يتم التحميل...

أدِّ حق والديك

مواعظ حسنة

إنكم بمثابة أولادي وأنا أتوجه إليكم بالنصح من موقع الأبوّة وخذوا عني أن رؤى الاباء والأمهات في ما يخص مصلحة أو مضرة لأولادهم، غالباً ما تكون أفضل من رؤى أولادهم وأوضح، واعلموا أنهم عليكم حريصون.

عدد الزوار: 96

إنكم بمثابة أولادي وأنا أتوجه إليكم بالنصح من موقع الأبوّة وخذوا عني أن رؤى الاباء والأمهات في ما يخص مصلحة أو مضرة لأولادهم، غالباً ما تكون أفضل من رؤى أولادهم وأوضح، واعلموا أنهم عليكم حريصون.

قصة وعبرة

يروى أن شخصاً وامرأته تزوجا وعاشا ردحاً من الزمن دون أن يرزقا بولد... وبعد طول انتظار... وبعد أن كاد اليأس يستولي عليهما من أي علاج أو طب... أضاء قنديل الأمل في ذلك البيت وانطلق منه صوت بكاء وليد كأنه الموسيقى في سمع الوالدين... وصوت يقول خذ ابنك مبروك فأخذه الوالد وغمره بكل الود والحنان... ومرت الأيام يسابق بعضها بعضاً والولد في أحضان أبويه يتغذى مع اللبن الحنان والعطف...

لم يشعر الولد يوماً بأنه محتاج إلى شي‏ء... فكل ما يريده حاضر. وجرت الأيام في سنتها على ذلك البيت فانطفأ قنديل الأمومة ليضي‏ء في العالم الاخر... لكن الوالد موجود... ليعوضه بعضاً من حنانها... وتزوج الولد وكبر الوالد وشاخ... ولأن الوالد لا يرفض لولده طلباً فقد وهبه جميع ما يملك... وأخذت معاملة الولد تتغير مع والده ثم رزق الولد بابن رأى فيه جده تعويضاً عما فقده في ابنه فأخذ يرعاه ويعلمه ويروي له الحكايات... وفجأة وبلا مبرر قرر الولد وزوجته نقل سكن الوالد إلى "القبو" لأن البيت لم يعد يتسع لهم جميعاً هكذا قالا... وظل الحفيد يقضي جل وقته مع جده ويرجوه أن يسمح له بالنوم معه والجد يرفض فالمكان رطب وغير صحي!!! لم يعد مسموحاً له الجلوس مع العائلة على نفس المائدة. لأن الزوجة تتقزز من رؤية الجد يأكل معهما وهو يرتجف اليدين نتيجة ثقل السنين... ولكن الولد صار يبعث الطعام لوالده على طبق أصر الحفيد على أن يكون هو من يحمله...

وفي إحدى المرات وبينما كان الأب يأكل في صحن زجاجي كالعادة... ارتجفت يداه أكثر من أي مرة وهوى الصحن بما فيه إلى الأرض لينكسر تحت مرأى الولد وزوجته والحفيد فهرع الحفيد مطمئناً على جده...

الحمد للَّه لم يصب بأذى فغمر جده وتعانقا وفجأة يعلو صراخ الزوجة موبخاً حماها على كسر الصحن والابن يحاول تهدئة الزوجة التي انهالت بالشتائم على الأب واتهمته بأنه لا يعمل شيئاً سوى إصابة هذا المنزل وأهله بالخسائر ودعت اللَّه أن يأخذه سريعاً... هذا والولد يحاول تهدئة روعها ومواساتها لخسارتها الكبيرة!!!

دون أن ينظر إلى أبيه بأي نظرة تواسيه على ما يقاسي من زوجته ذات اللسان السليط...

وجاء القرار بأنه بعد اليوم لن يقدم الطعام إلى الأب بالانية المنزلية فأخذ الابن يصنع للأب هذا الوعاء من مستوعب(علبة) من التنك كالتي تستعمل لتقديم الطعام للحيوانات كل هذا يجري وعين الحفيد تلتقط المشهد وتسجله في الذاكرة وأشد ما أثر فيه رؤية عيني الجد وقد امتلأت دموعاً الذي تمنى لو أن الموت يأتيه سريعاً ليريح... ويرتاح... وبعد أيام لم ترق إلى أكثر من شهر...

جاء الولد وزوجته من جولة لهما في الأسواق بعد ظهر أحد الأيام ودخلا الحديقة وهما يحملان الطعام والشراب والهدايا لولدهما وأخذا يبحثان عن ابنهما متخفيين ليفاجاه بالهدايا... فرأيا الولد يعالج شيئاً بين يديه... فاقترب أبوه وناداه تعال يا بني انظر ماذا أحضرنا لك... مفاجأة... هدايا وألعاب وحلوى... والولد يخفي شيئاً وراء ظهره.. وقال: أنا أيضاً لدي لكما أنت وأمي مفاجأة... وأخرج ما كان يخفي خلف ظهره وقال: هاه!..

فإذا هي علبة من تنك كالتي صنعها أبوه لجده!!!

الوصية بالوالدين:

تأمل القصة... والان تعالى عزيزي لنرى ما حق الوالدين علينا.

إن اللَّه أكثر في القران الوصية بالوالدين ومما قال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا1.

لشدة فضل الوالدين على الولد فهما أصله وسبب كل خير فيه ولولاهما كيف كان سيوجد وماذا تملك كتلة اللحم تلك من أسباب البقاء... فالطفل الرضيع لا يعرف شيئاً ولا يقدر على شي‏ء لولا أن الوالدين يغذيانه ويرعيانه فهما يجوعان أحياناً ليطعماه... ويعريان ليكسواه... ولو أصابه شي‏ء تمنياه لقلب كل منهما دونه، فعن أمير المؤمنين مخاطباً ولده الإمام الحسن عليه السلام: "ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي، حتى كأَن شيئاً لو أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي"2.

حقوق الوالدين:

لا شك أن الذي غاب عن الولد هو معرفته بحق الوالد عليه وغاب عنه قول اللَّه تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا3. حيث قرن اللَّه النهي عن الشرك به بالنهي عن عقوق الوالدين واساءة معاملتهما لدرجة أن كلمة أف حينها تكون عقوقاً...

فحق والديك أولاً أن تعرف فضلهما عليك حيث يقول الإمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق: "وحق أبيك أن تعلم أنه أصلك، وإنه لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه فاحمد اللَّه واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا باللَّه".

حق الأم:

ومما قاله عليه السلام في حق الأم: "فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة فرحة، محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها، حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض، فرضيت أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى وترويك وتظمى وتظلّك وتضحى، وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها وكان بطنها لك وعاء".

على ضوء القصة:

بعدما عرفنا يا عزيزي من فضل الوالدين هل يصح من الولد أن يعامل أباه بمثل ما فعل؟ وهل هكذا يقابل الإنسان من أحسن إليه وأفنى عمره في سبيل سعادته؟ وأليس الولد وزوجته هما من علما ابنهما ودلاه على طريقة تعامله معهما حينما يكبران ويكبر؟

إن حق الوالدين على ابنهما أن يقابل احسانهما بالشكر، وأن يسعى لإرضائهما فلا يعصي لهما أمراً وإلا فما معنى صلاته وعبادته وكل أعماله فعن النبي صلى الله عليه وآله: "بر الوالدين أفضل من الصلاة والصوم والحج والعمرة والجهاد في سبيل اللَّه". وعنه صلى الله عليه وآله: "رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد"4.

وعلى الولد احترام أبويه وتوقيرهما ليكون مرضياً عند اللَّه وموفقاً في حياته ويطيل اللَّه عمره.

فعن الإمام الباقر عليه السلام: "بر الوالدين وصلة الأرحام يزيد في الأجل".

فهذا أحد أصحاب الإمام الصادق إبراهيم بن شعيب يسأله: "إن أبي قد كبر جداً وضعف فنحن نحمله إذا أراد الحاجة فقال عليه السلام: إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ولقمه بيدك فإنه جنة لك غداً"5.

خاتمة: فحق والدينا علينا أن نحترمهما ونرحمهما في كبرهما إذ يقول تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ6.

علينا أن نقف بين يدي كل من الأم والأب وقفة العبد أمام صاحب النعمة عليه. وحقهما علينا أن لا نصرخ في وجوهما فإذا كانت كلمة "أف" محرمة فما بالك بما هو أكبر وعلينا أن نطيعهما في كل ما يأمرانا به إلا ما كان في معصية اللَّه عزَّ وجلّ‏َ.

وحق الأم والأب كذلك أن لا نتأخر عن عونهما وقضاء حوائجهما وأن نعرف فضلها ونبرهما. حيين وأن لا ننسى برهما ميتين بالترحم عليهما والاستغفار لهما وأداء الحقوق عنهما.

ولو فعلنا كل ذلك علينا أن نثق ونتيقن أننا لا نستطيع أداء حقهما مهما بالغنا في ذلك، وإياك وعقوق الوالدين فقد جاء في الحديث "من نظر إلى أبويه نظر ماقت لهما وهما ظالمان له لم يقبل اللَّه له صلاة"7.

* دروس وعبر، سلسلة الأنشطة الصيفية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية.


1- الأحقاف:15.
2- نهج البلاغة، 38 3.
3- الإسراء:23-24.
4- المستدرك، 152 4.
5- الكافي، 162 2.
6- الاسراء:24.
7- وسائل الشيعة، 217 15.

2013-10-02