يتم التحميل...

الإسلام ورغبات الإنسان

العلاقات الزوجية

فالإنسان لا يحق له بتاتاً قتل رغباته، وسحق غرائزه بعيداً عن إرضائها وإقناعها، وهذا ما صوّبه القرآن المجيد في بعض آياته حيث حبّب للبشر العمل من أجل الحظوة بالآخرة من دون نسيان النصيب الدنيوي الذي يشتمل على إرضاء الغرائز والرغبات والميول.

عدد الزوار: 12

الزواج في نظر علماء الأحياء
إن الغدد المرتبطة بالغريزة الجنسية تترشح في الدم، وحينما يتم هذا الترشح يحصل التغيّر العجيب في جسم وروح الشباب، فتى كان أم فتاة.

وهذا التغيّر يبدو واضحاً جلياً حتى على وجه الشاب مما يلفت أنظار الآخرين إليه، وهذه الحالة يسميها الإسلام بـ " البلوغ " حيث يقال للشخص الذي تعتريه حالة التغيّر تلك "بالغ".

إن ترشّح الغدد المرتبطة بالغريزة الجنسية يُكسب الفتى أو الفتاة ميلاً أو رغبة، يمكن أن نطلق عليه اسم الميل الجنسي أو الرغبة الجنسية، وبعبارة أخرى، ما دامت الغريزة الجنسية كالنار تحت الرماد يبدو على الشاب التبختر في مشيته، والتحليق في عالم آخر غير العالم الواقعي، والميل والرغبة إلى أشياء أخرى، ما كان قبل ذلك يميل أو يرغب إليها، وعندها ينبغي أن يحصل الشاب على جواب رغباته وميوله تلك، وإذا ما حلنا دون إجابته ستطفو على السطح مشاكل نحن في غنىً عنها لو كنَّا قد أجبنا على ميول ذلك الشاب.

إن الرغبة الجنسية ليست كالرغبة إلى الأكل والشرب، وليست نظير غرائز حبّ المال، أو حبّ الرئاسة، أو ما شابه من الغرائز الأخرى، ولو كان حديث فرويد بصدد هذه المسألة صائباً لكانت كل الغرائز ترجع في أساسها إلى هذه الغريزة، ولكنّ حديث فرويد ذاك ليس صحيحاً، ويبقى أن نعلم بأن الغريزة الجنسية ليست كغريزة الرغبة إلى الخبز والماء.

إن العشق، والذوق، والشعر كلّهُ، وكلّ ما يشبهه ينبع من تلك الغريزة، إنكم لم تسمعوا بذلك الذي قال شعراً في الخبز أو قصيدة شعرية تغزلاً بالماء، وعلى علمي أنكم لم تسمعوا بأحدٍ عشق الخبز أو الماء، ولكن العشق المرتبط بالغريزة الجنسية موفور، عشق الإنسان لإنسانٍ آخر، وهذا يقيناً يرجع في أساسه، ويستمدّ ما لديه من منبع الغريزة الجنسية.

وهنا لا بد من تحذير الشباب بشكل إجمالي من خطورة المحبة المفرطة بين فتيين أو فتاتين، لأن ذلك يؤدي إلى حالات مرضيَّة خطيرة.

وقد يقول البعض، إن ذلك غير معقول، كونه يحبّ رفيقه أو صديقه أكثر من أصدقائه الآخرين، وأن ذلك لا يرجع في الأساس إلى الغريزة الجنسية، وأنه لن يحصل ما لا تحمد عقباه، ونقول له: لا، لأن محبة أحد بني البشر لا تنفلت أبداً ولو بنسبة واحد بالمليون من دائرة الغريزة الجنسية، هذا إذا كان الحب المتبادل بين الشباب حبًّا مفرطاً وإفراطياً، أو ما يطلق عليه بالعشق، والعشق يرتبط بالغريزة الجنسية.

أما العشق السليم فهو ذاك المرتبط بالله تبارك وتعالى، أجل يمكن أن يعشق أحدهم الإمام الحسين عليهم السلام، ويعشق ولي العصر الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويعشق ظهوره، فلا غرابة في الأمر لأن ذلك العشق يرتبط بالله العليّ العظيم، ولو لم يكن هؤلاء الذين ذكرنا يعشقون الله لما عشقناهم.

أما الأفراد الذين لا يعرفون معنى الفضيلة، ولا يرتبطون بالله ارتباطاً وثيقاً يكون عشقهم خطراً، وخطراً جداً.

أريد أن أقول: إن الذي يقول شعراً في معشوقه بعد أن تعلق قلبه بالآخرين يستقي عشقه ذاك من تلك الغريزة الجنسية، أما الذي عشق الماء، أو عشق الخبز وقال فيهما شعراً، لا يمكن أن يعدّ جائعاً إلى هذه الدرجة، ولكنّ ذوقه تألّق ليساعده على قول الشعر في الخبز، وكذا الأمر بالنسبة للذي يقول شعراً في الماء إذ لا يمكن أن نتصور ذلك الشاعر ظمآناً إلى درجة كبيرة بحيث حرّك عطشه قريحته الشعرية، فالأمر ليس هكذا أبداً.

من هنا نفهم بأن الغريزة الجنسية ـ بالرغم من عدم صحة نظرية فرويد ـ يجب أن يكون لها حساب خاص، لذا ينبغي لجميع الشباب، الآباء، الأمهات، وجميع أفراد المجتمع أن يحسبوا لهذه الغريزة حساباً منفصلاً عن بقية القضايا التي تمس المجتمع بشكل عام.


الزواج من منظار قرآني
إن الآية الشريفة: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ1 ترتبط بالحياة الضرورية للبشر أجمع، وترتبط أيضاً بالزوج أو الزوجة، ولهذا كانت المرأة للرجل، وكان الرجل للمرأة أمراً ضرورياً، وطبيعياً، مثلما يكون الأمر طبيعياً أيضاً حين يحتاج الإنسان خبزاً وماءً، فإذا لم يستطع تهيئته وجب على الآخرين أن يهيئوا ذلك الخبز وهذا الماء.

وكما ذكرنا أن للغريزة الجنسية حساباً منفصلاً عن باقي الغرائز حيث نرى القرآن قد فتح حساباً خاصاً بهذه الغريزة، وهذا ما علمناه من ذكره للآية المباركة التي تقول.

﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾2.

أيها المجتمع! عليكم بتزويج أبنائك، ابتداءً من الأب والأم، فإن لم يستطيعا عمل شيء في هذا المجال وجب على الحكومة الإسلامية تبني هذا الأمر، فإن لم تستطع هي الأخرى من تأسيس مؤسسة تقوم بهذه المهمة، وجب الأمر على جميع أفراد المجتمع.

إن القرآن المجيد يأمر المجتمع الإسلامي بتزويج العزاب من الفتيان والفتيات، ثم يقول ذلك المجتمع بعدم التخوّف من المستقبل الآتي، لأن الله كافلُ هذا الأمر، إذا توكلتم على الله مخلصين.

إن هذه الآية: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى.. يمكن اعتبارها خاصة بمسألة الغريزة الجنسية، أما الآية المباركة: "لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ.." فيمكن اعتبارها عامة، أو بالأحرى شاملة لجميع الغرائز، وعامة في تحريضها للمجتمع على ملء فراغ الفقر الفردي والاجتماعي، وتأمين احتياجات الفقراء من قبل الأغنياء.

الزواج في الروايات
إن للمرحوم صاحب الوسائل حقاً كبيراً على الجميع، وخصوصاً على مراجع التقليد، وقد نقل لنا هذا المرحوم في كتابه الموسوم بوسائل الشيعة "6" روايات تتعرض للثواب الجزيل الذي يمكن أن يناله الفرد إذا ما زوج فتى أو فتاة، بحيث يفهم من تلك الروايات أن لا فضيلة أسمى من تلك الفضيلة.

نقل عن الإمام الهمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام أنه قال: "ثلاثة يستظلون بظلّ عرش الله يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه: رجل زوّج أخاه المسلم، أو أخدمه، أو كتم له سراًّ"3.

وقال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: "أفضل الشفاعات أن يشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع شملهما"4.

إن نظير هاتين الروايتين موجودٌ في هذا الباب، وفي أبواب أخرى من كتاب وسائل الشيعة، وكتاب بحار الأنوار ولا بأس أن نذكر هنا رواية أخرى نقلت عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام لتعمّ الفائدة على ما أظنّ: "إن ركعتين يصلّيهما رجل متزوّج أفضل من رجل يقوم ليله ويصوم نهاره أعزب"5.

أمّا بالنسبة للرواية التي نُقلت لنا عن لسان النبّي محمّد صلى الله عليه آله وسلم والأئمة والأطهار من أهل بيته والتي يمكن اعتبارها أهم رواية قيلت بحق التزويج فهي:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله عز وجل من التزويج"6.

إن ما تعنيه هذه الرواية هو شيء خاص حيث يراد القول: أيها السيد! إذا تمكنت من تزويج فتى وفتاة لتعمر بيتاً في مجتمع الإسلامي تكون قد حصلت على ثوابٍ أكثر مما لو تكون قد بنيت مسجداً، أو مدرسة يتعلم فيها الصبيان.

ومثل هذه الروايات كثير وكثير أقلها في الأجر تلك التي تقول ما مضمونه إن الرجل المتزوج، أو المرأة المتزوجة إذا صليا صلاة الصبح كتب لكل منهما ثواب "140" ركعة في سجل أعمالهما، وبذلك تكون عبادتهما (70) ضعفاً وهذه أقل فضيلة للزواج.

على العكس من ذلك الشاب الذي يستطيع الزواج ولا يتزوج، وتلك البنت التي كثر خطّابها وترفض الزواج فقد جاء فيها عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وفي ذلك الشاب العازب: ".. شراركم عزّابكم، وأرذال موتاكم عزَّابُكم"7.

أي أن الرجل الذي يموت ولم يتزوج، أو أن المرأة التي تموت وهي عازبة يُعّدان من أرذال الموتى وشرارهم.

وإلى هنا امتنع عن استعراض مثل هذه الروايات، كونها تُدخل اليأس بعض الشيء على الأخوة العزّاب، لذا أنصح الأخوة الذين يرومون معلومات أكثر عن مثل هذه المسائل بمراجعة الجزء الرابع عشر من وسائل الشيعة ليجدوا فيه ما يرومون.

من كل هذه المواضيع ندرك نقطة مهمة ألا وهي ـ وكما تعلمون ذلك ـ أن الإسلام ليس فيه إفراط ولا تفريط، إنه دين وسط يراعي جميع الحدود والأحكام الوسطية، وأن جميع الأحكام الإلهية تراعي مصالح المسلمين، وتبتعد بهم عن المفاسد التي قد يتعرضون لها، ومثال على ذلك: لو اتفق أن يأمر الإمام الصادق عليه السلام أمراً فسيكون ذلك الأمر فيه المصلحة التامة الملزمة، ولو نهى الإمام الباقر عليه السلام عن مفسدة فسيكون أيضاً ذلك النهي فيه مصلحة ومنفعة للمسلمين، وهذه القضية أو الحالة تعدّ من العقائد الإسلامية التي ينبغي لنا أن نلتزم بها وندركها بشكلها السليم.

الإسلام وأهمية الغريزة الجنسية
من خلال ما تقدم من الآيات والروايات نفهم بأن الغريزة الجنسية تختلف كثيراً عن باقي الغرائز، فعندما تطغى هذه الغرائز، أو تثار شعلتها وتؤجج تبدو المسكنة والذلة على حاملها.

أما الغريزة الجنسية فهي شكل آخر، وهي لوحدها مقابل جميع تلك الغرائز.

إن الغريزة الجنسية لها حساب غير حساب باقي الغرائز، وأن الإسلام فتح لها حساباً خاصاً بها، وباقي الغرائز في حساب آخر، وان هذا الحساب الخاص يرتبط بمسألة مهمة وحساسةٍ إلا وهي مسألة دفع خطر هذه الغريزة بعيداً عن التنكر لها أو رفعها بشكل كليّ،وان هذا الدفع جاء من أجل أن لا تثور هذه الشهوة فتدمر الأخضر واليابس، لذا حث الإسلام العظيم على عدم مدّ النظر صوب ما حرمّ الله، وكما تعلمون أن النظر إلى الأجنبية بشهوة يهيج الغريزة الجنسية ويؤدي بصاحبها الى حيث لا تحمد عقباه.

لذا حرّم الإسلام النظر بشهوة إلى ما حرّم الله النظر إليه، كون ذلك النظر يتفاقم شيئاً فشيئاً فيضحى عشقاً أسوأ من السرطان الساري.

وحرّم الإسلام أيضاً على المرأة أشياء تدخل في تهييج شهوة الرجل، وتذهب بعقله ولبّه وهي: التحدث بغنج، أو المشي بدلال، أو ارتداء الملابس المبتذلة الخليعة، أو محاولة إطالة الأحاديث مع الرجال، والنظر في صميم عيونهم، وما إلى ذلك من الأعمال التي تدخل في إثارة غريزة الرجل الجنسية.

أيتها السيدة المسلمة! إن القرآن الكريم يحرّم عليك التحدث إلى الرجال إلاّ إذا كانت هناك ضرورة تستوجب ذلك، وإذا ما ذهبت إلى إحدى المحلات التجارية لا ينبغي لك أن تبتسمي بوجه البائع أو التاجر من أجل تخفيض الثمن، ولا يجدر بك وأنت المسلمة أن تطيلي في الكلام مع هذا وذاك، واعلمي بأن هناك من يتصيّد في الماء العكر، ممن كان قلبه مريضاً.

أيتها السيدة الخيّرة! حاولي أن لا ترتدي إلا الإزار الأسود، وابتعدي عن لبس الإزار الملوّن الذي يجلب الأنظار إليك، ولا تنتعلي الأحذية المثيرة، واحذري أن تكون طريقة مشيتك جاذبةً لقلوب الآخرين، فلو كان إزارك مثيراً عدّ ذلك من الظلم، وظلم كبير لأنه حرّك الشهوات الخامدة، ولو أثير شاب بسبب طريقة مشيك، أو بسبب لون حذائك البرّاق كان عليه صعباً أن يلجم غريزته الجنسية.

من هذا نفهم ـ وسبق أن ذكرنا ذلك ـ بأن الغريزة الجنسية تختلف كثيراً عن باقي الغرائز، نقول للشاب وللأبوين بأنها تتفتح ابتداءً من عمر (17) إلى عمر (28) سنة، وبعد ذلك تخبو شيئاً فشيئاً عندها لا ينفع ذلك الشاب للزواج.

إن الشاب في العادة يمكن أن يتلذذ جنسياً في ظرف هذه الأعوام العشرة، فلا بأس أن يقدّم له النصح باتخاذ المرأة بعنوان زوجة حليلة له.

إن ما نراه اليوم من عقدٍ في مجتمعاتنا الإسلامية ترجع في أساسها إلى إغفال الشباب تلك السنوات العشر من أعمارهم التي كان ينبغي أن تستثمر في الحلال دون الحرام والمقاطعة، والانزواء بعيداً عن الناس، مما حدا ببعض المجتمعات أن تفسد نتيجة تلك المقاطعة للزواج، وطفو الحالات الجنائية، وحالات الهمّ والغمّ، وبروز عقد الحقارة والشعور بالعظمة.

سيدتي الجليلة! سيدي الفاضل! إن الإسلام يعلم بهذه المسائل أفضل منّي ومنكم.

الاعتدال في تجهيز البنت
لو تأتّى لمجتمعاتنا الخروج على حالة الترف، واقتناء المسائل الكمالية لهانت بقيّة المسائل، إننا نستطيع بهذا الجهاز (اللوازم المنزلية التي تأتي بها البنت إلى بيت زوجها) تزويج "10" فتيات بدلاً من واحدة، وقد يرفض هذه المقولة بعض النساء وبعض الرجال، ولكن الإسلام يؤكدها ويرحّب بها.

وفي مسألة اقتناء الكماليات أو ما يطلق عليها " فُضُول العيش" قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الديوان المنسوب إليه:

وقد دقّت ورُقّت واسترقت         فضولّ العيش أعناق الرجال

أي أن المسائل الكمالية، أو التجميلية ـ غير الضرورية ـ قصّرت وأذلت واستعبدت أعناق الرجال.

فالحياة التجميلية أو الفائضة على الضرورة تجلب الفقر الفردي والاجتماعي، وتذل صاحبها وتجعل منه أسيراً للآخرين وهذا مرفوض من قبل العقلاء، والملتزمين بشرعة الله الحقّة.

إن الوسائل الزائدة عن الحاجة والتي يهيؤها الأبوان لابنتهما الذاهبة إلى بيت الزوج ما هو إلاّ قصم لظهرهما ولكل شيء في حياتهما.

أيها المجتمع! إننا جميعاً مبتلون، أنا مبتلىً، وأنت مبتلىً، القروي مبتلىً، وابن المدينة مبتلىً، المتدين مبتلىً، وغير المتدين مبتلىً.. كلنا مبتلون، ولو تأتى تقليل هذه الوسائل البيتية القاصمة للظهر لكان بالإمكان تزويج "10" فتيات، وقد يقول أحدكم لا يمكن ذلك، واقول له: ثق إن ذلك يمكن، وعليه لا بأس من نقل حكاية عن المرحوم آية الله الحائري الذي كان أسوةً وقدوةً للجميع.

يقال: كان الشيخ المرحوم جالساً بين جمعٍ من تلامذته، وإذا بأحد التجار يدخل باحة الدرس ليقدم للشيخ عباءةً من النوع الثمين وهي ما يطلق عليها باللهجة العراقية الدارجة "خاجية".

نظر الشيخ إلى العباءة جيداً، وفكر جيداً ليصل إلى نتيجة وهي أنه لا يمكن أن يلبس هكذا عباءة وهو في ذلك المقام الذي يعتبره الناس قدوة لهم، ولا يمكن أن يردّ الهدية، لأن ذلك خلاف الأدب، لذا سأل التاجر قائلاً: كم تعدل هذه العباءة من العباءات العادية؟ فقال التاجر: "16" عباءة عادية! فقال الشيخ: هل يمكن إبدالها بهذا العدد من العباءات إذا أنا قبلتها منك؟ فقال: ولم لا، فقال الشيخ: لا بأس بإبدالها لنا.

ذهب التاجر إلى السوق حاملاً معه تلك العباءة الثمينة، ليرجع ثانية بعد حين معه "16" عباءة، ليقدمها بدوره إلى الشيخ، وكان ذلك في حضور جمع من التلاميذ والفضلاء.

قام المرحوم من مكانه وأمسك بالعباءات ليوزعها بين طلبته، لتبقى واحدة فيضعها على كتفيه ويلتفت إلى التاجر ليقول: أيها أفضل ذلك الحال أو هذا؟

لو كانت عباءة واحدة للبسها شخص واحد، وبما أنها "16" عباءة فقد لبسها "16" شخصاً، وهذه الحالة أفضل من تلك التي يلبس فيها شخص واحد عباءة ثمينة ولا يلبس الباقون أي شيء!

إننا جميعاً مسؤولون غداً، فلا تتنكروا لهذه المسؤولية الكبرى. قال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم: "كلّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته"10.

أيها الشباب ، ينبغي علينا تحسين أخلاقنا في البيت، وإفهام فتياتنا بأن هذه الوسائل البيتية المسماة "بالجهاز" يمكن تقسيمها بين "16" بنتاً أو "20" فتاة أو حتى "100" فتاة، بدل أن تكون لفتاة واحدة تستأثر بها وتترك من هم مثلها من الفتيات بدون وسائل وبدون زواج، وهذا الإفهام والنصح لا أعني به أحداً معيناً، بل هو شامل لجميع أفراد المجتمع شيبتهم وشبابهم، عالمهم وجاهلهم، فاضلهم وطالبهم، سألت الباري تعالى أن يوفّق الجميع للابتعاد عن كلّ ما هو غير ضروري، وزائد عن الحاجة، وكماليّ ليعمّ الخير والصلاح في مجتمعاتنا الإنسانية.

*الأخلاق البيتية، مظاهري، دار المحجة البيضاء، دار ومكتبة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ط1، ص41-50.


 

1- الطلاق:7.
2- النور:32.
3- وسائل الشيعة: ج14، ص27.
4- بحار الأنوار/ ج 13، ص 222.
5- بحار الأنوار/ ج 103، ص 217.
6- وسائل الشيعة/ ج14، ص3.
7- كنز العمال/ خ44449.
8- يوسف:24.
9- يوسف:33
10- صحيح مسلم/ ج3 ص1459.

2009-10-26