يتم التحميل...

شروط الإنفاق

مواعظ حسنة

الإسلام عندما يقوم بهذه الحملة الاعلامية الواسعة لموضوع الإنفاق من خلال الآيات والأخبار وتشويق الأفراد وحثهم على التسابق إليه لا يقصد من وراء ذلك اعطاء الفقير المال وانعاشه مادياً وتخليصه من ويلات الفقر فقط، بل يريد ذلك وفي الوقت نفسه ان يجعل من هذه العملية قضية اصلاحية لكلا الطرفين المعطي والفقير.

عدد الزوار: 33

الإسلام عندما يقوم بهذه الحملة الاعلامية الواسعة لموضوع الإنفاق من خلال الآيات والأخبار وتشويق الأفراد وحثهم على التسابق إليه لا يقصد من وراء ذلك اعطاء الفقير المال وانعاشه مادياً وتخليصه من ويلات الفقر فقط، بل يريد ذلك ـ وفي الوقت نفسه ـ ان يجعل من هذه العملية قضية اصلاحية لكلا الطرفين المعطي والفقير.

المعطي: ليهذب نفسه ويصقلها ويروضها على فعل الخير والشعور بأن ما اعطاه الله من مال ليس له فقط، بل له وللآخرين عبر رصيده وتملكه. فهو يريد من صاحب المال ان يبقى دائماً بجانب الآخرين يتحسس آلامهم، ويعيش مشكلاتهم، كما لو كانت قد حلت بأسرته البيتية.

وأما الفقير: فليفهم بأن هذا الاهتمام به لسد جوعه، وان يملأ ما في بطنه من فراغ فقط بل ليشعره بأنه لم يترك في هذه الحياة وحيداً يعاني لوحده الأنواء والهزات التي تعاكس سفينته الصغيرة، وهو يمخر بها وسط أمواج الحياة العاتية بل هناك من يقف إلى جانبه ويمد له الحبل ليلقي به على الساحل فينجيه مما هو فيه.

إنه الإسلام يريد من الفقير أن لا ينظر إلى الغني نظر المعدم إلى الملىء فقط بل نظر الصديق إلى الصديق نظر الإنسان الذي يتحسس بآلامه ويشعر بضيقه ليكون ذلك درساً له لو ضحكت له الدنيا وتحسنت حالته المادية فأصبح ملياً كالآخرين فيسير على نفس الخط الذي سار عليه يداً بيد مع المعطي وبذلك يتحقق التكافل الاجتماعي من الطرفين. وينبغي في الإنفاق مراعاة الشروط التالية:

الشرط الأول:( ابتغاء وجه الله ) الإنسان الكامل هو الذي يجعل رضا الله والتقرب إليه هو الغاية التي يقصدها من وراء كل عمل يقوم به في هذه الحياة ذلك لأن ما كان لله يبقى ويكتب له النمو والبركة أما ما يقصد به غير وجه الله، ولم يكن في سبيله فيذهب جفاء.

الشرط الثاني: (الاعتدال في الانفاق)
الإسلام قد أخذ بعين الاعتبار الاعتدال في الأمور كأساس للنظام الإجتماعي، وبذلك يمكن التعديل وتسير الأمور على النحو الوسط. وقد جعل من الآية الكريمة: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا. سورة الاسراء:29. مقياساً وضابطاً لتعديل الإنسان في حياته الإجتماعية. والآية الكريمة، وان كان لسانها هو العطاء والبذل، والمنع، والشح، ولكن آيات القرآن أحكام تشريعية لا تخص بمورد دون آخر، ولا بوقت دون وقت إلا أن تقوم القرينة على الاختصاص، ومع عدمها فالقضية تبقى عامة والحكم شامل وسار، وقد اشتملت الآية الكريمة على مقاطع ثلاث، ومن مجموعها تثبت القاعدة المذكورة. " ولا تجعل يدك مغلوقة إلى عنقك ": وهذا هو المقياس، والضابط للإمتناع، وعدم الاقدام ومسك اليد كما لو كانت يد الإنسان مشدودة إلى عنقه فلا يقدر على الإنفاق.

الشرط الثالث: (الإنفاق من الطيب) الإنفاق إحسان من المعطي إلى الفقير وتعاطف بين افراد المجتمع والله من وراء القصد يرعى هذه الأريحية ويبارك هذه الصفقات الخيرة وإذا كان الأمر كذلك فمن الأفضل أن يقدم المحسن أطيب ما عنده إلى الفقير.

وليس من اللائق أن يعطيه من الرديء ليتخلص منه.
الرديء الذي إذا قبضه الفقير قبضه وهو يغمض عينيه ويطرق برأسه.
والرديء الذي لو كان المعطي يريد بيعه لما اشتراه منه أحد إلا بأقل من ثمنه.
هذا الرديء هل يصلح ان يقدم هدية إلى الله وتقرباً لنيل مرضاته ؟
وهل بهذا النوع يرجو المعطي ان تكون صفقته مع الله تجارة لن تبور ؟
وهل أن هذا الرديء هو الذي يأمل المعطي أن يأخذه لله منه قبل أن يأخذه الفقير ؟

انها تساؤلات لا بد للمنفق ان يجيب عليها أو يتأملها قبل أن يقدم النوع الرديء من المال الى الفقير.

الشرط الرابع: (أن لا يتبع العطاء بالمن والأذى) وفي نطاق هذا الشرط نرى القرآن الكريم ذكر آيات ثلاثة متعاقبة وقد بين فيها أن الإنفاق إنما يكون مرغوباً فيه ومرضياً له سبحانه لو لم يصاحبه منّ على الفقير، ولا أذى يلحقه من المعطي وتبدأ الآيات بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. سورة البقرة:262. ويقول جلت عظمته: ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ. سورة البقرة: 263.

ويختم القرآن آياته في خصوص هذا الشرط بقوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾. سورة البقرة:264. وعندما نلاحظ هذه الآيات الثلاث نراها تشترك في بيان معنى واحد اتفقت عليه بينما انفردت كل آية ببيان معنى اختصت به. أما ما أتفقت عليه الآيات فأنها بمجموعها بينت أن الإنفاق إنما يكون مرضياً لله تعالى ويتقبله ويضاعف عليه لو كان المنفق يقدم عطاء غير مقرون بالمن والإذى.


* الانفاق في سبيل الله / عز الدين بحر العلوم ص130_138.

2012-03-09