يتم التحميل...

آية التطهير وعصمة أهل البيت عليهم السَّلام

بحوث عامة

من الآيات التي تدل على عصمة عدّة خاصة من أهل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، آية التطهير. يقول سبحانه:وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَوةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

عدد الزوار: 15

من الآيات التي تدل على عصمة عدّة خاصة من أهل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، آية التطهير.

يقول سبحانه: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَوةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(الأحزاب:33).

وأداء حقّ الآية في التفسير، يتوقف على البحث عن النقاط التالية
1- ما هو المراد من الرّجس؟

2- هل الإرادة في الآية، إرادة تكوينية خاصة بأهل البيت، أو تشريعية تعمّ كلّ إنسان بالغ واقع في إطار التكليف؟

3- مَن المراد من أهل البيت؟

4- مشكلة السياق في الآية لو كان المراد منهم غير نسائه صلى الله عليه وآله وسلم.

5- أهل البيت في حديث النبي، الذي يكون مفسّراً لإجمال الآية.
 

والبحث عن هذه الأُمور يحوجنا إلى تأليف مفرد1، إلاّ أنّ المهم هنا هو التركيز على أنّ الإرادة في الآية تكوينية، خاصة بأهل البيت، وليست تشريعية، وأمّا المقصود من أهل البيت، فتعرفه من المأثورات فيهم عند البحث عن حديث الثقلين.

الإرادة تكوينية لاتشريعية
إنّ انقسام ارادته سبحانه إلى القسمين المذكورين، من الانقسامات الواضحة، ومجمل القول فيهما أنّه إذا تعلقت إرادته سبحانه على إيجاد شيء تكوينه في صحيفة الوجود، فالإرادة تكوينية لا تتخلف عن المراد. قال سبحانه:﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(يس:82).

وأما إذا تعلّقت بتشريع حكم وقانون، لفرض عمل المكلّف به، فالإرادة تشريعية، ومتعلّقها هو التشريع، وأمّا امتثال المكلف فهو من غايات التشريع، ربما يقع ويترتب عليه، وربما ينفك عنه.

والقرائن تدلّ على أنّ المراد هنا هو الأول من الإرادتين، بمعنى أنّ إرادته سبحانه، تعلّقت على إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهير هم من كل شيء يتنفر منه، على غرار تعلق إرادته بإيجاد الأشياء في صحيفة الوجود.

والذي يدلّ على ذلك أُمور

1- إنّ الإرادة التشريعية لا تختص بطائفة دون طائفة، بل هي تعمّ المكلّفين عامة، يقول سبحانه، بعد أمره بالوضوء والتيمم عند فقدان الماء: ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(المائدة:6).

ولكنّه سبحانه خصّص إرادته في الآية المبحوث عنها، بجمع خاص، تجمعهم كلمة أهل البيت، وخصّهم بالخطاب وقال: (عَنْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ)، أي لا غيركم، فتخصيص الإرادة بجمع خاص على الوجه المذكور، يمنع من تفسيرها بالتشريعية.

2- إنّ العناية البارزة في الآية المباركة، أقوى شاهد على أنّ المقصود هو التكوينية، لوضوح أنّ تعلّق الإرادة التشريعية لا يحتاج إلى العنايات التالية:

أ - ابتداء سبحانه كلامه بلفظ الحصر، وقال: (إِنَّما)، ولا معنى للحصر إذا كانت تشريعية، لعمومها لكلّ مكلّف.
ب - عيّن تعالى متعلّق إرادته بصورة الاختصاص، فقال: (أَهْلَ الْبَيْتِ)، وهو منصوب على الاختصاص
2. أي أخصّكم أهل البيت.
ج - قد بيّن متعلق إرادته بالتأكيد، وقال بعد قوله: (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ )، (لِيُطَهِّرَكُمْ).
د - قد أكّده بالإتيان بمصدره بعد الفعل، وقال: (و يطهّرهم تطهيراً)، ليكون أوفى في التأكيد.
هـ - إنّه سبحانه قد أتى بالمصدر نكرة، ليدلّ على الإكبار والإعجاب، أي تطهيراً عظيماً معجباً.
و - إنّ الآية في مقام المدح والثناء، فلو كانت الإرادة تشريعية، لما ناسب الثناء والمدح.

وعلى الجملة:
العناية البارزة في الآية، تدلّ بوضوح على أنّ الإرادة في المقام تغاير الإرادة العامة المتعلقة بكلّ إنسان حاضر، أوباد. وللمحقّقين من الشيعة الإمامية كلمات وافية حول الآية تلاحظ في مواضعها3.

فالإرادة في الآية الشريفة، نظير الإرادة الواردة في الآيات التالية: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(القصص:5).
﴿وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ(الأنفال:7). ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(المائدة:41).

وأمّا دلالتها على العصمة، فتظهر إذا اطّلعنا على أنّ المراد من الرجس هو القذارة المعنوية لا المادية. توضيح ذلك: إنّ الرجس في اللغة هو القذر4، وقد يعبّر به عن الحرام، والفعل القبيح، والعذاب، واللعن، والكفر، قال الزجاج: "الرّجس "في اللغة" كل ما استقذر من عمل، فبالغ الله في ذمّ أشياءسماها رجساً". وقال ابن الكلبي: "رجس من عمل الشيطان، أي مأثم"5.


والمتفحص في كلمات أئمة أهل اللغة، والآيات الواردة فيها تلك اللفظة، يصل إلى أنّها موضوعة للقذارة التي تنفر منها النفوس، سواء أكانت مادية كما في قوله تعالى: ﴿إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِير فَإِنَّهُ رِجْسٌ(الأنعام:145)، أو معنوية كما في الكافر وعابد الوثن، وصنمه، قال سبحانه: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ(الحج:30).

وقال سبحانه: ﴿كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَيُؤْمِنُونَ(الأنعام:125).

فلو وصف العمل القبيح بالرجس، فلأنّه عمل قذر، تتنفر منه الطباع السليمة.

وعلى ضوء هذا، فالمراد من الرّجس في الآية، كلّ عمل قبيح عرفاً أو شرعاً، لا تقبله الطباع، ولذلك قال سبحانه بعد تلك اللفظة: (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، فليس المراد من التطهير، إلاّ تطهيرهم من الرجس المعنوي الذي تعدّ المعاصي والمآثم من أظهر مصاديقه.

وقد ورد نظير الآية في حق السيدة مريم قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ(آل عمران:42).

ومن المعلوم أنّ تعلّق الإرادة التكوينية على إذهاب كلّ رجس وقذارة، وكلّ عمل منفّر عرفاً أو شرعاً، يجعل من تعلّقت به الإرادة، إنساناً مثالياً، نزيهاً عن كل عيب وشين، ووصمة عار6.


إلى هنا ظهر بوضوح أنّ العصمة شرط للإمام بالمعنى الذي يتبنّاه الإمامية في مجال الإمامة، والآيتان الأوليان تدلاّن على عصمة الإمام مطلقاً، الآية الثالثة تدلّ على عصمة أهل البيت الذين نزلت فيهم الآية وفسّرت في غير واحد من الروايات، وهم من كان إماماً وخليفةً للرسول كعلي و الحسنين عليهم السَّلام، ومن كانت طاهرةً مطهّرةً كالسيدة فاطمة الزهراء عليها السَّلام، وإن لم تكن إماماً.

بقيت هنا أبحاث موجودة في كتب الإمامة للشيعة الإمامية، طوينا البحث عنها، لعدم الحاجة إلى البحث فيها بعد انتشار هذه الكتب وذيوعها وهي عبارة عن الأبحاث التالية:

1- البحث عن الآيات الواردة في حق الإمام علي عليه السَّلام.
2- البحث عن الفضائل والمناقب الواردة في حقّه على لسان النبي الأكرم، ونقلها أصحاب الصحاح والمسانيد.
3- نفسيات الإمام وفضائله الأخلاقية التي اعترف بها التاريخ.
4- كونه أعلم الصحابة وأوعاهم بالكتاب والسنّة، وقد كان الخلفاء يحتكمون إليه في مواضع لاتحصى.
5- احتجاجاته على كونه أحقّ بهذا الأمر (خلافة الرسول) ممّن تسنموا منصة الخلافة.


ومن أراد التبسّط في هذه المواضيع، فعليه بالكتب المعدّة للإمامة7.


* الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني.مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج4،ص125-130


1- قد أفاض الشيخ الأُستاذ الكلام في هذه المواضيع في موسوعته التفسيريّة، مفاهيم القرآن، ج 5، ص 215-322.
2- الاختصاص من أقسام المنادى، يقول ابن مالك الاختصاص كنداء دون يا * كأيّها الفتى بإثر ارجونيا.
3- تفسير التبيان، للشيخ الطوسي، (ت 383 ـ م 460)، ج 8، ص 340. ومجمع البيان، للشيخ الطبرسي، (ت 471 ـ م 548)، ج 4، ص 307. ورياض السالكين، للسيد علي المدني (م 1118)، الروضة 47،ص 497.
4- مقاييس اللغة، ج 2، ص 490، ولسان العرب ج 6 ص 94.
5- لسان العرب، ج 6، ص 94.
6- وحول الآية أبحاث لطيفة، فمن أراد التبسّط فليرجع إلى المصدر الذي تقدّم الإيعاز إليه.
7- لاحظ الشافي للسيد المرتضى (م 436 هـ)، وتلخيصه لتلميذه الشيخ الطوسي (م 460 هـ)، ونهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلي (م 726 هـ)، وإحقاق الحق للقاضي التستري (م 1019 هـ)، ودلائل الصدق للمظفر النجفي. وغيرها من مؤلفات كبار ورسائل صغار.

2009-07-23