يتم التحميل...

كلمته في المرقد الطاهر للإمام الخميني في مراسم الذكرى 25 لرحيله

زيارات

كلمته في المرقد الطاهر للإمام الخميني في مراسم الذكرى الخامسة و العشرين لرحيله

عدد الزوار: 12

كلمته في المرقد الطاهر للإمام الخميني في مراسم الذكرى الخامسة و العشرين لرحيله (رض) 04/06/2014

بسم ‌الله ‌الرّحمن ‌الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين، و الصّلاة و السّلام على سيدنا محمّد و آله الطّاهرين، سيما بقية الله فى الأرضين. رَبَّنا اغفِر لَنا وَ لِاِخوانِنَا الَّذينَ سَبَقونا بِالايمانِ وَ لا تَجعَل فى قُلوبِنا غِلًّا لِلَّذينَ ءامنوا رَبَّنآ اِنَّك رَءووفٌ رَحيم، 1 رَبَّنآ اِنَّك ءاتَيتَ فِرعَونَ وَ مَلاءَهُ زينَةً وَ اَموَالًا... رَبَّنا لِيضِلّوا عَن سَبيلِك رَبَّنا اطمِس عَلى‌ اَموَالِهِم وَ اشدُد عَلى‌ قُلوبِهِم فَلا يؤمِنوا حَتّى‌ يرَوُا العَذابَ الاَليمَ. 2

قال الله الحكيم في كتابه: اَ لَم تَرَ كيفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كلِمَةً طَيبَةً كشَجَرَةٍ طَيبَةٍ اَصلُها ثابِتٌ وَ فَرعُها فِى السَّمآءِ. تُؤتى اُكلَها كلَّ حينٍ بِاِذنِ رِبِّها. 3

سوف أذكر ما أريد قوله لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء في هذا اليوم المهم العصيّ على النسيان ضمن ثلاثة جوانب: الجانب الأول هو أن هناك حقيقة مهمة حول الجمهورية الإسلامية من المهم بالنسبة لنا اليوم التنبّه لها. و في الجانب الثاني ستكون لنا إشارة و شرح و وصف قصير لمدرسة إمامنا الخميني الجليل الخالدة، و مع أننا قلنا الكثير حول مدرسة الإمام الخميني الراحل و قالوا الكثير و سمعنا الكثير، بيد أن هذا الوصف القصير ضروري في مقطعنا الزمني هذا، فهو صورة مختصرة لمجموعة ما أوجده الإمام الخميني الجليل كظاهرة منقطعة النظير في العالم المعاصر. و الجانب الثالث أشارة إلى تحديين خطيرين يعتوران درب الشعب الإيراني و نظام الجمهورية الإسلامية، و التفطن لهذين التحديين مهم لكي نسير الدرب بشكل صحيح.

في إطار الجانب الأول فإن الحقيقة التي أشرت لها هي أن خمسة و عشرين عاماً مضى على رحيل الإمام الخميني الكبير لكن التشوق و الحماس للسماع عنه و المعرفة حوله لم يقل، و الأمر لا يختص ببلادنا، فهذه حقيقة قائمة في العالم الإسلامي بل خارج حدود العالم الإسلامي. لا في بلادنا فقط - و الجيل الثالث للثورة يتصاعد و يكبر فيها - بل في العالم الإسلامي أيضاً يبحث الشباب في عصر الاتصالات و عصر الانترنت حيث يستطيعون التواصل بسهولة مع القضايا البعيدة عن بيئتهم، يبحثون عن معرفة المزيد حول قضايا الثورة الإسلامية و الجمهورية الإسلامية و حول مهندس هذا الصرح العظيم. ظاهرة الديمقراطية الدينية و نظرية ولاية الفقيه قضايا مهمة و جذابة بالنسبة للبيئات الفكرية في العالم الإسلامي.

لقد بدأ أعداؤنا مساع واسعة منذ الأيام الأولى، و كلما تقدم بنا الوقت أكثر كلما ازدادت مساعيهم. لقد استخدموا مئات بل آلاف المحطات التلفزيونية و الإذاعية و الإنترنتية من أجل توجيه السباب للجمهورية الإسلامية و لمؤسسها الكبير و لأنصارها. و قد ساعدنا هذا كثيراً، بمعنى أنه أثار الشعور بالتطلع و الفضول لدى المستمعين و المتلقين في كل أرجاء العالم، فهم يريدون أن يعرفوا ما هو سبب كل هذا العداء و التشويه و الهجمات القذرة، و ما هي تلك الحقيقة التي تتعرض لكل هذا العداء. إذن، راح الأعداء يذكروننا من باب العداء و يتحدثون حول إمامنا و نظامنا، و لكن «اِنَّهُم يكيدونَ كيدًا. وَ اَكيدُ كيدًا» 4. هذا ما يقوله الله تعالى. لقد بدأوا هذه التحركات الواسعة بهذه النية، و لكن توفرت لنا بالتالي فرصة، فقد جرى تحفيز شعور الفضول و التطلع لدى مستمعي هذه الأجهزة الإعلامية في كل أنحاء العالم. و في البلدان الإسلامية و في منطقتنا فإن الصحوة الإسلامية - و المشاعر المناهضة للاستكبار فيها تغلب على أية ظاهرة أخرى - هي بحد ذاتها علامة على ذلك التطلع و الاستفهام و البحث عن الإجابات، و هذه حالة مستمرة. قد ترفع الأجهزة الاستخبارية الغربية و الأمريكية لمسؤوليها و من هم على رأسها تقارير تقول بأنها استطاعت قمع الصحوة الإسلامية في منطقتنا. إذا كانوا يتصورون هذا فهو خطأ آخر من أخطاء أعدائنا الاستراتيجية و تحليلاتهم المغلوطة. قد يمكن قمع الصحوة الإسلامية لمدة معينة في جانب من العالم الإسلامي، لكنها بلا شك لن تستأصل، بل ستنتشر. و هذا الفهم و هذا الإدراك و هذا الوعي و هذا التصور في البلدان و لدى جيل الشباب من المسلمين في هذه المنطقة ليس بالشيء الذي يمكن القضاء عليه بسهولة. هم طبعاً يحاولون و قد يبدو أن محاولاتهم في بعض المناطق قد أفضت إلى النجاح لمدد قصيرة، لكنها ستبقى في نهاية المطاف بتراء.
هذا التطلع الذي يحمله جيل الشباب اليوم في العالم - خصوصاً في العالم الإسلامي - بشأن ظاهرة الديمقراطية الدينية ناجم عن أن الجمهورية الإسلامية كانت ظاهرة مضى على ولادتها 35 عاماً و تعرّضت طوال هذه الأعوام الخمسة و الثلاثين إلى ردود أفعال عنيفة و عدوانية من قبل القوى المهيمنة في العالم، فقد كانت هناك ردود الأفعال العسكرية و ردود الأفعال الإعلامية و ردود الأفعال العدوانية الاقتصادية - إذ قد بدأت أنواع الحظر منذ بداية الثورة و تضاعفت و اشتدت يوماً بعد يوم إلى يومنا هذا - و كانت هناك ردود الأفعال السياسية. هذه الجبهة الغربية القوية فعلت كل ما استطاعت ضد الجمهورية الإسلامية على مدى 35 عاماً، فقد كانت لها محاولات عسكرية و ساعدت الطرف الذي هاجم البلاد عسكرياً و دعمت الأعداء أين ما كانوا ضد الجمهورية الإسلامية، و أطلقت إعلاماً ضخماً ضدها، و استخدمت الحظر و الحصار الاقتصادي بأعلى درجاته و بشكل غير مسبوق، و لكن في المقابل، لم تضمحل الجمهورية الإسلامية قبال كل هذه الهجمات و هؤلاء الأعداء العنيفين غير الآبهين لشيء، و لم تجنح إلى النزعة المحافظة، و لا حتى خضعت لابتزازات الغرب، بل تقدمت البلاد يوماً بعد يوم.

هذا هو الشيء الذي يشكل ماهية ذلك التطلع و الفضول. تتعاضد القوى العسكرية و السياسية و الاقتصادية الأولى في العالم و تضع يداً بيد ضد بلد واحد و ضد دولة و تبذل مساعيها و محاولاتها طوال 35 عاماً، لكن تلك الدولة على الرغم من كل تلك المحاولات لا تبقى عصية على الاضمحلال و حسب، بل تزداد قوة يوماً بعد يوم، و لا تخضع لابتزازاتهم و لا تكترث لهم. لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية اقتدارها و قابليتها على البقاء في ميادين مختلفة. اليوم حين ينظرون للجمهورية الإسلامية يرون أن الجيل الثاني و الثالث للثورة في هذا البلد يوجد بينهم عدة ملايين من الطلبة الجامعيين و عدة آلاف من طلبة العلوم الدينية الأفاضل، و عدة آلاف من الباحثين و المحققين، و عشرات الألوف من أساتذة الجامعات و الحوزات، و الآلاف من النخبة العلميين و الفكريين بعضهم مشهورون على الصعيد العالمي و الدولي، و الآلاف من الناشطين و النخبة السياسيين و الثقافيين و المنتجين و الاقتصاديين. هذه هي حقيقة مجتمعنا اليوم. الجمهورية الإسلامية على صعيد العلم و التقانة، و على الرغم من كل حالات الحظر و الحصار، ترسل قمراً صناعياً إلى الفضاء و ترسل كائناً حياً إلى الفضاء و تعيده، و تنتج طاقة نووية، و هي ضمن البلدان العشرة الأولى عالمياً في الكثير من العلوم الجديدة، و تعلن المراكز المعنية في العالم أن سرعة تقدم العلم في الجمهورية الإسلامية أكثر من المتوسط العالمي بثلاثة عشر ضعفاً، و تصدّر الخدمات العلمية و التقنية لمختلف البلدان، و تدير بلداً من 75 مليون نسمة على الرغم من حالات الحظر غير المسبوقة، و لها الكلمة الأولى في سياسات المنطقة، و تقف لوحدها بوجه الكيان الغاصب و المدعوم من قبل عتاة العالم، و لا تتوافق مع الظالم و تدافع عن المظلوم، و هذا ما يدعو أي إنسان واع إلى التطلع و معرفة ماهية هذا الوجود، و ما هي حقيقة هذه الظاهرة التي تجابه كل هذا العدوان، و بكل هذه القدرات الذاتية و علامات الحيوية و البقاء. هذه هي ماهية هذا التطلع و حب المعرفة. هذا ما يتعلق بالقضايا العلمية و التقنية و ما إلى ذلك.

و على صعيد الشؤون السياسية و الاجتماعية فإن التجسيد الراقي للديمقراطية في هذا البلد الذي مضت على ثورته 35 سنة، هو 32 انتخابات عامة أقيمت في البلد. أي كانت هناك 32 انتخابات خلال 35 سنة، فهل هذا بالهزل أو المزاح؟ إنه نموذج منقطع النظير. انتخابات الجمهورية الإسلامية بنسبة مئوية عالية من المشاركة الشعبية - و النسبة المئوية هذه أعلى من المتوسط و المعدل العالمي، و في بعض الأحيان أعلى منه بكثير، حيث تصل المشاركة إلى سبعين بالمائة و 72 بالمائة.. هكذا هي الانتخابات في بلادنا - تمثل تجسيداً و تجلياً للديمقراطية. و النموذج المنقطع النظير الآخر هو ظاهرتان تعوّدنا نحن عليهما، لكنهما جذابتان و مهمتان للغاية بالنسبة للمراقب العالمي، ألا و هما تظاهرات الثاني و العشرين من بهمن و تظاهرات يوم القدس العالمي في شهر رمضان. يقيم الشعب احتفال الثورة كل سنة بشكل مستمر و بمظاهرات عظيمة حاشدة حماسية في أيام نهاية شهر بهمن الباردة، و هذا ما تواصل طوال 35 سنة. و قد تعوّدنا على هذا الشيء و لا تبرز أهمية الموضوع و عظمته في أعيننا، لكن المراقب العالمي يرصد هذه الأمور و هي مذهلة جداً بالنسبة له. هذه هي عوامل تلك الجاذبية التي تثير حب الاطلاع و تعرض طريقاً جديداً على الأذهان الراغبة و على أهل الاستفسار و الاستفهام و البحث و التحقيق. هذا واقع مهم و حقيقة مهمة في عصرنا هي عبارة عن الاهتمام و حب الاطلاع العام في العالم الإسلامي الذي يبديه الشباب و المستنيرون و الواعون و من هم من أهل فهم الأمور و المسائل تجاه هذه الظاهرة التي تحققت بتوفيق و تأييد من الله في بلد إيران الإسلامي، و نمت و تصاعدت يوماً بعد يوم. هذه هي النقطة الأولى.

هذا الواقع من صناعة يد المعمار الكبير. لقد قلنا الكثير عن الإمام الخميني، و قد يتصور البعض أننا نتحدث بمبالغة، و لكن لا، ما قلناه عن إمامنا الخميني الجليل ليس مبالغة بل هو جزء من الواقع، و إمامنا الخميني الكبير العزيز كان له من المعاني و المضامين و المغزى أكثر مما وصفنا و استطعنا أن نعرضه. ما يملكه الشعب الإيراني و المعروض على أنظار و أسماع الشعوب في مختلف أنحاء العالم هو من صناعة و صياغة تلك اليد القديرة. من أجل أن نسير الدرب بشكل صحيح علينا معرفة خارطة المعمار و المهندس. في بناء عادي مألوف إذا لم تكن هناك خارطة و إذا لم تكن الخارطة الأصلية معلومة فإن البنائين و العمال مهما كانوا مهرة و حاذقين قد يقعون في خطأ. يجب معرفة الخارطة الأصلية ليمكن على أساس تلك الخارطة الأصلية تفعيل الفنون و القدرات في البناء و الإحياء إذا كانت هناك فنون و قدرات. و لم تكن خارطته خارطة تتمخض عن ذهنية إنسان فحسب، بل كانت بالتأكيد مؤيّدة من عند الله. و قد كان الإمام الخميني نفسه يعلم ذلك و يعترف به. هو نفسه كان يقول إن ما حصل إنما حصل بيد القدرة الإلهية، و قد فهم الأمر بصورة صحيحة، و عينه البصيرة الثاقبة شاهدت الأمر بشكل صحيح. علينا الحذر و علينا معرفة تلك الخارطة لنستطيع مواصلة الطريق. إذا لم نعرف الخارطة فسوف ننحرف، و حين ننحرف سوف نبتعد يوماً بعد يوم كلما تقدمنا أكثر عن الطريق الأصلي و الصراط المستقيم. و حين نبتعد عن الصراط المستقيم سنبتعد عن الأهداف و لا نصل للأهداف. من أجل أن نصل للأهداف ينبغي أن لا نضل الطريق، و من أجل أن لا نضل الطريق ينبغي أن تكون الخارطة الأصلية و الأساسية نصب أعيننا، و أن نعرفها و نعلمها.

خارطة الإمام الخميني و العمل الأصلي الذي قام به هو تشييد نظام مدني - سياسي على أساس العقلانية الإسلامية. و المقدمة الضرورية لهذه العملية هي استئصال النظام الملكي، و الذي كان نظاماً فاسداً و عميلاً و مستبداً. لقد كانت هذه الخصوصيات الثلاث موجودة في النظام الملكي، كان نظاماً مستبداً و فيه مختلف أنواع الفساد الأخلاقي و المالي و غير ذلك، و كان تابعاً و عميلاً للقوى المختلفة، فهو في يوم عميل لبريطانيا، و في يوم آخر عميل لأمريكا، و كان مستعداً لنسيان مصالحه و بلاده من أجل مصالح الأجانب، و كان مستبداً دكتاتورياً لا يهمّه رأي الشعب و أصواته و إرادته. و كل واحدة من هذه الخصوصيات الثلاث يمكن التحدث عنها بفصول طويلة و كتب. مقدمة ذلك العمل الكبير الذي أراد الإمام الخميني القيام به هو استئصال ذلك النظام الفاسد العميل الدكتاتوري، و قد عقد العزم على ذلك و تم استئصال النظام الملكي. ليست القضية في بلادنا أن يزول النظام الملكي ليحلّ محله نظام ملكي آخر أو شبه ملكي، إنما القضية هي أن تستأصل تلك الخصوصيات التي كانت في النظام الملكي، و قد استأصلها الإمام الخميني الجليل. كلام الإمام الخميني و توجيهاته و سلوكياته كلها كانت بهذا الاتجاه.

ثمة نقطتان أساسيتان في صرح ذلك النظام المدني و السياسي مترابطتان ببعضهما. و بمعنى من المعاني فإنهما وجهان لحقيقة واحدة: الأولى هي إيكال شؤون البلاد للشعب عن طريق الديمقراطية و الانتخابات و الثانية هي أن هذه المسيرة - النابعة من الإسلام و من الحركة الديمقراطية و إيكال الأمور للشعب و الجماهير - يجب أن تكون ضمن إطار الشريعة الإسلامية. هذان الجانبان يمكن اعتبارهما من زاوية معينة بعدين لحقيقة واحدة.

لا يتصور البعض أن إمامنا الخميني الجليل استقى الانتخابات من الثقافة الغربية و مزجها بالفكر الإسلامي و الشريعة الإسلامية، لا، لو لم تكن الانتخابات و الديمقراطية و الاعتماد على أصوات الناس من الدين و لا تستفاد من الشريعة الإسلامية، لما كان يمنع الإمام الخميني، ذلك الإنسان الصريح القاطع، شيء من التصريح بالأمر. هذا شيء من الدين، لذا فالشريعة الإسلامية إطار، و يجب مراعاة الشريعة الإسلامية في كل عمليات التقنين و التنفيذ و العزل و النصب و السلوكيات العامة التابعة لهذا النظام السياسي المدني. و إدارة الأمور و تحركها في هذا النظام يتم بواسطة الديمقراطية، بمعنى أن كل واحد من أبناء الشعب يشارك في انتخاب نواب مجلس الشورى و في انتخاب رئيس الجمهورية و في انتخاب الوزراء عن طريق واسطة، و في انتخاب أعضاء مجلس خبراء القيادة، و في انتخاب القيادة عن طريق واسطة. الأمور بيد الشعب، هذا هو أساس تحرك الإمام الخميني الجليل. هذا الصرح العظيم الذي شيّده الإمام الخميني يعتمد على دعامتين: الالتزام بالشريعة الإسلامية هو روح النظام الإسلامي و حقيقته. ليتنبّهوا إلى هذا الشيء. إذا طبّقت الشريعة الإسلامية بشكل كامل في المجتمع فسوف تؤمّن الحريات العامة و المدنية - حرية الأفراد و الحرية الفردية - و كذلك حرية الشعب و التي تسمّى الاستقلال - فالاستقلال يعني الحرية على مستوى الشعب بحيث لا يكون هذا الشعب تابعاً إلى أحد أو مكان، و الشعب الحرّ هو الشعب الذي لا يخضع بأي شكل من الأشكال لنفوذ و سيطرة أعدائه و خصومه أو الأجانب - و يضمن كذلك العدالة في المجتمع و يضمن أيضاً الروح المعنوية. هذه هي العناصر الأصلية الأربعة: الحرية و الاستقلال و العدالة و المعنوية. إذا سادت الشريعة الإسلامية في مجتمع فإن هذه الظواهر الأساسية في نظام المجتمع الإسلامي سوف تبرز و تعبّر عن نفسها. إذن، شدّد إمامنا الخميني الجليل على الشريعة الإسلامية التي تمثل روح الجمهورية الإسلامية. و قد اعتمد كذلك على الديمقراطية الدينية التي هي وسيلة و أداة و مستمدة بدورها من الشريعة.

ما من قدرة أو غلبة أو سلطة مقبولة في مدرسة الإمام الخميني ناتجة عن العسف و القوة. لا معنى للقهر و الغلبة في النظام الإسلامي، السلطة لها معناها و الاقتدار له معناه، لكنه اقتدار ناتج عن اختيار الناس و انتخابهم. الاقتدار الناجم عن العسف و الغلبة و السلاح لا معنى له في الإسلام و في الشريعة الإسلامية و في مدرسة الإمام الخميني. السلطة الناجمة عن انتخاب الشعب هي المحترمة، و لا ينبغي لأحد أن يجابهها، و لا ينبغي لأحد أن يستخدم القوة و القهر لمواجهة مثل هذه السلطة، فإذا فعل كان اسم عمله هذا فتنة. هذه هي الوصفة الجديدة التي عرضها إمامنا الخميني الجليل على العالم و أضاف هذا الفصل للأدبيات السياسية في العالم. من العناصر الأصلية في هذه الوصفة الجديدة - كما سبق أن أشرنا - المسارعة إلى مساعدة المظلوم و مواجهة الظالم. ينبغي المسارعة لمعونة المظلوم، و المصداق الأتم للمظلومية في زماننا و عهدنا هو الشعب الفلسطيني، و قد لاحظتم أن الإمام الخميني الجليل و منذ البداية و إلى آخر عمره شدّد على فلسطين و أكد عليها و دعمها و أوصى بأن لا ينسى شعب إيران و مسؤولو البلاد هذه القضية. مساعدة المظلوم و الوقوف بوجه الظالم و رفض تطاول الظالم و الإنكار الصريح لهيبة الظالم و أبّهته و تحطيم هذه الأبّهة، هذه أيضاً من جوانب هذا النظام و هذه الوصفة الجديدة التي عرضها إمامنا الخميني الجليل. هذه خلاصة و صورة مختصرة و وصف مقتضب لمجموعة النظم السياسية و الأساسية التي عرضها إمامنا الخميني الكبير بعد انهيار النظام الملكي في البلاد، و تقبلها الشعب تقبلاً حاسماً، و تحققت عملياً، و لم تبق هذه الوصفة في بطون الكتب كما هو الحال بالنسبة للكثير من الكلام و الآراء السياسية، بل نزلت إلى الواقع و تحققت و تبلورت و أبدى شعب إيران هممه و وفاءه و ضحّى و حفظها و صانها و عزّزها يوماً بعد يوم إلى أن وصلتنا في يومنا هذا.

طيّب، إذن لقد نجح الإمام الخميني، و استطاع تحقيق النجاح التام في العمل الذي أراد القيام به، و لكن هل سيستمر هذا العمل الكبير؟ و هل ستمتلئ الخانات و الأماكن الخالية في هذا الجدول، و من الطبيعي أن تكون هناك خانات خالية في الجداول الاجتماعية و التاريخية؟ هذا منوط بمدى الهمّة التي نبديها أنا و أنتم، و بدرجة الوعي التي نبديها، و بمقدار مراعاتنا لذلك الخط النيّر و السير فيه. نعم، من الممكن تماماً، بهذا الشعب الذي نشاهده و بهذه التجربة و هذه الحركة الموفقة و المسيرة المستمرة التي أبداها هذا الشعب طوال الأعوام الخمسة و الثلاثين الماضية و على مدى خمس و عشرين سنة بعد رحيل الإمام الخميني و إلى الآن، نعم، من الممكن مواصلة هذا الدرب، و ملء الخانات الفارغة في هذا الجدول و سوف يصار لإنجاز أعمال كبرى، و سيصل هذا الشعب بإذن الله و بحوله تعالى و قوّته إلى ذروة القمم.

لكن هذا الطريق مثل كل الطرق المهمة المرسومة نحو الأهداف الكبرى تحفّه تحديات و عقبات. يجب أن نعرف هذه العقبات لنستطيع تجاوزها و عبورها. إذا لم نعرف الموانع فإن تجاوزها و العبور عليها سيكون إما صعباً أو حتى مستحيلاً. إنني أقول هذا لكم اليوم أيها الحضور المحترمون في هذا التجمّع الهائل العظيم، و في الواقع للشعب الإيراني الذي سيستمع لهذه الكلمة، و لكن على شبابنا و الواعين و المفكرين و النخبة أن يفكروا في كل نقطة و فصل و جزء من هذه الأمور و يدرسوها، و المقصود هنا ليس مجرد البحوث الذهنية و شبه التنويرية، بل البحوث العملية و التطبيقية و الواقعية. هذه النقاط التي نذكرها رؤوس نقاط و عناوين فصول لأعمال فكرية سوف ينجزها الشباب - و هم أفضل منا بكثير و على استعداد و جاهزية أكبر منا بكثير - إن شاء الله.

أذكر هنا تحديين: أحدهما تحد خارجي و الثاني داخلي. التحدي الخارجي الذي يواجهنا هو مضايقات الاستكبار العالمي. لنتكلم دون تردد أو تغليف، إنها مضايقات أمريكا و عرقلاتها. صحيح أننا ربما نجد في تحليلات بعض مفكريهم السياسيين آراء تقول بإن هذا النهج لا جدوى منه و لا يمكن مواجهة هذا التحرك العظيم، لكنهم مع ذلك يمارسون المضايقات و العرقلة. يجب معرفة خارطة عملهم و مخططاتهم، و هي خارطة مفضوحة و مسرّبة. إنها الخارطة أو الخطة العامة لأمريكا التي تتسرّب اليوم عبر نقاشاتهم و بحوثهم و تقاريرهم و تصريحاتهم و سلوكياتهم. تقسّم أمريكا بلدان العالم و شخصياته إلى ثلاثة تيارات: التيار أو القسم الأول هو المطيعون، أي البلدان المطيعة و التيارات السياسية و الاجتماعية الخاضعة أو الشخصيات المطيعة. هؤلاء جماعة. و هناك عدد من البلدان ليست مطيعة، و لكن ينبغي مداراتها. بعض البلدان و بعض الشخصيات و بعض التيارات هي من وجهة نظر أمريكا ممن يجب مداراتهم و مصانعتهم و التركيز على المصالح المشتركة معهم، و التكيّف معهم حالياً بنحو من الأنحاء، و سوف أعود لإيضاح هذه الحالة. أما القسم الثالث من البلدان فهي البلدان غير المطيعة و التي لا تخضع لأمريكا و لا تخنع لابتزازاتها.. هذه أيضاً مجموعة من البلدان. من وجهة نظر الأمريكان فإن كل بلدان العالم و كل التيارات السياسية و الاجتماعية و المدنية و الاقتصادية في العالم و كل الشخصيات البارزة و الممتازة و المعروفة في العالم لا تخرج عن هذه الأنواع أو الأقسام الثلاثة، فهي إما خاضعة و مطيعة، أو مستقلة يجب مداراتها و مصانعتها و مجاملتها، أو إنها غير مطيعة و تبدي الشجاعة و البسالة و الجرأة، حيث ينبغي التعامل معها بطريقة أخرى.

سياسة الأمريكيين مع الفئة الأولى هي الدعم الكامل، و بالطبع فإنه ليس دعماً مجانياً، إنما يدعمونهم و يحلبونهم و يمتصونهم، و الواقع أنهم يستفيدون من إمكانياتهم و خيراتهم لتأمين مصالحهم، أي إنهم يستغلونهم و ينتزعون منهم كل أنواع الخدمة، و يحلبونهم كما قلنا، و لا يهتمون لشيء. طبعاً إذا صدر عنهم سلوك يعد قبيحاً في العرف العالمي فإنهم لا يدينون ذلك السلوك بل يدافعون عنه و يبرّرونه. مثلاً توجد حكومات مستبدة تدار بأنظمة رجعية شديدة الاستبداد، لكنها على علاقات حسنة مع أمريكا و تخدم أمريكا و مطيعة لأمريكا و تعد ضمن الفئة الأولى، فعندما يريد الأمريكان وصف هؤلاء لا يقولون حكومات مستبدة و دكتاتورية، بل يقولون إنهم بلدان أبوية! يخفون دكتاتوريتهم، و يقولون إن هؤلاء ليسوا دكتاتوريين بل أبويين. ما معنى الأبوية في النظم السياسية؟ ما هو معناها؟ بلد ليس فيه مجلس تشريعي و لا انتخابات و لا إذن بالكلام و لا حرية أقلام و لا حرية تعبير عن الرأي، و أقل تخلف عن إرادة الحاكم يقمع بشدة و حدة و عنف، هل هذا البلد بلد أبوي؟

كان صدام حسين في شطر من حياته ضمن هؤلاء المطيعين الخاضعين، فأمدّوه خلال تلك الفترة بكل أنواع الدعم و خدموه و أعطوه الأسلحة الكيمياوية و أمدّوه بخرائط تحركاتنا العسكرية المكتشفة بالأقمار الصناعية، و أعطوه خرائط حربية لأنه كان في خدمتهم و ضد نظام الجمهورية الإسلامية المتمرد عليهم، و نظام الجمهورية الإسلامية هو من ضمن الفئة الثالثة. هذه مجموعة من البلدان و الأنظمة.

أما المجموعة الثانية فذكرنا أنهم البلدان التي تعتمد أمريكا سياسة المداراة في التعامل معهم. فما معنى المداراة؟ معناها أن لها معهم الآن مصالح مشتركة، فتريد الاحتفاظ بهم إلى جانبها الآن، و لكنها إذا وجدت فرصة ستطعنهم بالخنجر من الخلف في قلوبهم و تمزّق قلوبهم، و لا تراعي أي شيء. ما هي أمثلة هذه البلدان؟ المثال على ذلك هو البلدان الأوربية، هكذا هو وضع البلدان الأوربية في الوقت الراهن. أمريكا تداريهم لا بمعنى أنها تراعي مصالحهم، لا، فهي ترفسهم و تضربهم عندما تستطيع ذلك، و تتجسس عن طريق الإنترنت على الشخصية الأولى في بلد حليف لهم5، و تتجسس بواسطة الهواتف النقالة.. تتجسس على حياتهم الشخصية، و لا تبالي لشيء، و عندما يكتشف الأمر، يقولون نعم، معذرة، إنه أمر حصل بالتالي، و لما يكن مفر منه، شيء حصل! فهم غير مستعدين حتى لتقديم اعتذار حقيقي. حسب فهمي للقضايا السياسية يرتكب الأوربيون خطأ استراتيجياً كبيراً عندما يضعون أنفسهم في خدمة أمريكا. إنهم يراعون مصالح أمريكا و أمريكا لا تراعي مصالحهم و لن تراعيها، و سيبقى الأمر على هذا المنوال إلى النهاية. هذه هي المجموعة الثانية.

و الفئة الثالثة هي البلدان التي لا تخضع لأمريكا. و سياسة أمريكا حيالهم هي أنها تستخدم كل وسيلة ممكنة ضد هذه البلدان غير المطيعة.. تستخدم أية وسيلة ممكنة و لا تعرف لذلك أية حدود أو قيود. إذا وجدتم بلداً غير مطيع لأمريكا و أمريكا لا تهاجمه عسكرياً أو لا تفرض عليه حظراً فاعلموا أن هناك مشكلة، بمعنى أن هناك مانعاً يعترض هذا الطريق. و بلغة بسيطة إنهم لا يستطيع القيام بمثل هذه الأعمال، و لو كانوا يستطيعون لفعلوا. الجريمة الوحيدة لهذا البلد غير المطيع هو أنه غير مستعد للاستسلام أمام أمريكا و غير مستعد للخضوع لابتزازاتها و غير مستعد لتقديم مصالحها على مصالحه، عندئذ سيكون هذا البلد بلداً غير مطيع. و لا يتورع الأمريكان عن أي فعل لإخضاع هذا البلد و تركيعه. يقومون بأيّ عمل يمكنهم القيام به، و إذا لم يفعلوا شيئاً من الأشياء فذلك بسبب عجزهم.

طيّب، ما هي هذه الأعمال و الأفعال التي يقوم بها الأمريكان؟ ليس الهجوم العسكري اليوم في الأولوية من وجهة نظر الأمريكان. لقد أدركوا أنهم خسروا و تضرروا في هجماتهم العسكرية ضد العراق و ضد إفغانستان. و فهموا أن الهجوم العسكري و بمقدار ما يحمل من أخطار على البلد الذي يتعرض للهجوم يحمل بنفس المقدار و أحياناً بمقدار أكبر أخطاراً على البلد المهاجم.. هذا ما أدركوه و هو صحيح. لذلك يمكن القول إنهم صرفوا النظر عن الهجمات و الممارسات العسكرية، و لديهم سبلهم و طرقهم الأخرى. من طرقهم أن يوكلوا تحقيق أهدافهم في ذلك البلد الذي يعادونه لعناصر داخلية في نفس ذلك البلد. و القضية ليست فقط قضية إيران الإسلامية و الجمهورية الإسلامية، فهم يفعلون ذلك في كل مكان من العالم، و نحن نشاهد نماذج من ذلك. أو إنهم يقوّون بعض الأفراد ليدبّروا انقلاباً يستأصلوا به ذلك النظام أو الجهاز الحكومي أو السياسي الذي لا يستسلم لهم. هذا أحد الطرق.

و من الطرق جرّ فريق من الناس إلى الشوارع، و هذه الثورات الملوّنة التي وقعت في بعض الأماكن من هذه المنطقة طوال الأعوام الأخيرة هي من هذا القبيل. تستلم حكومة زمام الأمور، و أية حكومة تستلم زمام الأمور، حتى لو جاءت إلى السلطة بستين بالمائة من أصوات الشعب فسيكون هناك أربعون بالمائة من الشعب لم يمنحوها أصواتهم. و الأمريكان يقصدون أولئك الأربعين بالمائة و يختارون من بينهم عناصر و دلالين، و يدفعونهم بواسطة التطميع و الأموال و التهديد إلى جرّ ذلك الأربعين بالمائة أو جزء منه إلى الشوارع. هذه الثورات الملونة و هذه الثورة البرتقالية و الثورات الفلانية في بلدان مختلفة التي شوهدت خلال الأعوام الأخيرة، كانت اليد الأمريكية من ورائها. لا نريد أن نقيّم أو نحكم أبداً بشأن الأحداث التي تجري راهناً في منطقة 6 من أوربا، و لكن الإنسان حين ينظر يجد أنه ماذا يمكن لعضو في مجلس الشيوخ الأمريكي و لمسؤول أمريكي 7 أن يمارسه من دور في تظاهرات أقلية ضد بلد معين حينما يحضر هناك؟ لقد حضروا هناك. من أعمالهم أنهم بجرّهم لجماعة من الناس إلى الشوارع و تأجيج عصيان مدني يعملون على إسقاط الحكومة التي لا يرتضونها و غير المستعدة للخضوع لابتزازاتهم.

و من ممارساتهم تنشيط جماعات الإرهاب و الاغتيالات و إطلاق فرق اغتيالات. قاموا بهذا الشيء في العراق، و قاموا به في أفغانستان، و قاموا به في بعض البلدان العربية في المنطقة، و قاموا به في بلادنا نفسها. يطلقون جماعات إرهابية و يغتالون أشخاصاً معينين. اغتالوا في بلادنا العلماء و متخصصي الطاقة النووية فاستشهدوا. و من قبل ذلك اغتالوا أشخاصاً آخرين من النخبة السياسية و النخبة الثقافية و الشخصيات العلمية و الشخصيات الدينية و رجال الدين. و قد نمت هذه الجماعات تحت مظلة أمريكا، و البعض منهم حظوا بقبول الأمريكان نتيجة هذه الخدمات التي قدّموها لأمريكا. المنافقون اليوم في أحضان أمريكا و يشاركون في اجتماعات متعددة و في لجان الكونغرس الأمريكي. نفس عناصر المنافقين و نفس هؤلاء الذين قتلوا هنا أبناء الشعب و قتلوا الشخصيات البارزة و العلماء و الشخصيات السياسية و قاموا بالتفجيرات، هم اليوم هناك مع الأمريكان. هذا أيضاً أحد الطرق.

و من الطرق أيضاً بث الخلافات و النزاعات في قمة هرم النظام الحاكم. هذه من الأعمال التي يقومون بها. النظام أو المؤسسة الحكومية غير المتماشية معهم يحاولون خلق خلافات و نزاعات فيها و اصطناع سيادة و حكومة مزدوجة فيها، و هم لا ينجحون في الكثير من المواطن، لكنهم للأسف ينجحون في بعض المواطن. هذا أحد طرقهم. و من طرقهم أيضاً صرف قلوب الناس و أفكارهم و أذهانهم عن ركائزهم العقيدية و الإيمانية بما يبثونه من إعلام و دعاية. و طرق متنوعة أخرى من هذا القبيل. و نظام الولايات المتحدة الأمريكية قام بكل هذه الأعمال و الممارسات ضد إيران العزيزة و ضد إيران الإسلامية، و أخفق بفضل من الله في كل هذه الأعمال و الممارسات. الانقلاب العسكري، و دعم أرباب الفتنة، و جرّ الناس للشوارع، و مجابهة الانتخابات، و بث الخلافات و النزاعات، مثل هذه الأعمال إما قاموا بها أو حاولوا القيام بها، و لم ينجحوا في كل هذه الأعمال و المحاولات و الحمد لله. لماذا؟ لأن الشعب كان يقظاً و مؤمناً، و هنا انتقل إلى التحدي الثاني و هو التحدي الداخلي.

أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء.. التحدي الداخلي أمام شعبنا هو أن ننسى و نستبعد و نفقد روحية و اتجاه نهضة إمامنا الخميني الكبير. هذا هو أكبر الأخطار. و أن نخطئ في معرفة أعدائنا و نخطئ في معرفة أصدقائنا، و نخلط بين جبهة العدو و الصديق، و لا نفهم من هو العدو و من هو الصديق. أو نخطئ في معرفة العدو الأصلي و العدو الفرعي. هذا بدوره خطر. أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات، و يا عموم شعب إيران، ليتنبّه الجميع إلى أنه في بعض الأحيان يعاديكم طرف، و لكن إذا دققتم لوجدتم أن عداءه ليس عداء أصلياً بل هو تابع لعامل آخر و لطرف آخر، فعليكم في هذه الحالة أن تبحثوا عن العدو الأصلي و تجدوه، و إلّا إذا جابه الإنسان العدو الفرعي فسوف تستنزف قواه و لن تكون نتيجة العمل نتيجة مطلوبة و جيدة.

ثمة جماعة في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي اليوم تسمّى الجماعات التكفيرية و الوهابية و السلفية تعمل ضد إيران و ضد الشيعة و التشيع، و يقومون بأعمال سيئة و قبيحة، لكن هؤلاء ليسوا الأعداء الأصليين، ليعلم الجميع هذا. إنهم يعادون و يرتكبون الحماقات لكن العدو الأصلي هو الطرف الذي يحرضهم و يحضهم و يمدهم بالأموال، و هو الطرف الذي إذا خارت عزائمهم و ضعفت محفزاتهم قليلاً يحضهم و يعزز تحفزهم بمختلف الوسائل. العدو الأصلي هو الطرف الذي ينثر بذور الخلافات و النزاعات بين تلك الجماعة الجاهلة و بين الشعب الإيراني المظلوم، و الذي يقوم بذلك هو الأيدي الخفية للأجهزة الأمنية و الاستخبارية. لذلك قلنا كراراً و مراراً بأننا لا نعتبر هذه الجماعات غير العقلائية و التي تواجه نظام الجمهورية الإسلامية باسم السلفية و التكفيرية و الإسلام، لا نعتبرها العدو الأصلي. إننا نعتبركم مخدوعين، و قد قلنا لهم: «لَئِن بَسَطتَ اِلَىَّ يدَك لِتَقتُلَنى ما اَنا بِباسِطٍ يدِىَ اِلَيك لِاَقتُلَك اِنّى اَخافُ اللهَ رَبَّ العَلَمين» 8. إذا كنت تخطئ و تعتزم قتل أخيك المسلم فإننا لا نعتبرك أيها الجاهل شخصاً يجب أن نعتزم قتله. و نحن طبعاً ندافع عن أنفسنا، و كل من يهاجمنا سيواجه قبضاتنا و صفعاتنا القوية، و هذا شيء طبيعي، لكننا نعتقد أن هؤلاء ليسوا العدو الأصلي، بل هم مخدوعون. العدو الأصلي هو ذلك العدو المختبئ خلف الستار و تلك اليد غير الخفية جداً التي تخرج من كمّ الأجهزة الأمنية فتمسك بتلابيب المسلمين و توقع بينهم.

هذه هي التحديات الداخلية التي تواجهنا: الانشغال بالخلافات في داخل البلاد.. أن تشغلنا الخلافات الفرعية و السطحية و تضعنا بعضنا في مقابل بعض و تخلق حالات من النزاع و التعارض، و تغفلنا عن القضايا الأصلية و الخطوط الرئيسية. هذا من مصاديق ذلك التحدي الأصلي الذي نتحدث عنه. من التحديات التي يجب أن نحذر منها هو تفتت انسجام الشعب. و كذلك الابتلاء بالكسل و عدم النشاط و فقدان الروح و قلة العمل و الركون إلى اليأس و القنوط و التصور بأننا عاجزون و غير قادرين، و التصور بأننا لم نستطع فعل شيء لحد الآن. لا، فنحن قادرون كما قال الإمام الخميني 9 و يجب أن نتحلى بالعزيمة، فالعزيمة الوطنية و الإدارة الجهادية بوسعهما حلّ كل هذه العقد و المشكلات. هذه كلها من التحديات الداخلية التي تواجهنا و يجب أن نجابهها. و كما ذكرنا فإن شبابنا الأعزاء و نخبنا و فضلاءنا يجب أن يجتمعوا و يتدارسوا هذه الأمور التي تمثل رؤوس نقاط و عناوين كلية. الاسم المبارك لإمامنا الخميني الكبير و ذكرى ذلك الرجل العظيم و خارطة ذلك المهندس الضليع يمكنها كلها أن تمدّ لنا يد العون في كل هذه الفصول و العناوين، و تمنحنا الأمل و الحيوية و النشاط، و قد كان هذا هو الواقع لحد الآن و سيكون كذلك في المستقبل أيضاً بتوفيق من الله.

اللهم انزل بركاتك على هذا الشعب العزيز. اللهم أعن شبابنا الأعزاء السائرين في سبيل تشييد الصرح المثالي للنظام الإسلامي. اللهم احفظنا من الاعوجاجات و الانحرافات. ربنا اجعل يد الشعب الإيراني أقوى من أعدائه، و انصره على أعدائه، و اجعل القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) رؤوفاً بنا، و اشملنا بأدعيته، و احشر الروح الطاهرة لإمامنا الخميني و أرواح الشهداء الأبرار مع الرسول الكريم (ص)

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.‌


1 - سورة الحشر، شطر من الآية 10 .
2 - سورة يونس، شطر من الآية 88 .
3 - سورة إبراهيم، الآية 24 و شطر من الآية 25 .
4 - سورة الطارق، الآيتان 15 و 16 .
5 - بلد ألمانيا.
6 - بلد أوكرانيا.
7 - جون مك كين.
8 - سورة المائدة، الآية 28 .
9 - من ذلك ما ورد في صحيفة الإمام، ج 19 ، ص 327 .

2017-03-09