يتم التحميل...

نظام الأسرة والقوامية

العلاقات الزوجية

هناك عناوين شرعية تحقق الأجواء العامة التي ينطلق من خلالها الزوجان ليواجها من خلالها الحياة معاً، وهذه الأجواء هي الحاكمة على كل تصرفات الزوجين فيما بينهما...

عدد الزوار: 24

أجواء حاكمة على العلاقة العائلية
هناك عناوين شرعية تحقق الأجواء العامة التي ينطلق من خلالها الزوجان ليواجها من خلالها الحياة معاً، وهذه الأجواء هي الحاكمة على كل تصرفات الزوجين فيما بينهما، ويمكن اختصارها بالعناوين التالية:

1- المودة: يقول تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة1، والمودة هي المحبة، والمحبة هي الميل النفسي الذي يشكل قاعدة أساسية للتفاهم والانسجام هذه المودة التي ينبغي أن تُترجم وتظهر من خلال الأعمال أيضاً، كالمثال الذي تذكره الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم: "إن الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته"2.

2- الرحمة: وهي الأمر الآخر الذي أشارت إليه الآية السابقة، فبعد المودة جاء دور الرحمة، فلم يكتفِ تعالى بعلاقة المودة والمحبة بين الزوجين بل عطف عليها بالرحمة، التي تظهر في الأعمال على شكل عطاء لا ينتظر مقابل، وقد ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم: "اتقوا الله في الضعيفين: اليتيم والمرأة فإن خياركم، خياركم لأهله"3.
وكذلك تظهر الرحمة في تصرفات الزوجة، فقد ورد في الحديث: "ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلا كان خيراً لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها".

3- المعاشرة بالمعروف: إذا استحكمت المودة والرحمة في قلب الزوجين فلا بد أنها ستظهر آثارها في المعاشرة والحياة اليومية، على شكل ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف4، فالذي يود ويرحم لا يمكن أن يقع منه الأذية ﴿وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ5، هذه المعاشرة بالمعروف التي تظهر في العديد من التصرفات التي تشير إليها الروايات، فمن طرف المرأة ما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم: "... خير نسائكم... الهينة اللينة المؤاتية التي إذا غضب زوجها لم تكتحل عينها بغمض حتى يرضى وإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته، فتلك عاملة من عمال الله، وعامل الله لا يخيب"6.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقال: إن لي زوجةً إذا دخلت تلقتني وإذا خرجت شيعتني وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمك؟ إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هماً فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: بشرها بالجنة وقل لها: إنك عاملة من عمال الله ولك في كل يومٍ أجر سبعين شهيداً"7.ومن طرف الرجل، ما ورد في وصايا الإمام علي لابنه الإمام الحسن عليهما السلام: "لا يكن أهلك أشقى الخلق بك"8، بالإضافة إلى الآيات الكريمة التي أشرنا إليها.

4- التعاون وسد الفراغ:
وهو المستفاد من قوله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنََّّ9، وليس خطأً أن يعين الرجل زوجته ما استطاع، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم: "لا يخدم العيال إلا صديق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة"10.

5- الصبر والحلم: إن قلة الصبر وضيق الصدر تستطيع أن تهدم بنيان العائلة من أساسه، لأن الاحتكاك بين الزوجين يومي وقلة الصبر ستكون آثاره متسارعة إلى درجة لا يمكن السيطرة عليها ويصعب معها الإصلاح، من هنا كانت وصية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم للمرأة بالصبر على زوجها: "من صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها مثل ثواب آسيا بنت مزاحم"11. وكذلك عن الإمام الباقر عليه السلام: "إن الله عز وجل كتب على الرجال الجهاد وعلى النساء الجهاد، فجهاد الرجل أن يبذل ماله ودمه حتى يقتل في سبيل الله وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته"12.

وأوصى كذلك الرجل بالصبر على زوجته، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: "من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه أعطاه الله تعالى بكل يوم وليلة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب على بلائه، وكان عليها من الوزر في كل يوم وليلة مثل رمل عالج"13.

6- مراعاة إمكانات الزوج: قد تتأثر المرأة بنمط حياة بعض قريباتها أو جاراتها فترغب بأن تكون حياتها كحياتهن، مما يجعلها تكثر من تطلبها من الزوج، فتظهر حينذاك المشكلة. إن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام تعطي الدرس الذي ينبغي الإقتداء به، حيث ورد عن أبي سعيد الخدري قال: "أصبح علي ابن أبي طالب ذات يوم ساغباً، فقال: يا فاطمة هل عندك شى تغذينيه؟ قالت: لا والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شيء، وما كان شيء أطعمناه مذ يومين إلا شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى ابني هذين الحسن والحسين، فقال علي: يا فاطمة، ألا كنت أعلمتيني فأبغيكم شيئاً، فقالت: يا أبا الحسن إني لأستحيي من إلهي أن أكلف نفسك ما لا تقدر عليه"14.هذه هي الأجواء السليمة التي أرشدنا إليها هذا الشرع المقدس وهي مطلوبة كأسلوب وطريقة عامة ومنهجية حاكمة على تصرفات الزوجين.

نظام العائلة
ولم يكتفِ الإسلام بوضع هذه المنهجية السلوكية، بل قسّم أعمال الأسرة أيضاً وجعل لكلٍ من الزوج والزوجة دوراً خاصاً يتناسب مع طبيعة كلٍ منهما، هذا الدور الذي يشكل النظام الحاكم على الأسرة.وقد ورد أنه قد قسّم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم العمل بين علي والزهراء عليهما السلام فجعل العمل داخل البيت على عهدة فاطمة عليها السلام وخارجه على عهدة علي، فقالت: "فلا يعلم ما داخلني من السرور إلا الله بإكفائي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم تحمّل رقاب الرجال" يقول العلامة المجلسي في شرح ذلك: "تحمل رقاب الرجال أي تحمل أمور تحملها رقابهم من حمل القرب والحطب..."15.

وعلى أي حال فقد تحملت السيدة الزهراء عليها السلام أعباء البيت حتى قالت: "يا رسول الله لقد مجلت يداي من الرحاء أطحن مرة وأعجن مرة"16.وبيت علي والزهراء عليهما السلام يشكل قدوة في نظامه للمؤمنين عموماً، لذلك نجد الروايات التي تتحدث عن عمل المرأة داخل بيتها وإن لم يكن ذلك واجباً إلزامياً على المستوى الشرعي فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم: "أيما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً إلا نظر الله إليها ومن نظر الله إليه لم يعذبه"17.وفي رواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "أيما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق الله عنها سبعة أبواب من النار وفتح لها ثمانية أبواب من الجنة تدخل من أيها شاءت"18.

الرجال قوامون
يقول الله تعالى في محكم آياته: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم19. إن هذه الآية الكريمة، تعتبر الأساس الذي يريده الله تعالى لتقسيم الأدوار بين الرجل والمرأة في حياتهما الزوجية، حيث جعلت الزوج قيِّما على الأسرة ، والقوَّام هو الذي يقوم بالأمر، وهي صيغة مبالغة لكثرة القيام.


أسباب القوامية
تتحدث الآية الشريفة عن سببين أساسيين لقواميَّة الرجل في الأسرة، وهذان السببان هما:


1- التفضيل
يقول تعالى: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض إن الله تعالى فضّل بعضهم على بعض أي فضَّل الرجال على النساء فما المراد بالتفضيل في الآية؟
وللإجابة على هذا السؤال لا بد وأن نذكر أن للتفضيل معنيين:
الأول: التفضيل التكويني: بمعنى أن التفضيل يكون له علاقة ببنية الجسد وملحقاته، أي أنه أقوى جسدياً فيستطيع حماية الأسرة، والخوض في مجالات الحياة من أجل العمل والمشقة لتحصيل قوت الأسرة، وأقوى من حيث تغليب العقل على العاطفة، حيث يصير أقدر على حسم القرارات.
الثاني: التفضيل التشريفي: والمراد منه، الفضل في الشرف والقرب من الله تعالى كما فضّل الله تعالى الإنسان على سائر المخلوقات بالعقل، وكما فضل المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً.

ما المراد من التفضيل في الآية؟
وليس المراد من التفضيل في الآية الشريفة النوع الثاني منه، أي التشريفي، هذا الأمر غير وارد، لذلك قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ20. وكذلك تقييم الأعمال في يوم القيامة مبنيٌّ على السلوك الفردي وليس مبنياً على جنس الشخص الذي قام بالعمل يقول الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً21.

وإنّما المراد منه التفضيل التكويني، بمعنى أن الله تعالى وضع مقومات في الرجل تنسجم مع كون الإدارة له، فيما لو قارناها بمقومات المرأة في حال اجتمعا مع بعضهما البعض، لأنه لا بد من إدارة، ولا يمكن أن نتحدث عن أسرة من دون إدارة، وهي إما أن تكون للرجل وإما أن تكون للمرأة، وإما أن تكون شراكة بينهما.

فلو افترضنا أن تكون الإدارة للمرأة مع خصائص الرجل فهذا غير مناسب، لأن صفات الرجل هي الأصلح للإدارة من حيث التفضيل التكويني.
ولو افترضناها شراكة بينهما، فهذا لا إمكانية له لأنه لو افترضنا أنهما لم يتفقا، فلمن تكون صلاحية حسم الأمور في هذه الحالة؟ لا بد من قرار، ولا بد أن يعرف كل من الطرفين أن الحسم النهائي يعود لفلان أو لهذه الجهة، كي لا تبقى الأمور معلّقة، الشراكة تعني التوافق والتعاون والتشاور، وأن يكون كل شيء مبنياً على الانسجام، لكن لو افترضنا أن هذا الأمر اختل في مكان ما، فلا بد من قيادة وحسم للقرار، إذاً بمجموع المعطيات لا بد من إدارة، وهذه الإدارة هي للرجل.

لماذا لم يجعل الله المرأة كالرجل؟
يسأل بعض الناس، إذا كان الله تعالى قد خلق الرجل بمؤهلات تجعله أقدر على الإدارة من المرأة، والله تعالى قادر على كل شيء فلماذا لم يخلق في المرأة نفس المؤهلات التي خلقها في الرجل؟

وفي الإجابة على هذا السؤال نقول: أن هذا لا ينسجم مع إعمار الكون، ومع التمييز الذي وضعه الله تعالى في الخلق حتى على مستوى الرجال أنفسهم والنساء أنفسهن﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّا22، حتى يكون هناك تسخير للقدرات المتفاوتة ليعين كل منهم الآخر، ولتعمر الحياة الاجتماعية. فكما أن الحياة الإجتماعية تحتاج إلى قوة جسدية في الرجل فإنها تحتاج إلى عاطفة قوية في المرأة التي هي مصدر الغذاء المعنوي للطفل، حتى لو كانت قوة العاطفة تؤدي أحياناً إلى غلبتها على العقل.
والأمر لا يتعلق فقط بالحياة الزوجية، بل يتعلق بكل الخلق بجنسيه الرجل والمرأة.

2- الإنفاق
يقول تعالى:﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم، هناك تلازم بين المسؤولية والصلاحية، ولا يمكن تحميل شخص مسؤولية من دون أن نعطيه صلاحية.
وقد توصل علم الإدارة الحديثة، إلى أنه يجب أن يكون هناك تكافؤٌ وتلازمٌ بين المسؤولية والصلاحية، فلكي يستطيع المسؤول عن عمل معين أن يقوم به، لا بد أن يكون عنده صلاحيات مناسبة يستطيع من خلالها إنجاح عمله. ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، ففي مقابل هذا البذل الذي نشأ عن جهدٍ وتعبٍ يضخه الرجل في داخل الأسرة، لا بد أن تكون عنده صلاحية ليضع أمواله في الموضع الملائم من وجهة نظره، وليكون هناك تناسب بين الجهد الذي بذله والنتائج التي يود الحصول عليها.

*الزواج الناجح, نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية, ط1، 2006م-1427هـ-ص:27-35.


1- الروم:21.
2- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1186.
3- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1186.
4- النساء:19.
5- الطلاق:6.
6- الكافي، ج5، ص325.
7- مكارم الأخلاق، للطبرسي، ص200.
8- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1187.
9- البقرة:187.
10- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1186.
11- مكارم الأخلاق، ص214.
12- الكافي، ج5، ص9.
13- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1187.
14- بحار الأنوار، ج37، ص103.
15- بحار الأنوار، ج43، ص81.
16- ذخائر العقبى، ص50.
17- وسائل الشيعة، ج21، ص451.
18- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1186.
19- النساء:34.
20- الحجرات:13.
21- النحل:97.
22- الزخرف:32.

2011-05-12