يتم التحميل...

الطرق التي سلكها القرآن الكريم للحث على الإنفاق

مواعظ حسنة

إن الأساليب التي اتخذها القرآن الكريم لحث الفرد على هذه العملية الإنسانية كثيرة وبالامكان بيان ابرز صورها وهي:1ـ الترغيب والتشويق إلى الإنفاق. 2- التنأيب على عدم الإنفاق.

عدد الزوار: 23

إن الأساليب التي اتخذها القرآن الكريم لحث الفرد على هذه العملية الإنسانية كثيرة وبالامكان بيان ابرز صورها وهي:
1ـ الترغيب والتشويق إلى الإنفاق.
2- التنأيب على عدم الإنفاق.
3- الترهيب والتخويف على عدم الإنفاق.

التشويق إلى الإنفاق والبذل والحث عليه

ولم يقتصر هذا النوع من التشويق على صورة واحدة بل سلك القرآن في هذا المجال مسالك عديدة وصور لتحبيب الإنفاق صوراً مختلفة:

الصورة الأولى من التشويق:الضمان بالجزاء
لقد بيّنت الآيات التي تعرضت إلى الإنفاق والتشويق له أن تطمئن المنفق بأن عمله لم يذهب سدى، ولم يقتصر فيه على كونه عملية تكافلية إنسانية لا ينال الباذل من ورائها من الله شيئاً، بل على العكس سيجد المنفق أن الله هو الذي يتعهد له بالجزاء على عمله في الدنيا وفي الآخرة. أما بالنسبة الى الجزاء وبيان ما يحصله الباذل ازاء هذا العمل فإن الآيات الكريمة تتناول الموضوع على نحوين:

وقد تعرضت إلى بيان أن المنفق سيحازيه الله على عمله ويوفه حقه أما ما هو الحزاء ونوعيته فإنها لم تتعرض لذلك، بل أوكلته إلى النحو الثاني الذي شرح نوعية الجزاء وما يناله المنفق في الدنيا والآخرة.

الآيات التي اقتصرت على ذكر الجزاء فقط: يقول تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ سورة البقرة:272. وفي آية أخرى قال سبحانه: ﴿ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ سورة الانفال:60. ويظهر لنا من مجموع الآيتين أنهما تعرضتا لأمرين:

الأول: اخبار المنفق واعلامه بأن ما ينفقه يوقى إليه، وكلمة ( وفى ) في اللغة تحمل معنيين: أحدهما: انه يؤدي الحق تاماً. ثانيهما: انه يؤدي بأكثر. وقوله سبحانه:"يُوَفَ إليكُم"تشتمل بإطلاقها المعنيين أي يعطى جزاءه تاماً بل بأكثر مما يتصوره ويستحقه المنفق.

الثاني: تطمين المنفق بأنه لا يظلم
إذا أقدم على هذه العملية الإنسانية وهذا تأكيد منه سبحانه لعبده وكفى بالله ضامناً ومتعهداً في الدارين ويستفاد ذلك من تكرار الآية الكريمة وبنفس التعبير في الأخبار بالوفاء، وعدم الظلم وحاشا له وهو الغفور الرحيم أن يظلم عبداً أنفق لوجهه، وبذل تقرباً إليه. هذا النوع من الإطمئنان للمنفق بأنه لا يظلم بل يؤدى إليه حقه كاملاً بل بأكثر. وفي آية أخرى نرى التطمين من الله عز وجل يكون على شكل آخر فيه نوع من الحساب الدقيق مع المنفقين. ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون سورة البقرة:247. ولم يتعرض سبحانه لنوعية الجزاء من الأجر بل أخفاه ليواجههم به يوم القيامة فتزيد بذلك فرحتهم."ولا خوف عليهم"من فقرٍ، أو ملامة لأن الله عز وجل هو الذي يضمن لهم، ثم ممن الخوف؟

الصورة الثانية من التشويق: جعل المنفقين من المتقين أو المؤمنين
ويتحول القرآن الكريم إلى إعطاء صورة أخرى من صور التشويق للانفاق والبذل والعطاء فنراه يرفع من مكانة هؤلاء المحسنين، ويجعلهم بمصاف النماذج الرفيعة من الذين اختارهم وهداهم إلى الطريق المستقيم. ففي آية يعدّهم من أفراد المتقين، وفي أخرى من المؤمنين، وفي ثالثة يقرنهم بمقيم الصلاة، والمواظبين عليها، وهو تعبير يحمل بين جنباته بأن هؤلاء من المطيعين لله والمواظبين على امتثال أوامره يقول سبحانه عز وجل: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ سورة البقرة:2- 3. ومن خلال هذه الآية نلمح صفة الإنفاق وما لها من الأهمية بحيث كانت إحدى الركائز الثلاثة التي توجب إطلاق صفة المتقي على الفرد. فمن هم المتقون ؟. ويأتينا الجواب عبر الآية الكريمة بأنهم:"الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ".

"يؤمنون بالغيب": يؤمنون بما جاء من عند الله من أحكامه وتشريعاته وما يخبر به من المشاهد الآتية من القيامة والحساب والكتاب والجنة والنار وما يتعلق بذلك من مغيبات يؤمنون بها، ولا يطلبون لمثل هذا الايمان مدركاً يرجع إلى الحس والنظر والمشاهدة بل تكفيهم هذه الثقة بالله وبما يعود له.

"ويقيمون الصلاة": فمنهم في مقام اداء فرائضهم مواظبون ولا يتأخرون ويتوجهون بعملهم إلى الله يطلبون رضاه، ولا يتجهون إلى غيره، يعبدونه ولا يشركون معه أحداً، وأداء الصلاة هو مثال الخضوع والعبودية بجميع الأفعال، والأقوال. يقف الفرد في صلاته خاشعاً بين يدي الله ويركع ويسجد له، ويضع أهم عضو في البدن وهو الجبهة على الأرض ليكون ذلك دليلاً على منتهى الاِطاعة والخضوع، ويرتل القرآن ليمجده ويحمده ويسبحه ويهلله فهي إذاً مجموعة أفعال وأقوال يرمز إلى الاذعان لعظمته، والخضوع لقدرته وبذلك تشكل عبادة فريدة من نوعها لا تشبهها بقية العبادات.

"ومما رزقناهم ينفقون": كل ذلك من الجوانب الروحية، وأما من الجوانب المالية، فإن المال لا يقف في طريق وصولهم إلى الهدف الذي يقصدونه من الاتصال بالله فهم ينفقون مما رزقناهم غير آبهين به ولا يخافون لومة لائم في السر والعلن، وفي الليل والنهار كما حدّث القرآن الكريم في آيات أخرى مماثلة. هؤلاء هم المنفقون الذين كان الاِنفاق من جماة مميزاتهم، وقد مدحهم الله جلت قدرته بقوله: ﴿أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ سورة البقرة:5.

"هدىً من ربهم ": بلى: هدى وبصيرة فلا يضلون ولا يعمهون في كل ما يعود إلى دينهم ودنياهم.

"وأولئك هم المفلحون": بكل شيء مفلحون في الدينا بما ينالهم من عزٍ ورفعة لأنهم خرجوا من ذل معصية الله إلى عز طاعته. ومفلحون في الآخرة التي وعدهم تعالى.


* الانفاق في سبيل الله /عز الدين بحر العلوم ص45_48.

2012-03-09