يتم التحميل...

تعدّد الزوجات وعوامله

المشاكل الزوجية

وهو الزواج الذي يحدث بمقتضى الضرورة بسبب مرض الزوجة الأولى، أو بسبب عدم تمكنها من إرضاء غريزة الرجل الجنسية، أو عدم تمكنها من القيام بأعمال المنزل، لذا يضطر الرجل إلى انتخاب زوجة ثانية، ويعتبر هذا الزواج ضرورياً بلحاظ الأحكام الإسلامية المهمّة.

عدد الزوار: 14

بحثنا هذا يدور حول تعدد الزوجات وعوامله وأسبابه وهو بحث أخلاقي صِرْف، وليس فقهياً ولا اجتماعياً ولا غيرهما.

إن الزواج الذي يحدث بعد الزواج الأول يقسم إلى عدّة أقسام:

1- الزواج الضروري
وهو الزواج الذي يحدث بمقتضى الضرورة بسبب مرض الزوجة الأولى، أو بسبب عدم تمكنها من إرضاء غريزة الرجل الجنسية، أو عدم تمكنها من القيام بأعمال المنزل، لذا يضطر الرجل إلى انتخاب زوجة ثانية، ويعتبر هذا الزواج ضرورياً بلحاظ الأحكام الإسلامية المهمّة.

إن النصارى لا يتمتعون بمثل هذا الزواج، وهذا ما يبعث على المشاكل والمصاعب، لذا قد يضطر رهبانهم إلى وضع قوانين خاطئة في هذا المجال للخلاص من تلك الأزمة.

إن هذا القسم من الزواج الضروري نادر جداً، ويحدث في أغلب الأحيان عندما تكون الزوجة غير ولود، مع وجود رغبة من الزوج في الأطفال، لذ تقتضي الضرورة أن يتزوج الرجل ثانيةً.

وفي هذه الحالات ـ أعني الحالات الضرورية ـ أنصح الزوجات بضرورة الإقدام بأنفسهن على انتخاب الزوجة الثانية لأزواجهن، حيث يمكن أن تجد المرأة زوجةً تتناسب روحياً معها، وتنسجم أخلاقياً مع زوجها الذي يرى في زواجه الثاني ضرورة ملحّة.

2- الزواج الترفي
القسم الثاني، وهو الزواج الترفي، فقد يظنّ الرجل أن الزوجة الثانية لها طعم ولذة خاصة غير التي رآها من الأولى، وهكذا رجل قد يتزوج الثالثة والرابعة، ولو تمكن من كافة النساء لفعل مثلما فعل حكام بني العباس وبني أمية حيث كان الواحد منهم يمتلك بيوتاً للحريم.

إن هكذا زواج يشوبه الترف والهوس خطر جداً على حياة المجتمعات، لأن المسألة لا تعدو أن يكون بحثاً محضاً عن لذة جديدة تخبو بعد أول لقاء من مراسم الزواج، وهذا ما يسوق الإنسان إلى وادٍ خطير ومظلم.

إن الغريزة الجنسية تتشابه مع باقي الغرائز في الحاجة إلى الإرواء، ولكنها تختص بميزة تزداد فيها على بقية الغرائز، وهي أنها لا تقف عند حد معين، أي أنها لا يمكن أن تصل إلى حال الشبع، فالسلطة وحب التسلط يمكن أن يشبع منها البشر، وكذا حب المال، وحب الطعام وما إلى ذلك، وهذا ما لا يُرى في الغريزة الجنسية، إذ أن الفرد الذي يسعى وراء الجنس ترفاً، لن يتأتى له إرضاء غريزته حتى لو تسلّط على كل نساء الكرة الأرضية، وعندها سيحاول أن يبحث عن كرة أخرى علّه يُرضي طلبات تلك الغريزة فيها؟!

جاء في الخبر، لو كان لأحدهم بحرٌ من ذهب، وآخر من فضة لما ارتوى ولطلب بحاراً أخرى، والغريزة الجنسية تفوق على مسألة اقتناء الذهب والفضة، وإذا ما وصل الإنسان إلى مثل هذه الحالة فليقرأ على نفسه السلام، وهذا ما أخبرنا به التاريخ، إذ قرأنا فيه أن حكام بني العباس وبني أمية وبعض من سلاطين إيران كانوا يمتلكون بيوتاً يجمعون فيها الحريم، ويجرون بالرغم من ذلك وراء نساء آخرين.

فكان الواحد منهم ـ على سبيل الفرض ـ يمتلك 100 امرأة لا يصل إلى بعضهن في العام الواحد مرة واحدة، لكنه كان يجري وراء الفتيات والنساء الجميلات حتى لو كن تحت رجال آخرين.

إن علماء النفس ينعتون مثل هذه الأرواح، بالأرواح الظامئة أو المتعطشة، ويرجعون السبب في ذلك الظمأ إلى العيون التي لا تشبعها إلا حفنة من التراب، فالعين الملاحقة لنساء العالمين لا يمكن أن تهدأ وتسكن، إلاَّ إذا فُقئت، أو كان صاحبها ملتزماً.

فإذا ما كانت المرأة تدور بعينها هنا وهناك، وتتطلع في وجوه الرجال كالذي ضيّع ولده الوحيد، تخرج من قالب العفّة وهو ما يبعث على العطش الجنسي والعياذ بالله.

والرجل الذي يمتلك زوجة حسناء في مقتبل العمر، ولا يسيطر على عينيه، سيبحث عن ثانية، وثالثة، ورابعة، ولا يصل إلى حالة الري بسبب عينه التي تدور هنا وهناك بدون رادع ولا وازع، وإذا لم يمنع المرء هذه العيون عن النظر إلى هذه وتلك، سيصبح مثل هارون الرشيد الذي كان يمتلك بيوتاً للحريم ويبحث عن الحسن والجمال في نساء الآخرين.

إن الوضع الخطير الذي ينتج عن مثل هذه الحالات يؤدي في الغالب إلى انحطاط وتسافل المجتمعات، مما يبعث على بروز الجرائم في تلك المجتمعات، جرّاء عدم التزام بعض النساء بالحجاب والستر.

يقول علماء النفس إن المرأة التي تحاول إبداء محاسنها للغرباء تميل روحها إلى الجنس الترفي، وقد تفعل بعض النساء ذلك تشبهاً بأخريات متبرّجات ظناً منهن بأن ما يفعلنه يدخل ضمن دائرة الحضارة والثقافة والمدينة.

وقد يعزو العلماء هذه الحالات إلى ظمأ جنسي لم تتمكن المرأة من ريّه بسبب قصور زوجها الذي يعود متعباً في ساعة متأخرة من الليل ليطرح نفسه على فراشه إلى صباح اليوم الثاني، أو بسبب نفرة نفسية من زوجها الذي يصرخ دائماً في وجهها إذا كلّمته، ويسخر منها ويعتبرها أقل منه مستوى، لذا تبادر تلك المرأة إلى الخروج بإزار شفاف، وقميص يشبه إلى حد ما لباس النوم، لتقنع نفسها بأنها ما زالت تستطيع أن تغري كاسب المحلة ـ ولو كان عجوزاً ـ والذي يقوم بدوره بإطلاق نظره في شتى جوانب جسمها، عندها تشعر بارتياح كاذب يسري في بدنها الذي سيكون طعمةً لنارٍ سجّرها العليّ القدير.

قد يكون بعض المسنّين عاجزاً جنسياً، ولكننا نشاهده يسترق النظر إلى هذه الشابة، وإلى تلك المرأة الجميلة فما السبب في ذلك وهو غير قادر على ممارسة الجنس.

يقول علماء النفس، إن هؤلاء الأفراد، لا يزالون ظامئين جنسياً بالرغم من عدم اقتدارهم الجنسي، وإن عيونهم تلك اعتادت على النظر منذ البداية، ومنذ اليوم الأول الذي ساقهم فيه الشيطان إلى هذه المهالك، لذا يحاول إشباع عينه الجائعة من خلال تفحصه وجوه النساء علّه يتمكن من بلوغ الشبع الذي لن يصل إليه بالمرة، وهذه الحالة الخطيرة بنظر الإسلام وبنظر علم النفس، قد تؤدي بالمجتمع إلى مهاوٍ لا يمكن الخروج منها لعدّة أجيال.

لا بدّ هنا من التعرض إلى مسألة مهمة، ومهمة جداً في حياة مجتمعاتنا الإسلامية، وهي، إن جلوس المرأة أمام منزلها حالة غير طبيعية، وهي في كل حالاتها سيئة، وأسوأ من تلك التي يكون فيها الجالس رجلاً، وخصوصاً إذا كانت المرأة أو النساء المجتمعات حولها متبرّجات، فهي علاوة على استعراضها لمحاسنها أمام الرائح والغادي ـ والعياذ بالله ـ يمكن أن تعتبر أحد أسباب الفساد في المجتمع وقد نهى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الجلوس المشبوه حين قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إياكم والجلوس في الطرقات"1.

فيا أيتها السيدة! إذا كان لديك ما تنجزينه من عمل في الدار فاذهبي لإنجازه، وإن لم يكن لديك عمل، ينبغي لك أن تطالعي ما يمكن أن يكون فيه صلاحك، أو تستمعي إلى شريط ديني، ذوقي، أو اجتماعي، واعلمي بأن جلوسك في باب الدار لهو دليل قاطع على انحطاط شخصيتك ومستواك الاجتماعي، لأن جلوسك ذاك سيعينك على النظر إلى هذا وذاك مما يبعث على تهيج مشاعرك وعواطفك وأفكارك، ناهيك عن ورودك في بعض حالات الغيبة والتهمة التي ستمارسينها عندما يجتمع إليك من هم مثلك من النساء اللواتي لا يوجد من يردعهن أو ينهاهن عن ذلك الجلوس المشين.

إن جلوس الرجل أو المرأة في الحارة يمكن احتسابه عاراً اجتماعياً، ودليلاً على عدم التأدب بآداب الإسلام العظيم، وتجاهراً بالفسق، وعدم امتثال لأوامر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار من أهل بيته عليه السلام.

إن المرأة التي تدّعي بأنها متأسية بالزهراء عليها السلام لا يتأتى لها ذلك الجلوس، وإن من تفعل ذلك عليها أن تعلم بأن الزهراء عليها السلام منها براء.

نرجع ثانية الى مسألة تعدد الزوجات فنقول إن البعض من الرجال يتزوج امرأة ثانية ترفاً ويدّعي بأنه يرغب في كسب الأجر والثواب، ولا يعلم بأنه يجري وراء المصائب والبلايا، ويجرّ نفسه وغيره إلى ما لا تحمد عقباه.

إن الفرد الذي يروم الزواج مرة ثانية ترفاً ويزعم بأنه يطلب الأجر والثواب في زواجه ذاك ساقط أخلاقياً بنظر العلماء الذين يقولون لتلاميذهم في اليوم الأول: "إياكم ثم إياكم ثم إياكم والتوغل في المشتهيات".

وهذه المشتهيات والرغبات التي تطلبها النفس بين حين وآخر هي نتيجة حتمية لأكل الزائد، وللتكلم الزائد، وللدعة الزائدة: كون هذه المسائل الثلاث تبعث على إيجاد اختلافات في تعادل الغرائز الجنسية، لذا يكون الزواج الترفي عملاً غير صائب ولا ينسجم مع الوفاء للزوجة الأولى.

نقل لنا أحد العلماء الأجلاّء حكاية تبعث على الدهشة والتعجب، وتدلل على أن الأفراد المتخلّقين بالخلق الإسلامي، لا يجيزون لأنفسهم الولوغ في المشتهيات والرغبات التي تجرّ الإنسان إلى مطبّات تقلل أو تنقص من مقاماتهم السامية.

والحكاية تقول: كان أحد مراجع النجف الأشرف يعيش في مدينة كربلاء المقدسة، وكان معروفاً بورعه وتقواه وأخلاقه التي ينبغي أن يقتدي بها كل إنسان عاقل، إنه المرحوم السيد إبراهيم القزويني رحمة الله تعالى عليه.

وكان في المدينة ذاتها شابّة مطلقة جميلة اسمها ضياء السلطنة ابنة السيد فتح علي شاه، وقد جاءت إلى العراق بعد أن طّلّقت في إيران فحبّذت البقاء في كربلاء، وعند سماعها بتقوى ذلك العالم أرسلت إليه من يخبره بأنها تسكن لوحدها ولا قيّم عليها لذا ترجو منه أن يتزوجها كي تستظلّ بظلّه الشريف، فأرسل إليها الجواب أنه لا يتناسب شأنه وعمره مع شأنها وعمرها، وأنه ليس بكفىءٍ لها كونه شيخاً مسناً وهي شابة في مقتبل العمر، وأنه طالب علم، وهي من أبناء الذوات، وهو فقير وهي ثرية.

وفي اليوم التالي جاءه من يخبره بأنها تفتخر ان تكون زوجته، وتفتخر أن تستظلّ بظلّه الشريف، وأنها لا تطلب منه مالاً ولا أثاثاً، بل وستديرُ بيته الأول.

وعندها رأى السيد إبراهيم القزويني بأن تلك الشابة لا نيّة لها بتركه فأجابها: السلام على ضياء السلطنة وبعد، إنني متزوج منذ "40" سنة، وأن ظروف الوفاء لا تقتضي بأن أتزوج على امرأة خدمتني، واحتضنت أولادي وعاشت معي في الغربة سنين طوال، وتحملت المشقة من أجلي لذا، لن أتزوج عليها ما حييت والسلام.

إن هذه الحكاية قد لا يتقبلها البعض، بل قد يراها من الصعب المستصعب، ولكنها حكاية واقعية تتطلب الوقوف عندها باحترام وتقدير.

وبناءً على ذلك، فمن أراد أن يتزوج ثانية من أجل اكتساب الأجر والثواب، فما عليه إلاّ إخراج المبلغ الذي يريد التزوج به، ليزوّج شاباً وشابةً ويتكفّل معيشتهما، لأنني أعتقد أن ثوابه أكثر من ذلك الثواب الذي قد يحصل عليه من زواجه الترفي الثاني.

قال الإمام الباقر محمد بن علي عليه السلام: "لأن أعول أهل بيت من المسلمين، وأشبع جوعتهم وأكسو عُريهم، وأكفُّ وجوههم عن الناس، أحبّ إلي من أن أحجّ حجّة وحجّة حتى انتهى إلى عشرة.."2.

الزواج المعقّد
أما القسم الثالث من الزواج فهو الزواج المعقّد، فهل تعلم كيفية حدوث مثل هذا الزواج؟

إن لكل إنسان رغبات، قد تُرضي حيناً، وقد لا تُرضي حيناً آخر، وإن الرغبات غير المرضية تنتقل من ضمير الشعور إلى ضمير اللاشعور، أي عندما يعجز ضمير الشعور عن إرضاء رغبة معينة، وتمر الأيام على تلك الرغبة بدون إرضاء، تنسى تلك الرغبة لكنها في الوقت ذاته تنتقل من ضمير الشعور إلى ضمير اللاشعور بشكل عُقدة تتفاقم يوماً بعد يوم حتى تبلغ الزمن الذي تنفجر فيه بشكل خطير، ويقول علماء النفس إن الرجل أو المرأة قد يصبحان من كبار الجناة حينما تنفجر هذه العقدة، خصوصاً إذا بلغ الفرد مقاماً علمياً أو دنيوياً، وعندها يتمكن ذلك الفرد من إخلاء عقدته بسهولة ليحرق الأخضر واليابس، مثلما فعلت ذلك المذاهب الصهيونية القائمة إلى يومنا هذا.

قد تتقاعس إحدى النساء بوظائفها البيتية، فبدل أن تستقبل زوجها القادم متعباً من عمله بابتسامة تراها تستقبله ـ على سبيل المثال ـ بهيئةٍ غاضبة، وفي اليوم الثاني يسمعُ منها زوجها مقولة متدنيّة من مثل: أمات الله أبناءك الذين ما فتئوا يؤذونني، لقد مللتهم حتى وصل بي الأمر إلى تمنّي موتهم والخلاص من شرّهم، وفي اليوم الثالث تصرّ على شراء ملابس ثمينة في الوقت الذي لا يمتلك زوجها إلا مقداراً من المال لا يوصلهم على آخر الشهر، وفي اليوم الرابع تفتعل حادثة أخرى، وهكذا على مرور الزمن تنمو في ضمير الرجل عقدة جرّاء رؤية زوجته وأبنائه، وبعد فترة يكون فيها الرجل قد نسي كلام امرأته، ـ لكن ضمير اللاشعور لم ينس ذلك ـ، تبرز حالة البحث عمّن يرفع عنه ذلك الحيف، فينبّه ضمير اللاشعور ضمير الشعور إلى أن الحل موجود وهو: انتخاب زوجة ثانية، فيتزوج الرجل ظانًّا بأنه سيتمكن من إرضاء رغباته المكبوتة، ولكنه يفاجأ بأن الثانية لا تفرق عن الأولى كثيراً، وإن الشفرة العالقة في روحه لم تتمكن الزوجة الثانية من إخراجها، فيتزوج الثالثة علّها تستطيع إخراج تلك الشفرة من روحه التي لا زالت تئن من الألم، ولكن هيهات، فالثالثة أيضاً، لم تتمكن من فعل شيءٍ له، وعندها يضحى رويداً رويداً من الرجال البصّاصين، الباحثين عن شيء ضائع في وجوه وأبدان النساء، ـ والعياذ بالله ـ ليصل به الأمر إلى أفعال وأعمال مخالفة للعفّة ـ وهذه المسألة خارج بحثنا ـ.

عندما نسأل إحدى النساء عن سبب تعدد الزوجات تلك، وعن سبب بروز عقدة الزواج! ينبغي لها ان تجيب بأنها هي السبب الأساس في بروز تلك الظاهرة، كونها لم ترضِ رغبات زوجها بشكل يستند إلى العقل والشرع.

قال الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: "ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمّه، وسعيدة سعيدة امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه وتطيعه في جميع أحواله"3.

إن تعدد الزوجات الضروري قليل جداً... فمن هو الذي يأتي بزوجة ثانية لزوجته الأولى؟ إن الذي يأتي بالثانية هو عمل المرأة الوضيع، وعدم فهمها واتعاظها، وتقصيرها وسذاجتها!

كان في زمان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم امرأة تدعى أم سليم، وهي من الأنصار، وكان زوجها عاملاً متديناً ملتزماً بالشرع الإسلامي الحنيف، حاله كحال زوجته الملتزمة المنسجمة معه، رزقهما الله تعالى غلاماً داهمه المرض بعد مرور سنتين أو ثلاث على ولادته.

وفي أحد الأيام وحينما خرج الزوج إلى عمله، توفّي ابنه فبكت أم سليم لوفاة ابنها الوحيد كثيراً، ثم جلست تفكر بما ستقوله لزوجها الذي سيعود إليها بعد ساعة؟ هل تستقبل زوجها بخبر وفاة ابنه، وهو متعبٌ .... أم ماذا تفعل؟

أخفت أم سليم ابنها في مكان لا يقع تحت نظر زوجها، ثم تزيّنت وتهيأت له، وحينما طرق زوجها الباب فتحته له وتبسمت في وجهه كعادتها، وحينها سأل الوالد عن ولده فقالت: الحمد لله لقد تحسن حاله، وهي صادقة لأن الأطفال الذين يموتون يسقون لبناّ من شجرة طوبى.

جلس الزوجان يتحدث أحدهما للآخر، فضحكا، وتداعبا حتى بلغ وقت العشاء، فعرضت أم سليم نفسها عليه، ليقوما جميعاً قبل أذان الصبح للغسل والصلاة.

وعند الأذان وحينما كان أبو سليم يتهيأ للذهاب إلى المسجد للصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت له زوجه ـ وهنا مربط الفرس ـ: إذا ائتمنك أحد على شيء، ثم جاء بعد مدة يريد أمانته، ماذا تفعل؟ هل تمتنع عن ردّها؟ أم تسلّمها إليه؟ فأجاب: إن الخيانة من كبائر الذنوب، بل أردها له متى ما طلبها!

فقالت: إذا كان الأمر هكذا، فهل تذكر أمانة الباري تعالت أسماؤه قبل ثلاثة سنوات، إنه استردها بالأمس وهو العظيم الرحيم، يا أبا سليم إن ابنك قد مات، وما عليك اليوم إلا أن تخبر أصحابك ليأتوا معك إلى دفنه فاذهب إلى صلاتك خلف الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ولا تنس هذا الأمر! فقال: الحمد لله رب العالمين.

إنني لا أعلم السبب في حمده لله، ومهما كان السبب فالأمر يقتضي ذلك ولكن من الأفضل أن نقول إنه حمد الله تعالى على إعطائه هكذا زوجة مؤمنة وعاقلة.

أيها السيدات والسادة، يا من تؤمنون بما جاء في كتاب الله المجيد إن الباري تعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا4.

فالعامل في سبيل الله تعالى يهديه الله إلى سبل النجاة، ولقد بلغ ذلك الرجل وامرأته بصبرهما وجهادهما أسمى المقامات، ويقال إن أبا سليم وحين وصوله إلى المسجد وجد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بانتظاره ليبشره بحمل زوجته في الليلة الماضية، وإن الله سيمنحه غلاماً نابغة يتحدث عنه العلماء والأصفياء والأولياء، وأن الباري تعالت أسماؤه أخذ الغلام الأول ليمنحه أفضل منه.

وعليه لا بُدّ من أن أسأل النساء وأقول: لو كانت إحداكن مثل أم سليم هل يتأتى لزوجها أن يتزوج عليها؟

كلا، لن يفعل ذلك، وأنتن تعرفن هذا الأمر جيداً، لذا فالمقصرات أنتن لا غيركن! أنتن، يا من تجلسن صباحاً عند باب الدار لتأكلن لحوم الميتة، ويا من توزعن الابتسامات على الرائح والغادي، وعند الظهر وحينما يأتي الزوج، لا يرى في المنزل إلا القذارة، والبعثرة فتحدثه نفسه بالإتيان بامرأة قد تكون نظيفة ومرتّبة، تعرف كيف تدير المنزل، وكيف تهتم بالأولاد، وعلى حد قول العامة ـ ضربت برأسه ـ وعندها سيشتري لك ولنفسه مشكلة عويصة يصعب حلّها، وحينها ستئنين وتقولين:

إن من حيكت سجّادة حظّه بخيوط سوداء                   لا يمكن أن تبيّض بماء زمزم والكوثر

أيتها السيدة! من هو الذي حاك سجادة بختك بخيوط سوداء؟ إنه كان أبيض وأنت التي صيرتيه أسود، وإذا ما كانت سجادتك قد حيكت بخيوط سوداء فما عليك أنت إلاَّ أن تبيضيها بأخلاقك، وبنظافتك، وبأدبك، وبإدارة منزلك وفق العرف والشرع.

أيتها السيدة! عليك أن تكوني ربّة بيت جيدة، وأن تهتمّي بالأولاد تربيةً ونظافةً، ولا تجعلي زوجك يتجه إلى الزواج ثانيةً بتقصير منك أو قصور فتخلقي بذلك لهذا المسكين عقدة حقيرة تنعكس إفرازاتها السلبية عليك وعلى الزوجة الجديدة التي يمكن أن يبحث عنها إذا ما استسهلت الصغار الكبار.

*الأخلاق البيتية، مظاهري، دار المحجة البيضاء، دار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ط1، ص201-210.


 

1- بحار الأنوار/ ج 75، ص464.
2- بحار الأنوار/ ج99، ص5.
3- بحار الأنوار/ ج103، ص253.
4- العنكبوت:69.

2009-10-26