحضان الرذيلة، وبمرور الأيام يزيّن رفاق السوء له هذه الحياة فيفضّلها على حياة الزواج والجو العائلي، وعندها يولّي ظهره لزوجته ولأبنائه ويتضاعف الخطر عندما يدمن ذلك الإنسان على القمار أو الشراب أو تعاطي المخدرات إذ لا يكون همّه سوى الحصول على المال عن أي طريق، وعندها تتهاوى الأسرة وتتحول إلى مجرد أنقاض آدمية.

3 ـ التجمل والزينة:
يحث الإسلام على أن يتزين الزوجان لبعضهما ويظهرا بالمظهر اللائق، وفي مقابل ذلك وضع الإسلام حدوداً لذلك تمنع من الإفراط الذي يقود إلى السقوط الأخلاقي، وذلك عندما يتحول الرجل أو المرأة إلى العوبة أو دمية تقلّبها عيون الناظرين.

فالإسلام يمنع لباس الشهرة أو أن تتزين المرأة ثم تخرج من دارها. الإسلام يمنع المرأة من التبرج لغير زوجها أو أن تتعطر ثم تخطر في الشوارع، كل هذا من أجل صيانة الإنسان أخلاقياً وحمايته من السقوط أو الوقوع في شباك الشبهات.

إن رعاية هذه الضوابط ضرورية في حياة المجتمع لكي يبدو أكثر طهراً أو صفاء. إن المهم في حياة الإنسان ليس جماله الظاهري بل نقاء الباطن وصفاؤه وسلامة الفكر والروح.

4 ـ حب حتى العبادة:
يعيش بعض الشباب هاجس الطفولة بالرغم من تخطيهم ذلك السن وعبورهم تلك المرحلة، فهم ينشدون من أزواجهم ـ مثلاً ـ حباً عنيفاً يصل درجة العبادة ! وأي ( تقصير ) أو إهمال قليل في تلك ( الطقوس ) يجعلهم يشعرون بالمرارة والحزن والألم، الذي سرعان ما يفجر حالة من العدوانية والتنازع.

وينبغي على من يعاني من هذه الحالة أن يخلو إلى نفسه قليلاً في محاولة لاستكشاف الباطن وتصفيته من تلك الميول اللامعقولة.

بواعث تلك الرغبات:
هناك من الأسباب والبواعث ما لا يمكن حصرها إلا أننا نذكر أهمها وهي كما يلي:

ـ غياب النضج الكافي واعتماد العواطف.
ـ انعدام التجارب الحياتية وغياب الرؤية الصحيحة.
ـ الإحساس بالرتابة المملة والرغبة في خوض تجربة جديدة.
ـ استمرار حالة الطفولة.
ـ اللامبالاة وعدم الالتفات إلى المسائل العميقة للحياة.
ـ تناسي الهدف من وراء الحياة.
وأخيراً الوقوع في أسر الحياة العابثة واللهاث وراءها.

الرغبات والحساسيات:
إن السقوط في أسر الأهواء له آثاره المدمرة التي تطال الزوج وشريك حياته.

إن أكثر الممارسات التي تنبعث عن الحساسية تضاعف من الآلام، ذلك أن الرجال الذين يغارون على زوجاتهم، وكذلك النساء الغيورات، لا يمكنهم السكوت تجاه أزواجهم حتى لو اقتصر الأمر على مجرد ابتسامة لشخص ليس من المحارم.

ومن وجهة نظر شرعية فإن حدود علاقاتنا مع الآخرين واضحة تماماً، وفي ما يخص الزي الذي نرتديه فمسألة قد يدخل العرف في تحديدها أيضاً في حدود يرسمها الشرع ايضاً، وان كل أمر يؤدي إلى إثارة الظنون أو الشبهات أو يعتبر مقدمة للإنحراف والسقوط هو حرام، ذلك أن مقدمة الحرام حرام أيضاً، كما تقرر ذلك القواعد الشرعية.

ضرورة مراجعة النفس:
ربما يغفر الله ما ارتكبناه من ذنوب في حياتنا الماضية شرط أن نعود إلى أنفسنا ونفكر فيما ينبغي أن نفعله مستقبلاً. إن العودة إلى النفس ضرورية لأسباب منها:

ـ تحقيق حالة من الطمأنينة من خلال السعي إلى التكامل الروحي.
ـ إن أبناءنا بحاجة ماسة إلى آباء وأمهات في مستوى المسؤولية.
ـ إن الأفراد في المجتمع الإنساني مسؤولون أمام بعضهم البعض، كل حسب موقعه، لتحقيق حالة من الاستقرار والسعادة.

إذن فنحن في حالة من الحركة ينبغي علينا خلالها الالتفات إلى أنفسنا والانتباه إلى ممارساتنا وأعمالنا والسعي الدائم لتجنب السلوكيات المنحرفة والضارة، نصلح ما اعوجّ منها ونعتبر بما يواجهنا من خطر.

إن التهافت على الشهوات والرغبات سيمنعنا من الوصول إلى نبع السعادة، ولذا فإن علينا أن نعزز من سلطة العقل، وأن نحدد ما استطعنا من نفوذ العاطفة، ذلك أن الحياة تحتاج في إدارتها العقل لا العواطف والأحاسيس.

المراقبة:
الزواج هو عهد المسؤولية وزمن الحساب، فلقد ولّت حياة الضياع، ودخل الزوجان عالماً جديداً ودنيا جديدة يتحمل فيها الطرفان الأعباء سوية، ويتقاسمان فيها المسؤوليات كلّ حسب إمكاناته وقابلياته التي أودعها الله فيه.

ولذا فإن تواجدنا في المنزل في ساعة معينة لا يعتبر منقصة لنا، وكذلك فإن خروج المرأة من المنزل ينبغي أن يتم بموافقة زوجها حفظا لها وصوناً لعفّتها وسمعتها. فالرجل يعتبر زوجته رمزاً لكرامته، وهو المسؤول الأول عنها. لذا فقد ورد في الأحاديث إن الملائكة ما تزال تلعن المرأة التي تخرج دون إذن زوجها حتى تعود.

احترام الحقوق ورعايتها:
قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: " أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها " ، وقال  صلى الله عليه و آله وسلم: " ما زال جبريل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها " .

من بواعث النزاع في الحياة الزوجية هو انعدام تلك العلاقة الصميمية والمودة بين الزوجين، في نفس الوقت الذي ينفتحان فيه على الآخرين بعلاقات غير صحيحة مما يؤثر سلباً في نفسيهما ويضاعف لديهما العقد.

التعفف:
تعتبر المحافظة على العفة واحدة من أنجع الوسائل والسبل في منع وقوع النزاع بين الزوجين. إن صيانة النفس عن الانحراف والوقوع في الحرام هو من خصال العفة وطهارة الثوب، فالزينة والتجمل مطلوب على أن ينحصر ذلك بين الزوجين فقط.

قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: " أيما امرأة استعطرت فمرّت على قوم ليجدوا منها ريحها هي زانية " .

ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجين علاقة صداقة وحب، كما أن هدف كل منهما أن يكون صاحبه ملكاً خالصاً له لا يفكر بغيره ولا ينظر إلى سواه، وفي هذه الحالة فإن التجمل والزينة والمعاشرة الحرة مع الآخرين سيلقي ـ شئنا أم أبينا ـ ظلاله السوداء في القلوب ويكون باعثاً على سوء الظن مما يؤدي بالتالي إلى إضعاف واضمحلال العلاقة الزوجية.

إن العفة والتعفف، وإضافة إلى ما ذكرنا، حصن حصين يحمي الإنسان من الوقوع في شباك الماكرين المنحرفين الذين لا همّ لهم سوى استغلال بعض الثغرات والولوج إلى حرم الحياة الزوجية وتلويثها، وبالتالي تدميرها، وعندها لا ينفع ندم النادمين.

التعاليم الإسلامية:
من مزايا الإسلام الحنيف أنه يعيش مع الإنسان جميع لحظاته وسكناته، وهو كالبوصلة التي تشير دائماً إلى الاتجاه السليم، حيث يبدأ عملها منذ اللحظة الأولى للقيام بعمل ما ـ أعني منذ انعقاد النية ـ ولذا نشاهد أن الإسلام ـ مثلاً ـ لا يجيز لنا القيام بعمل من شأنه أن يضعنا في موضع الشبهات ويثير سوء الظن حولنا.

وفي هذا المضمار تؤكد وصايا الإسلام اجتناب كل الأعمال التي تؤدي إلى تفجر النزاع في الحياة المشتركة وضياع كل الجهود في مهب الرياح.

علينا أن نفكر وأن نضع أنفسنا مكان أزواجنا عندما نريد القيام بعمل ما، فإننا وإن تمكنا من استغفال أزواجنا في ذلك فإن الله سبحانه هو شاهد على جميع أعمالنا.

*الأُسرة و قضايا الزواج،الدكتور علي القائمي،دار النبلاء،لبنان، بيروت،ط1ـ1414هـ 1994م،ص51ـ 57.

2010-05-07