يتم التحميل...

لماذا شاع وأد البنات في الجاهلية؟

المبعث النبوي الشريف

يقول المؤرخون: إِنّ بداية وقوع هذا العمل القبيح كانت على أثر حرب جرت بين فريقين منهم في ذلك الوقت، فأسر الغالب منهم نساء وبنات المغلوب،

عدد الزوار: 217

يقول المؤرخون: إِنّ بداية وقوع هذا العمل القبيح كانت على أثر حرب جرت بين فريقين منهم في ذلك الوقت، فأسر الغالب منهم نساء وبنات المغلوب، وبعد مضي فترة من الزمن تمّ الصلح بينهم فأراد المغلوبون استرجاع أسراهم إِلاّ أنّ بعضاً من الأسيرات ممن تزوجن من رجال القبيلة الغالبة اخترن البقاء مع الأعداء ورفضن الرجوع إِلى قبيلتهن، فصعب الأمر على آبائهن بعد أن أصبحوا محلا للوم والشماتة، حتى أقسم بعضهم أنْ يقتل كل بنت تولد له كي لا تقع مستقبلا أسيرة بيد الأعداء !

وثمّة احتمال آخر يذهب إِلى دور الطبيعة الإِنتاجية للأولاد الذكور، والنزوع إِلى الطبيعة الإِستهلاكية عند الإِناث، وماله من أثر على الحياة الإِجتماعية والإِقتصادية، فالولد الذكر بالنسبة لهم ذخر مهم ينفعهم في القتال والغارات وفي حفظ الماشية وما شابه ذلك من الفوائد، في حين أنّ البنات لسن كذلك.

ومن جانب آخر.. فقد سببت الحروب والنزاعات القبلية قتل الكثير من الرجال والأولاد ممّا أدى لإِختلال التوازن في نسبة الإِناث إِلى الذكور، حتى أن الرجل صار يتباهى بين قومه حين يولد له الذكور، وينزعج ويتألم عند ولادة البنت.. ووصل حالهم لحد (كما يقول عنه البعض من المفسّرين) أنّ الرجل في الجاهلية يغيّب نفسه عن داره عند قرب وضع زوجته لئلا تأتيه بنت وهو في الدار !

وإِذا ما أخبروه بأنّ المولود ذكر فيرجع إِلى بيته وبشائر الفرح تتعالى وجنتيه، ولكنّ الويل كل الويل والثبور فيما لو أخبروه بأنّ المولود بنتاً ويمتلىء غيظاً وغضباً.

وقصّة «الوأد» ملأى بالحوادث المؤلمة...
منها: ما روي أنّ رجلا جاء إِلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعلن إِسلامه، وجاءه يوماً فسأله: إِنّي أذنبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة؟ فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «إِنّ اللّه تواب رحيم»، قال: يا رسول اللّه إِنّ ذنبي عظيم قال: «ويلك مهما كان ذنبك عظيماً فعفو اللّه أعظم منه»، قال: لقد سافرت في الجاهلية سفراً بعيداً وكانت زوجتي حبلى وعندما عدت بعد أربع سنوات استقبلتني زوجتي فرأيت بنتاً في الدار، فقلت لها: ابنة مَنْ هذه؟ قالت: ابنة جارنا. فظننت أنّها سترحل عن دارنا بعد ساعة، فلم تفعل، ثمّ قلت لزوجتي: أصدقيني مَنْ هذه البنت؟ قالت: ألا تذكر أنّي كنت حاملة عندما سافرت، إنّها إبنتك. فنمت تلك الليلة مغتماً، أنام واستيقظ، حتى اقترب وقت الصباح نهضت من فراشي وذهبت إِلى فراش ابنتي فأخرجتها وأيقظتها وطلبت منها أن تصحبني إِلى حائط النخل، فتبعتني حتى اقتربنا من الحائط فأخذت بحفر حفيرة وهي تعينني على ذلك، وعندما إنتهيت من ذلك وضعتها في وسط الحفرة.. وهنا فاضت عينا رسول اللّه بالدمع.. ثمّ وضعت يدي اليسرى على كتفها وأخذت أهيل التراب عليها بيدي اليمنى، فأخذت تصرخ وتدافع بيديها ورجليها وتقول: أبي ما تصنع بي !؟ ثمّ أصاب لحيتي بعض التراب فرفعت يدها تمسحه عنها، وأدمت ذلك حتى دفنتها.

فقال رسول اللّه وهو يمسح دموعه: «لولا أنْ سبقت رحمة اللّه غضبه لعجل اللّه لك العذاب».

وكذلك ما روي في (قيس بن عاصم) أحد أشراف ورؤساء قبيلة بني تميم في الجاهلية، وقد أسلم عند ظهور النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، جاء يوماً إِلى النّبي وقال له: أِنّ آباءنا كانوا يدفنون بناتهم أحياءاً، وقد دفنت أنا بنتاً، وعندما ولدت لي زوجتي البنت الثّالثة عشر أخفت أمرها وادّعت أنّها ماتت عند الولادة، ثمّ أودعتها آخرين، وعندما علمت بذلك بعد مدّة، أخذتها إِلى مكان بعيد ودفنتها حيّة دون أن أعتني ببكائها وتضرعها.

فتأذى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك فقال ودموعه جارية: «من لا يِرحم لا يُرحم» ثمّ التفت إِلى قيس وقال: «إِنّ لك يوماً سيئاً»، فقال قيس: ما أفعل لتكفير ذنبي؟ فقال النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «حرر من العبيد بعدد ما وأدت».

وروي أيضاً أن (صعصعة بن ناجية) جد الفرزدق الشاعر المعروف، وكان رجلا شريفاً حرّاً فقيل: إنّه كان في الجاهلية يحارب الكثير من العادات القبيحة حتى أنّه اشترى (360) بنتاً من آبائهن كي ينقذهن من القتل، وقد أعطى يوماً دابته مع بعيرين لأب كان يريد قتل ابنته.

وقال له الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ذات مرّة (في ما معناه): ما أحسن ما صنعت وثوابك عند اللّه.

وقال الفرزدق فخراً بعمل جده:
ومنّا الذي منع الوائدات*** فأحيا الوئيد فلم توئد

وقد أصم الإِسلام تلك الفواجع العظام، واعتبر للمرأة مكانة ما كانت تحظى بها من قبل على مر العصور.


* تفسير الأمثل.

2016-05-04