حقوق الله
رسالة الحقوق للإمام زين العابدين(ع)
فأَمَّا حَقُّ اللهِ الأَكْبَرُ فَإنَّكَ تَعْبُدُهُ لا تُشْرِكُ بهِ شَيْئاً، فَإذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ بإخلاص جَعَلَ لَكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَكفِيَكَ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَحْفَظَ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْهَما.
عدد الزوار: 42
بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إعْلَــــمْ رَحِـــــمَكَ اللهُ أَنَّ للهِ عَلَيْكَ حُــــقُوقًا مُحِيطَةً بكَ فِي كـُلِّ حَرَكَة تَحَرَّكْتَهَا، أَوْ سَكَـــــنَة سَكَنْتَهَا، أَوْ مَنْزِلَة نَزَلْتَهَا، أَوْ جَارِحَة قَلَّبْتَهَا وَآلَةٍ تَصَرَّفْتَ بهَا، بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْض.
وَأَكْبَرُ حُقُوقِ اللهِ عَلَيْكَ مَا أَوْجَبَهُ لِنَفْسِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ حَقِّهِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْحُقُوقِ وَمِنْهُ تَفَرَّعَ. ثُمَّ أَوْجَبَهُ عَلَيْكَ لِنَفْسِكَ مِنْ قَرْنِكَ إلَى قَدَمِكَ عَلَى اِختِلافِ جَوَارِحِكَ.
فَجَعَلَ لِبَصَرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِسَمْعِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِلِسَانِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِيَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِرِجْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِبَطْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِفَرْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَهَذِهِ الْجَوَارِحُ السَّبْعُ الَّتِي بهَا تَكُونُ الأَفْعَالُ. ثُمَّ جَعَلَ عَزَّ وَجَلَّ لأَفْعَالِكَ عَلَيْكَ حُقُوقًا فَجَعَلَ لِصَلاتِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِصَوْمِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِصَدَقَتِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِهَدْيِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلأَفعَالِكَ عَلَيْكَ حَقًّا. ثُمَّ تَخرُجُ الْحُقُوقُ مِنْكَ إلَى غَيْرِكَ مِنْ ذَوِي الْحُقُوقِ الْوَاجِبــَةِ عَلَيــْكَ.وَأَوْجَبُهَا عَلَيْكَ حُقُوقُ أَئِمَّتِكَ ثُمَّ حُقُوقُ رَعِيَّتِكَ ثُمَّ حُقُوقُ رَحِمِكَ. فَهَذِهِ حُقُوقٌ حُقُوقُ رَحِمِكَ. فَهَذِهِ حُقُو يَتَشَعَّبُ مِنْهَا حُقُوقٌ: فَحُقُوقُ أَئِمَّتِكَ ثَلاثَةٌ أَوْجَبُهَا عَلَيْكَ حَقُّ سَائِسِـــكَ بالسُّـــلْطَانِ ثُمَّ سَائِسِكَ بالْعِلْــــــمِ، ثُمَّ حَقُّ سَائِسِكَ بالْمُلْكِ، وَكُلُّ سَائِسٍ إمَامٌ. وَحُقُوقُ رَعِيَّتِكَ ثلاثَةٌ أَوْجَبُهَا عَلَيْكَ حَقُّ رَعِيَّتِكَ بالسُّلْطَان، ثُمَّ حَقُّ رعِيَّتِكَ بالْعِلْمِ، فَإنَّ الْجَاهِلَ رَعِيَّةُ الْعَالِمِ، وَحَقُّ رَعِيَّتِكَ بالْمُلْكِ مِنَ الأَزْوَاجِ وَمَا مَلَكْتَ مِنَ الأَيْمَانِ.وَحُقُوقُ رَحِمِكَ كَثِيرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بقَدْرِ اتِّصَالِ الرَّحِمِ فِي الْقَرَابَةِ فَأَوْجَبُهَا عَلَيْــكَ حَقُّ أُمِّكَ ثُمَّ حَقُّ أَبيكَ ثُمَّ حَقُّ وَلَدِكَ ثُمَّ حَقُّ أَخِيكَ ثُـــــــمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ وَالأَوَّلُ فَالأَوَّلُ. ثُمَّ حَقُّ مَوْلاكَ الْمُنْعِمِ عَلَيْكَ، ثُمَّ حَقُّ مَوْلاكَ الْجَارِيَةُ نِعْمَتُكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ حَقُّ ذِي الْمَعْرُوفِ لَدَيْكَ، ثُمَّ حَقُّ مُؤَذِّنُكَ بالصَّلاةِ، ثُمَّ حَقُّ إمَامِكَ فِي صَلاتِكَ، ثُمَّ حَقُّ جَلِيسِكَ، ثُمَّ حَقُّ جَارِكَ، ثُمَّ حَقُّ صَاحِبكَ، ثُمَّ حَقُّ شَرِيكِكَ، ثُمَّ حَقُّ مَالِكَ، ثُمَّ حَقُّ غَرِيمِكَ الَّذِي تُطَالِبُهُ، ثُمَّ حَقُّ غَرِيمِكَ الَّذِي يُطَالِبُكَ، ثُمَّ حَقُّ خَلِيطِكَ، ثُمَّ حَقُّ خَصْمِكَ الْمُدَّعِي عَلَيْكَ، ثُمَّ حَقُّ خَصْمِكَ الَّذِي تَدَّعِي عَلَيْهِ، ثُمَّ حَقُّ مُسْتَشِيرِكَ، ثُمَّ حَقُّ الْمُشِيرِ عَلَيْكَ، ثُمَّ حَقُّ مُسْتَنْصِحِكَ، ثُمَّ حَقُّ النَّاصِحِ لَكَ، ثُمَّ حَقُّ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ، ثُمَّ حَقُّ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْكَ، ثُمَّ حَقُّ سَائِلِكَ، ثُمَّ حَقُّ مَن سَأَلْتَهُ، ثُمَّ حَقُّ مَن جَرَى لَكَ عَلَى يَدَيْهِ مَسَاءَةٌ بقَوْل أَو فِعْل أَوْ مَسَرَّة بذَلِكَ بقَوْل أَوْ فِعْل عَنْ تَعَمُّد مِنْهُ أَوْ غَيْرِ تَعَمُّد مِنْهُ، ثُمَّ حَقُّ أَهْلِ مِلَّتِكَ عَامَّةً ثُمَّ حَقُّ أَهْلِ الذِّمَّةِ، ثُمَّ الْحُقُوقُ الْجَارِيَةُ بقَدْرِ عِلَل الأَحْوَالِ وَتَصَرُّفِ الأَسْبَاب. فَطُوبَى لِمَنْ أَعَانَهُ اللهُ عَلَى قَضَاءِ مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِهِ وَوَفَّقَهُ وَسَدَّدَهُ.
حقوق الله
1. حق الله الأكبر
فأَمَّا حَقُّ اللهِ الأَكْبَرُ فَإنَّكَ تَعْبُدُهُ لا تُشْرِكُ بهِ شَيْئاً، فَإذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ بإخلاص جَعَلَ لَكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَكفِيَكَ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَحْفَظَ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْهَما.
2. حق النفس
وَأَمَّا حَقُّ نَفْسِكَ عَلَيْكَ فَأَنْ تَسْتَوْفِيَهَا فِي طَاعَةِ اللهِ فَتُؤَدّي إلَى لِسَانِكَ حَقَّهُ وَإلَى سَمْعِك حَقَّهُ وَإلَى بَصَرِكَ حَقّهُ وَإلَى يَدِكَ حَقَّهَا وَإلَى رِجْلِك حَقَّهَا وَإلَى بَطْنِكَ حَقَّهُ وَإلَى فَرْجِكَ حَقَّهُ وَتَسْتَعِينَ باللهِ عَلَى ذَلِك.
3. حق اللسان
وَأَمَّا حَقُّ اللّسَان فَإكْرَامُهُ عَنِ الْخَنَى1 وتَعْوِيدُهُ عَلَى الْخَيْرِ وَحَمْلُهُ عَلَى الأَدَب وَإجْمَامُهُ إلاّ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ وَالْمَنْفَعَةِ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا وَإعْفَاؤُهُ عَنِ الْفُضُول اُلشَّنِعَةِ الْقَلِيلَةِ الْفَائِدَةِ الَّتِي لا يُؤْمَنُ ضَرَرُهَا مَعَ قِلَّةِ عَائِدَتِهَا. وَيُعَدُّ شَاهِدَ الْعَقْلِ وَالدَّلِيلَ عَلَيْه وَتَزَيُّنُ الْعَاقِلَ بعَقْلِهِ حُسْنُ سِيرَتِهِ فِي لِسَانِهِ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
4. حق السمع
وَأَمَّا حَقُّ السَّمْعِ فَتَنْزِيهُهُ عَنْ أَنْ تَجْعَلَهُ طَرِيقًا إلَى قَلْبكَ إلا لِفُوهَة كَرِيمَة تُحْدِثُ فِي قَلبكَ خَيْرًا أَو تَكْسِبُ خُلُقًا كَرِيمًا فَإنَّهُ بَابُ الْكَلامِ إلَى الْقَلْب يُؤَدِّي إلَيْهِ ضُرُوبُ الْمَعَانِي عَلَى مَا فِيهَا مِن خَيْر أَو شَرِّ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
5. حق البصر
وَأَمَّا حَقُّ بَصَرِكَ فَغَضُّهُ عَمَّا لا يَحِلُّ لَكَ وتَرْكُ ابْتِذَالِهِ إلاّ لِمَوضِعِ عِبْرَة تَسْتَقْبلُ بهَا بَصَرًا أَو تَسْتَفِيدُ بهَا عِلْمًا، فَإنَّ الْبَصَرَ بَابُ الِاعْتِبَارِ.
6. حق الرجلين
وَأَمَّا حَقُّ رِجْلَيْكَ فَأَنْ لا تَمْشِي بهِمَا إلَى مَا لا يَحِلُّ لَكَ وَلا تَجْعَلْهُمَا مَطِيَّتَكَ فِي الطَّرِيقِ الْمُسْتَخِفَّةِ بأَهْلِهَا فِيهَا فَإنَّهَا حَامِلَتُكَ وَسَالِكَةٌ بكَ مَسْلَكَ الدِّينِ وَالسَّبْقُ لَكَ، وَلا قُوَّةَ إلا بالله.
7. حق اليد
وَأَمَّا حَقُّ يَدِكَ فَأَنْ لا تَبْسُطَهَا إلَى مَا لا يَحِلُّ لَكَ فَتَنَالَ بمَا تَبْسُطُهَا إلَيْهِ مِنَ اللهِ الْعُقُوبَةَ فِي الآجِلِ، وَمِنَ النَّاسِ بلِسَانِ اللائِمَةِ فِي الْعَـاجِلِ، وَلا تَقْبضَهَا مِمَّا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْهَا وَلَكِنْ تُوقّرَِهَا بقَبْضِهَا عَنْ كَثِير مِمَّا يَحِلُّ لَهَا وبَسْطِهَا إلَى كَثِير مِمَّا لَيسَ عَلَيْهَا، فَإذَا هِيَ قَدْ عُقِلَتْ وَشُرِّفَتْ فِي الْعَاجِلِ وَجَبَ لَهَا حُسْنُ الثَّوَاب فِي الآجِلِ.
8. حق البطن
وَأَمَّا حَقُّ بَطْنِكَ فَأَنْ لا تَجْعَلَهُ وِعَاءً لِقَلِيل مِنَ الْحَرَامِ وَلا لِكَثِير، وَأَنْ تَقْتَصِدَ لَهُ فِي الْحَلالِ وَلا تُخرِجَهُ مِنْ حَدِّ التَّقْوِيَةِ إلَى حَدِّ التَّهْوِينِ2 وَذَهَاب الْمُرُوَّةِ، وَضَبْطُهُ إذَا هَمَّ بالْجُوعِ والظمأ فَإنَّ الشَّبْعَ الْمُنْتَهِي بصَاحِبهِ إلَى التُّخمِ مَكْسَلَةٌ وَمَثْبَطَةٌ وَمَقْطَعَةٌ عَنْ كُلِّ برِّ وَكَرَم. وَإنَّ الري الْمُنْتَهِي بصَاحِبهِ إلَى السُّكْرِ مَسْخَفَةٌ وَمَجْهَلَةٌ وَمَذْهَبَةٌ لِلْمُرُوَّةِ.
9. حق الفرج
وَأَمَّا حَـقُّ فَرْجِكَ فَحِفْظُهُ مِمَّا لا يَحِلُّ لَكَ وَالاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِ بغَضِّ الْبَصَرِ - فَإنَّهُ مِنْ أَعْوَنِ الأَعْوَانِ- وَكَثْرَةُ ذِكْرِ الْمَوتِ وَالتَّهَدُّدِ لِنَفْسِكَ باللهِ وَالتَّخوِيفِ لَهَا بهِ، وَباللهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّأْيِيدُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بهِ.
1-الخنى: الفحش في الكلام
2-التهوين: الاستخفاف. يقال: هَوَّنَ الشيء: استخفّ به.