يتم التحميل...

ولاية أهل البيت عليهم السلام

تهذيب النفس

عن محمد بن مارد: "قُلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: حديث روي لنا أنّك قُلتَ: إذا عرفتَ1 فاعمل ما شئت، فقال: قد قُلتُ ذلك. قُلتُ: وإن زنوا وإن سرقوا وإن شربوا الخمر؟ فقال لي: إنّا لله وإنّا إليه راجعون،

عدد الزوار: 25

حديث في ولاية أهل البيت عليهم السلام
عن محمد بن مارد: "قُلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: حديث روي لنا أنّك قُلتَ: إذا عرفتَ1 فاعمل ما شئت، فقال: قد قُلتُ ذلك. قُلتُ: وإن زنوا وإن سرقوا وإن شربوا الخمر؟ فقال لي: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والله ما أنصفونا أن نكون أُخذنا بالعمل ووُضع عنهم2. إنّما قُلتُ: إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره فإنّه يُقبل منك"3.

ولاية أهل البيت شرط في صحّة الإيمان
إن ما مرَّ في ذيل الحديث الشريف من أن ولاية أهل البيت عليهم السلام ومعرفتهم شرط في قبول الأعمال، يُعتبر من الأمور المسلّمة، بل تكون من ضروريات مذهب التشيّع المقدّس.

الأخبار في هذا الموضوع أكبر من طاقة مثل هذه الكتب المختصرة على استيعابها، وأكثر من حجم التواتر، ويتبرّك هذا الكتاب بذكر بعض تلك الأخبار.

عن أبي جعفر عليه السلام قال: "ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضى الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته.. أما لو أنّ الرجل قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله حقّ في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان"4.

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من لم يأتِ الله عزّ وجلّ يوم القيامة بما أنتم عليه، لم يتقبّل منه حسنة ولم يتجاوز له سيّئة"5.

وعن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: "والله لو أنّ إبليس - لعنه الله - سجد لله بعد المعصية والتكبّر عُمر الدنيا ما نفعه ذلك ولا قبله الله ما لم يسجد لآدم كما أمرَه الله عزّ وجلّ أن يسجد له، وكذلك هذه الأمّة العاصية المفتونة بعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيّهم لهم، فلن يقبل الله لهم عملاً ولن يرفع لهم حسنة حتى يأتوا الله من حيث أمرَهم ويتولّوا الإمام الذي أمرهم الله بولايته، ويدخلوا من الباب الذي فتحه الله ورسوله لهم"6.

والأخبار في هذا الموضوع وبهذا المضمون كثيرة، ويُستفاد من مجموعها أنّ ولاية أهل البيت عليهم السلام شرط في قبول الأعمال عند الله سبحانه، بل هي شرط في قبول الإيمان بالله والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، أمّا كونها شرطاً في صحّة الأعمال فهو غير معلوم كما يقول بذلك بعض الأعلام، بل الظاهر أنّها ليست بشرط في صحّة الأعمال. كما يُستفاد ذلك من الروايات الكثيرة مثل الروايات المذكورة في باب عدم وجوب قضاء المخالف عبادته إذا استبصر.

فعن الإمام الصادق عليه السلام في حديث قال: "كلّ عمل عمله وهو في حال نُصِبه7 وضلالته، ثم منّ الله عليه وعرّفه الولاية، فإنّه يؤجر عليه إلاّ الزكاة فإنّه يُعيدها، لأنّه وضعها في غير موضعها، لأنّها لأهل الولاية، وأمّا الصلاة والحجّ والصيام فليس عليه قضاءٌ"8.

وفي رواية أخرى عن محمد بن حكيم قال: "كُنتُ عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه كوفيّان كانا زيديين فقالا: إنّا كنّا نقول بقول وإنّ الله منَّ علينا بولايتك فهل يُقبل شيء من أعمالنا فقال: "أمّا الصلاة والصوم والصدقة فإن الله يتبعُكُما ذلك ويلحَقُ بكما، وأمّا الزكاة فلا لأنّكما أبعدتما حقّ امرئٍ مسلم وأعطيتماه غيره"9.

وفي بعض الروايات: تُعرض أعمال الناس في كلّ يوم خميس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيؤجّل النظر فيها حتى يوم عرفة، وفي ذلك اليوم يلقي صلوات الله وسلامه عليه نظرة عليه ويجعل أعماله هباءً منثوراً. قيل أعمال أي شخص تتحوّل كذلك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أعمال مبغضينا ومبغضي شيعتنا10. وهذه الرواية تدلّ على أن الولاية شرط في قبول الأعمال كما هو واضح.

التقوى والطاعة من صفات الشيعة الأساس
إنّ من يُراجع الأخبار المأثورة في ترجمة حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى عليهم السلام، وكيفية عبادتهم وبذلهم الجهد فيها، وفي تضرّعهم وبكائهم وذلّهم ومسكنتهم وخشيتهم وحزنهم أمام ساحة قدس ربّ العزّة، وفي كيفية مناجاتهم بين يدي قاضي الحاجات لوجدها أوسع من التواتر وأكثر من المئات.

وهكذا إذا راجع وصايا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ووصايا الأئمة بعضهم لبعض، ووصاياهم للخواص من شيعتهم، والخلّص من مواليهم ووصاياهم البليغة جدّاً التي كانوا يوصون بها محبّيهم، ويُحذّرونهم من معصية الله تعالى والتأكيد عليهم في الابتعاد عن مخالفة الله سبحانه في أصول الأحكام وفروعها، والمدوّنة في كتب الأخبار، إذا راجع تلك الأحاديث وهذه الوصايا، لحصل له علم قطعي بأنّ بعض الروايات التي يتنافى ظاهرها مع تلك الأحاديث لم يكن هذا الظاهر مقصوداً، فإن أمكن تأويل هذه الأخبار بصورة لا تتضارب مع تلك الأحاديث الصريحة القطعية التي تُعتبر من ضروريات الدِّين، لأخذنا بالتأويل، وإذا أمكن الجمع بين هاتين الطائفتين على أساس الجمع العرفي بين الروايات، لقمنا بهذا الجمع، وإن لم يُمكن التأويل ولا الجمع العرفي، أرجعنا علمها إلى قائلها.

صفات الشيعة في كلام المعصومين عليهم السلام
ونحن لا نستطيع في هذا الكتاب أن نستعرض جميع تلك الأخبار أو عُشراً من أعشارها، ونُبيّن كيفية التوفيق والجمع بينها، ولكنّنا نضطرّ لذكر بعض الروايات من الطائفتين حتى تتّضح حقيقة الحال.

والروايات التي تتحدّث عن هذا المضمون والتي تستعرض علامات الشيعة كثيرة منها أيضاً:
ما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "إيّاك والسّفلة فإنّما شيعة علي عليه السلام، من عفّ بطنه وفرجه، واشتدّ جهادُه وعمل لخالقه، ورجا ثوابه وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر"11.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "شيعتنا هم الشاحبون الذابلون الناحلون الذين إذا جنّهم الليل استقبلوه بحزن"12.

وعن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال لخيثمة: "أبلغ شيعتنا، إنّا لا نُغني من الله شيئاً، وأبلغ شيعتنا أنّه لا يُنال ما عند الله إلا بالعمل، وأبلغ شيعتنا أنّ أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره، وأبلغ شيعتنا أنّهم إذا قاموا بما أُمروا، إنّهم هم الفائزون يوم القيامة"13.

وعن أبي جعفر عليه السلام أيضاً قال: "لا تذهب بكم المذاهب، فوالله ما شيعتنا إلاّ من أطاع الله"14.

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي: "يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت؟ فوالله ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه.. إلى أن قال: فاتّقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله ولا بين أحدٍ قرابة، أحبّ العباد إلى الله تعالى وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته. يا جابر والله ما نتقرَّب إلى الله تعالى إلاّ بالطاعة، ما معنا براءة من النار ولا على الله لأحدٍ من حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تُنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع"15.

وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "يا معشر الشيعة - شيعة آل محمد - كونوا النمرقة الوسطى، يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التّالي. فقال له رجل من الأنصار يُقال له سعد:

جُعلت فداك ما الغالي؟ قال عليه السلام: قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، فليس أولئكمنّا ولسنا منهم. قال: فما التّالي؟ قال عليه السلام: المرتاد يريد الخير يبُلغهُ الخير يُوجَرُ عليه. ثم أقبل عليه السلام علينا فقال: والله ما معنا براءة ولا بيننا وبين الله قرابة ولا لنا على الله حجّة، ولا نتقرّب إلى الله إلاّ بالطاعة فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعه ولايتنا، ومن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا، ويحكم لا تغتّروا، ويحكم لا تغتّروا"16.

وعن أبي جعفر عليه السلام أيضاً أنه قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الصفا؛ فقال يا بني هاشم، يا بني عبد المطّلب، إنّي رسول الله إليكم، وإنّي شفيق عليكم، وإنّ لي عملي ولكلّ رجلٍ منكم عمله. لا تقولوا إنّ محمّداً منّا وسندخل مدخله، فلا والله ما أوليائي منكم ولا من غيركم يا بني عبد المطّلب إلاّ المتّقون. ألا فلا أعرفكم يوم القيامة، تأتون تحملون الدنيا على ظهوركم، ويأتون الناس يحملون الآخرة"17.

وعنه عليه السلام أيضاً أنّه قال: "يا جابر لا تذهب بك المذاهب، حسب الرجل أن يقول أُحبّ علياً وأتولّاه ثم لا يكون مع ذلك فعَّالاً؟ فلو قال إنّي أُحبّ رسول الله، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير من علي عليه السلام ثم لا يتّبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إيّاه شيئاً"18.

عبادة أهل البيت عليهم السلام وتقواهم
قال طاووس الفقيه: رأيت الإمام زين العابدين عليه السلام يطوف من العشاء إلى السحر ويتعبّد، فلمّا لم ير أحداً رمق السماء بطرفه وقال:
"إلهي غارت نجوم سماواتك وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتّحات للسائلين، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدّي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في عرصات القيامة، ثم بكى وقال: "وعزّتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاكّ، ولا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرّض، ولكن سوّلت لي نفسي وأعانني على ذلك سترك المرخى به عليّ، فالآن من عذابك من يستنقذني؟ وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عنّي؟

فواسوأتاه غداً من الوقوف بين يديك، إذا قيل للمخفّين جوزوا وللمقلّين حطّوا، أمع المخفّين أجوز؟ أم مع المثقلين أحطّ؟ ويلي كلّما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب، أما آن لي أن أستحي من ربّي؟!
ثم بكى وأنشأ يقول:
أتحرقني بالنار يا غاية المنى فأين رجائي ثم أين محبّتي
أتيت بأعمال قباح زريّة وما في الورى خلق جنى كجنايتي


ثم بكى وقال:
سبحانك تُعصى كأنّك لا ترى، وتحلم كأنّك لم تعص، تتودّد إلى خلقك بحسن الصَّنيع كأنّ بك الحاجة إليهم، وأنت يا سيّدي الغنيّ عنهم، ثم خرَّ إلى الأرض ساجداً.

"قال: فدنوت منه ورفعت رأسه ووضعته على ركبتي وبكيت حتى جرت دموعي على خدِّه، فاستوى جالساً وقال: من الذي شغلني عن ذكر ربّي؟.

"فقلت: أنا طاووس يا ابن رسول الله، ما هذا الجزع والفزع؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ونحن عاصون جانون، أبوك الحسين بن علي وأمّك فاطمة الزهراء، وجدّك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!

"قال: فالتفت إليّ وقال: هيهات هيهات يا طاووس دع عنّي حديث أبي وأمي وجدّي، خلق الله الجنّة لمن أطاعه وأحسن، ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان ولداً قرشياً، أما سمعت قوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ. والله لا ينفع غداً إلّا تقدمة تُقدِّمها من عمل صالح"19.

هذه بعض الأحاديث الشريفة الصريحة في أنّ هذه الرغبات الكاذبة الموجودة فينا نحن أهل الدنيا وأهل المعصية، هي رغبات فاسدة وباطلة، وتُعتبر من الأهواء الشيطانية، ومخالفة للعقل والنقل.

وتنضمّ إلى تلك الأحاديث (التي مرّ ذكرها في الفصل السابق) الآيات القرآنية الكريمة مثل قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ20.

وقوله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ21.

وقول تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ22.

وغيرها من الآيات الشريفة الموجودة في كلّ صفحة من الكتاب المجيد التي تدلّ على أنّ الورع والعمل الصالح هما الركيزتان لنجاة الإنسان. ولا مجال لتأويل هذه الأخبار والتصرّف فيها لأنّ ذلك على خلاف الضرورة.

* كتاب جهاد النفس في ضوء فكر الإمام الخميني، نشر دار المعارف الإسلامية الثقافية.


1- مقصود الإمام من "إذا عرفت" أي عرفت الإمام عليه السلام.
2- مقصود الإمام عليه السلام: أنهم لم ينصفونا في أن نكون مكلّفين ومأخوذين على التكليف، وهم لأجل عقيدتهم فينا لم يكلفوا ولم يؤخذوا على أعمالهم.
3- الشيخ الكليني، الكافي: ج2، ص 464.
4- م.ن، ص 19.
5- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 2، ص 91.
6- م. ن.
7- نُصِبه: عداوته لأهل البيت عليهم السلام.
8- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 2، ص 91.
9- م. ن، ج 1، ص 97.
10- حديث مأخوذ بالمعنى، مصدره العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج23، ص 345.
11- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 233.
12- م.ن.
13- أمالي الطوسي، ج1، ص380.
14- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 74.
15- م.ن.
16- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 75.
17- م.ن، ج8، ص 182، ح205.
18- م.ن، ج2، ص 74.
19- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج46، ص82.
20- سورة المدّثر، الآية 38.
21- سورة الزلزلة، الآيتان 7 - 8.
22- سورة البقرة، الآية 286.

2017-03-14