يتم التحميل...

خطبتا صلاة عيد الفطر السعيد

2009

الاستعداد لعقد التقدّم والعدالة: لدفع الحركة العلمية إلى الأمام

عدد الزوار: 68

خطبتا صلاة عيد الفطر السعيد_ 20-09-2009
الاستعداد لعقد التقدّم والعدالة: لدفع الحركة العلمية إلى الأمام

الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين؛ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون.

نحمده ونستعين به، ونستغفره ونؤمن به ونتوكّل عليه، ونصلّي ونسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه وحافظ سرّه ومبلّغ رسالاته، بشير رحمته ونذير نقمته سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين، سيّما بقيّة الله في الأرضين؛ وصلِّ على أئمّة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين.

نبارك عيد الفطر السعيد لكلّ الإخوة والأخوات المصلّين ولجميع شعب إيران ولكافّة المسلمين في العالم وللأمّة الإسلاميّة العظيمة.

ولادة جديدة للإنسان المؤمن مع ليلة القدر
يخرج المسلم من شهر رمضان نورانيًّا. ينوّر شهر رمضان القلب ويزيل الصدأ والأدران عن روح الإنسان وقلبه بالصيام والذكر، وبالثناء الإلهي فيه، وتلاوة القرآن وسائر الحسنات التي يغترفها الإنسان المؤمن في هذا الشهر؛ إنّما ينوّر الفؤاد، ويزيل الصدأ والأدران عن روح الإنسان وقلبه.

والحقيقة أنّ الإنسان المؤمن الصائم يبدأ منذ ليلة القدر سنة جديدة. في ليلة القدر، يكتب له تقديره على مدى السنة من قبل الكتّاب الإلهيّين. يدخل الإنسان في سنة جديدة ومرحلة جديدة، وتتوفّر له في الحقيقة حياة جديدة وولادة جديدة. يبدأ السير في الطريق مستعينًا بذخائر التقوى. توضع له العديد من المراحل في هذا الطريق ليجدّد الذكريات ويستعيد الذكر والإنابة، ويوم عيد الفطر هو من هذه المراحل والمحطّات المقرّرة له في وسط الطريق. ينبغي اغتنام هذا اليوم.

صلاة عيد الفطر شكر لله على الولادة الجديدة
وإنّ صلاة يوم عيد الفطر بمعنى من المعاني هي شكر، نقدّمه للنعمة الإلهيّة التي ننالها في شهر رمضان. إنّها شكر هذه الولادة الجديدة. نقول للباري عدّة مرّات في صلاة عيد الفطر: "أدخلني في كلّ خير أدخلت فيه محمّدا وآل محمّد"؛ أدخلنا جنّة الصفاء والإيمان والأخلاق والعمل التي أدخلت فيها منتجبيك. "وأخرجني من كلّ سوء أخرجت منه محمّدا وآل محمّد صلواتك عليه وعليهم"؛ أخرجنا من جحيم الأعمال الرذيلة والأخلاق القبيحة والعقيدة المنحرفة التي حفظْتَ وصنْتَ منها هؤلاء الأجلّاء والأعزّاء في عالم الخلق. نرسم لأنفسنا هذا الهدف الكبير في يوم عيد الفطر، ونطلبه من الله، ويقع علينا طبعًا واجب السعي والجدّ للبقاء على هذا الصراط المستقيم؛ هذه هي التقوى.

شهر رمضان شهر التوبة
من جملة مكتسبات شهر رمضان الكبيرة التوبة والإنابة؛ العودة إلى الله تعالى. نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي الشريف: "واجمع بيني وبين المصطفى وانقلني إلى درجة التوبة إليك". اللهم ارفعنا إلى درجة التوبة، لنعود عن الطريق الخطأ، والعمل السيّئ، والظنون السيّئة، والأخلاق الذميمة.

يقول الإمام السجّاد (ع) في دعاء وداع شهر رمضان المبارك مخاطبًا خالق العالم: "أنت الذي فتحت لعبادك بابًا إلى عفوك وسمّيته التوبة"1؛ فتحت لنا هذا الباب لنسارع إلى عفوك وننهل من نعمة عفوك ورحمتك؛ هذا الباب هو باب التوبة. نافذة رحبة نحو مناخات العفو الإلهي الصافية. لو لم يفتح الله تعالى سبيل التوبة على عباده لكان وضعنا نحن العباد المذنبين سيّئًا جدًّا. يقع الإنسان في الخطايا والزلّات والمعاصي نتيجة غرائزه الإنسانيّة وأهوائه النفسيّة. وكلّ واحد من تلك الذنوب يحدث جرحًا في قلب الإنسان وروحه. ماذا كنّا سنفعل لولا طريق التوبة؟

يقول الإمام علي بن أبي طالب في دعاء كميل: "لا أجد مفرًّا ممّا كان منّي ولا مفزعًا أتوجّه إليه في أمري غير قبولك عذري". لو لم تكن هناك حالة قبول العذر التي منَّ الله الكريم الرحيم بها علينا، كيف كنّا سنستطيع إنقاذ أنفسنا من كلّ ما أنزلناه بأنفسنا، ومن شرور كلّ تلك الأعباء الثقيلة من الذنوب، والمخالفات، والخطايا، واتّباع الأهواء؛ لما كان لنا مفرّ ولا ملاذ. الله تعالى هو الذي فتح أمامنا هذا الملاذ ألا وهو التوبة. اعرفوا قدر التوبة.

شاب يهرب من بيت أبيه وأمه بسبب جهله ثم يعود لأحضانهما فيواجه حبّهما وعطفهما ومداراتهما؛ هذه هي التوبة. حينما نعود إلى بيت الرحمة الإلهيّة يقبلنا الله تعالى. اغتنموا هذه العودة التي تتحقّق للمؤمن بصورة طبيعيّة في شهر رمضان.

لقد شاهدت صور مشاركة الشباب والأحداث والنساء والرجال خلال شهر رمضان في جلسات الدعاء والقرآن، وجلسات الذكر؛ إنّ الدموع التي كانت تذرف على الخدود بفعل الإقبال على الله لها قيمة كبيرة؛ هذه هي التوبة؛ لنحافظ على هذه التوبة.

شهر رمضان فرصة لتطهير قلوبنا
تقودنا أهواؤنا وقلوبنا الغافلة إلى ارتكاب الأخطاء والوقوع في الزلّات، وقد وفّر لنا شهر رمضان فرصة غسل أنفسنا وتطهيرها، هذا الغسل له قيمة كبيرة. هذه الدموع تطهّر القلوب ويجب أن نحافظ عليها ونبقيها. كلّ هذه الآلام الكبرى والأمراض المهلكة الخطيرة أي الأنانيّات، والكبر، والحسد، والاعتداءات، والخيانة، واللاأباليّة - وهي أمراضنا الكبرى - تجد لها في شهر رمضان علاجها وتغدو ممكنة التطبيب. يُقبِل الله تعالى، ولا شك أنّه قد أقبل وتوجّه.

كان شهر رمضان الذي مررنا به هذه السنة حسنًا جدًّا، حيث المجالس التي شهدها هذا الشهر - مجالس القرآن، ومجالس الذكر، ومجالس الدعاء والموعظة- وحضور شرائح الشعب المختلفة والفئات الاجتماعيّة المتنوّعة، والوجوه والأشكال المختلفة في هذه المجالس. كم من إنفاق حصل في هذا الشهر، وكم من المساعدات قدّمت طوال الشهر الفضيل الضعفاء؛ هذه لها قيمة كبيرة. كلّ واحد من هذه الأنشطة ينشر عطرًا في روح الإنسان ويوفّر له فتحًا؛ لنحافظ على هذه الأمور. أوصي الشباب بأن يغتنموا هذه القلوب الطريّة النيّرة. قلّما يحدث هذا في أعوام العمر المتقدّمة وكثيرًا ما يحصل للشباب؛ حافظوا على هذه القلوب. اغتنموا الصلاة في أوقات الفضيلة، والحضور في المساجد، وتلاوة القرآن، والأنس به، والأنس بالأدعية الواردة عن أهل البيت وهي من كنوز المعارف الإسلاميّة.

لنجعل مناخ المجتمع مناخ أخوة وحسن ظن
ولنهتمّ بأخلاقنا؛ لنهتمّ بأخلاقنا أيضًا2؛ أهميّة الأخلاق تفوق العمل. لنجعل مناخ المجتمع مناخ أخوّة وعطف وحسن ظن. لا أوافق إطلاقًا على جعل مناخ المجتمع مناخ سوء الظن، يجب أن نبعد هذه العادات عن أنفسنا.

توجيه الإتهامات عبر وسائل الإعلام ظاهرة سيئة
للأسف، أن تعمل بعض الصحف ووسائل الإعلام وأجهزة الاتّصال المختلفة -والتي تزداد وتتّسع وتتعقّد أكثر فأكثر- لاعتماد منهج توجّه من خلاله الاتّهامات فهذه ليست ظاهرة حسنة على الإطلاق. هذا ليس بالشيء المحبّذ؛ إنّه شيء يكدّر قلوبنا ويجعل أجواء حياتنا مظلمة. لا تعارض أبدًا بين أن ينال المذنب جزاء ذنبه ويبقى المناخ بعيدًا عن إشاعة الذنوب وتوجيه الاتّهامات.

ما يعترف به المتهم حول نفسه حجة
وأضيف هنا أنّه حين يُذكر في المحاكم - والتي تبثّ من التلفزة - شيء على لسان أحد المتّهمين حول شخص آخر، أقول هنا إنّ هذا القول لا يتمتّع شرعيًّا بالحجّية. إنّما كلّ ما يقوله المتّهم في المحكمة حول نفسه هو الحجّة. ما يقوله البعض من أنّ اعتراف المتّهم وإقراره في المحكمة على نفسه ليس حجّةً، هو قول فارغ لا قيمة له؛ كلا، أيّ اعتراف وإقرار يدلي به المتّهم في محكمة أمام الكاميرات وأمام ملايين المشاهدين يعدّ شرعًا وعرفًا وعند العقلاء اعترافًا مسموعًا ومقبولًا ونافذًا.

وما يتهم به الآخرين ليس حجة
ولكن أن يعترف على الآخرين فهذا شيء غير مسموع. ينبغي عدم ملء الأجواء بالتهم والظنون السيّئة. يقول القرآن الكريم: "لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا"3؛ لم لا تحسنون الظن ببعضكم حينما تسمعون تهمة ضد أحد؟ واجبات الأجهزة التنفيذيّة والقضائيّة محفوظة في مواضعها. وعليها ملاحقة المجرم، وعلى الأجهزة القضائيّة محاكمة المجرم ومعاقبته بالطريقة التي تثبت بها الأمور وطبق القوانين الإسلاميّة والقوانين العرفيّة وينبغي عدم التقصير في هذا الجانب إطلاقًا. لكن معاقبة المجرم الذي ثبتت جريمته بالطرق القانونيّة شيء وتوجيه التهم إلى شخص من الأشخاص انطلاقًا من الظنون والمخيّلات وتشويه سمعته وجعله حكايةً تتناقلها الأفواه شيء آخر. هذا غير ممكن، وهذا المناخ ليس بالمناخ السليم.

ما لم تثبت التهم فلا يجوز التحدث بها
أو أنّه إذا تحدّث الآخرون -الأجانب وقنوات التلفزة المغرضة- ضدّ شخص أو أشخاص بشيء وادّعوا أنّهم ارتكبوا الخيانات الفلانيّة والأخطاء الفلانيّة، ثم نأتي نحن وننشر هذه الادّعاءات نفسها، فهذا ظلم غير مقبول. متى كانت وسائل الإعلام الأجنبيّة مخلصةً لنا؟ ومتى أرادت أن تتّضح الحقائق المرتبطة بنا حتى يكونوا صادقين هنا في عرض الحقيقة4؟ يقولون أشياء ويطلقون كلامًا وادّعاءات معيّنة. يجب أن لا نعتبر ذلك شفافيّةً؛ هذه ليست شفافيّة، إنّما هي تعكير للأجواء. معنى الشفافيّة أن يعمد المسؤول في الجمهوريّة الإسلاميّة لعرض أدائه أمام الناس بشكلٍ واضح. هذا هو معنى الشفافيّة وهذا ما يجب على المسؤولين أن يعملوا به. أمّا أن ننسب إلى هذا وذاك أمورًا تحت ضغط التهم قبل أن يثبت شيء فقد تكون هذه الأمور حقيقيّة في الواقع، لكنّه ما لم تثبت بعد، فليس من حقّنا التحدّث عنها، نتّهم هذا ونتّهم ذاك، ونسوق الأدلّة على ذلك من وسائل الإعلام الأجنبيّة -الإعلام الإنجليزي المغرض- ثم يظهر شخص من ذلك الجانب فيتّهم النظام كلّه بأمور لا تليق بالنظام الإسلامي. إنّ مكانة النظام الإسلامي وشأنه أرفع بكثير من هذه الأمور التي ينسبها البعض إلى هذا النظام الإسلامي. فهذا الإشكال يردّ عليهم بدرجة أكبر. إنّ توجيه التهمة لشخص معيّن خطيئة، و[كذلك] توجيه التهمة للنظام الإسلامي ولمنظومة متكاملة هي خطيئة أكبر بكثير من الأولى. اللهم أبعدنا بتقواك عن هذه الذنوب والمعاصي.

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

{و العصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}5.

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيّما عليّ أمير المؤمنين، والصدّيقة الطاهرة، والحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنة، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، والخلف الهادي المهدي، حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك؛ وصلِّ على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين. أوصيكم عباد الله بتقوى الله.

يوم القدس يوم عالمي ورسالة عالميّة
النقطة الأولى التي أجد من واجبي الإشارة إليها في الخطبة الثانية هي تقديم الشكر والتقدير للشعب الإيراني العظيم على ما قام به في يوم القدس من استعراض للعظمة أمام أنظار العالم. كم حاولوا طوال هذه الأعوام إضعاف يوم القدس الذي يعدّ رمزًا لاصطفاف الحق مقابل الباطل. إنّ يوم القدس مؤشّر اصطفاف الحق أمام الباطل، والعدل في مواجهة الظلم. ليس يوم القدس يوم فلسطين فقط، بل هو يوم الأمّة الإسلاميّة؛ يوم صرخة المسلمين البليغة ضدّ سرطان الصهيونيّة القاتل الذي زرع في جسد الأمّة الإسلاميّة على يد المعتدين المحتلّين، والمتدخّلين، والقوى الاستكباريّة، ليس يوم القدس بالشيء الهيّن. يوم القدس يوم عالمي، وله رسالة عالميّة. إنّه دليل على أنّ الأمّة الإسلاميّة لا تخضع للظلم أوّلًا، حتى لو كان هذا الظلم مدعومًا من قبل أكبر دول العالم وأقواها.

كم حاولوا إضعاف يوم القدس وقد بذلوا هذه السنة جهودًا أكثر من أي وقت آخر، لكن يوم القدس في إيران الإسلاميّة وفي طهران العظيمة، قد أثبت للعالم بأسره إلى أي اتّجاه تتّجه مؤشّرات الثورة والشعب الإيراني؛ أوضح للعالم ما هي إرادة الشعب الإيراني. أثبت أنّ حيلهم وأحابيلهم وأموالهم التي ينفقونها وخبثهم السياسي لا تأثير له على معنويّات الشعب الإيراني.

لقد انطلت على الرؤساء والساسة الغربيّون في خلال هذه الأشهر حيل وسائلهم الإعلاميّة، وقد خدعهم المحلّلون المحترفون في الصحافة والإذاعات والتلفزيونات التي يمتلكونها هم أنفسهم، وظنّوا أنّ بوسعهم التأثير على الشعب الإيراني.

لقد أثبتم في يوم القدس أنّهم كانوا يلهثون وراء السراب؛ هذه هي الحقيقة. إنّ حقيقة الشعب الإيراني هي ما ظهر في يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك -يوم القدس- وأثبت أنّ امتداد هذه العظمة وهذه الحركة منتشرة في أرجاء العالم الإسلامي، وهو ليس شيءًا يختصّ بإيران. مزج المسلمون في مناطق العالم المختلفة -أينما استطاعوا ذلك- يوم القدس بهتافاتهم ضدّ الظلم.

يوم القدس يوم عظيم جدًّا. لقد أنجزتم هذه المهمّة على أحسن وجه. أثبت الشعب الإيراني مرّة أخرى أنّه على استعداد لإيصال هتافاته بأعلى الأصوات إلى أسماع العالم في المواقع الحسّاسة.

الدفاع المقدّس: فرصة لتفجيرُ المواهب وتعزيز الذات الوطنية
إنّ أسبوع الدفاع المقدّس على الأبواب؛ لقد كان الدفاعُ المقدّس الجهادَ الديني والوطني الكبير للشعب الإيراني. وقد استطاع شعب إيران خلال ثمانية أعوام من الدفاع المقتدر تعزيز روح الثقة بالذات الوطنيّة في داخله، واستطاع تفجير المواهب الكامنة فيه، وتمكّن من معرفة إمكاناته وقدراته وفرصه غير المعروفة. تمكّن شبابنا سواء في القوّات المسلّحة -الجيش والحرس- أو في التعبئة الشعبيّة الهائلة -تعبئة المستضعفين- تمكّنوا في الحرب المفروضة من عرض صورة لإيران لم يشاهدها العالم عن هذا البلد منذ عشرات الأعوام وربّما أمكن القول منذ مئتي سنة أو ثلاثمئة سنة. إنْ كنتم ترون اليوم أنّ شعبنا وشبابنا يساهمون بطاقاتهم العظيمة الحاضرة والمستعدّة في ميادين العلم والتقنيّة؛ فإنّ الفضل في جزء كبير من هذه الظاهرة يعود إلى ملحمة الدفاع المقدّس. هناك تنبّه الشعب الإيراني إلى إمكاناته وقدراته وعرف القدرات التي يمتلكها. [أولئك] الذين هجموا على الجمهوريّة الإسلاميّة وعدّوا أنفسهم بأن يفتحوا طهران بعد ثلاثة أيام، أو بعد أسبوع، أو بعد شهر (!). وها قد مضى اليوم على تلك الأيّام قرابة الثلاثين سنة، وقد ازداد الشعب الإيراني قوّة وصلابة. وازدادت هذه الشجرة تجذّرًا وضخامة وقوّة، أمّا أولئك المساكين الذين حدّثوا أنفسهم بهذه الأخيلة الباطلة فقد سقط كلّ واحد منهم في زاوية أو مزبلة وانتهوا؛ وسيكون الوضع كذلك بعد الآن أيضًا.

الاستعداد لعقد التقدّم والعدالة
ما أوصي به حاليًّا شعبنا العزيز والمسؤولين المحترمين -ونحمد الله على أنّ السلطة التنفيذيّة والسلطة القضائيّة بدأتا دورة جديدة وتعدّان سلطتين فتيّتين- هو أن يستعدّ الجميع لعقد التقدّم والعدالة6. نحن بحاجة إلى قفزة في هذا الطريق، لدينا الكثير من التأخّر. لا يمكن الوصول للأهداف المنشودة بالعمل والسير الطبيعي، نحن بحاجة إلى قفزة، وهذه القفزة تقتضي التحلّي بالإيمان والإخلاص والتنسيق وتعاون القوى بعضها مع بعض. لتتعاون السلطات الثلاث، ولتتعاطف، ولتساعد بعضها بعضا. ليمدّ الناس يد العون للمسؤولين وخصوصًا السلطة التنفيذيّة التي تتحرّك في وسط الساحة وليتعاونوا معهم ويواكبوهم كي نستطيع السير في طرق غير مسبوقة والنهوض بالمشاريع الكبرى التي تنتظرنا.

لدفع الحركة العلمية في البلاد إلى الأمام
وأودّ التشديد على نقطة خاصّة من بين الأعمال والمشاريع التي يجب أن ننهض بها ألا وهي العلم. انطلقت الحركة العلميّة في البلاد منذ سنوات. يجب أن لا تسمح النخبة لهذه الحركة بالبطء أو لا سمح الله التوقّف؛ تقدّموا إلى الأمام.

تقع على الحوزة والجامعة في هذا الحيّز مسؤوليّات جسيمة. يتحمّل الأساتذة والطلبة الجامعيّون جميعهم مسؤوليّات؛ عليكم مواصلة هذا الطريق. إذا لم يستطع شعب التقدّم في ساحة العلم والتقدّم العلمي والريادة العلميّة فلن يكون حليفه سوى التخلّف والضعف.

إن كنتم ترون البعض في العالم يظلمون الآخرين علانيةً ودون اكتراث لشيء فما هذا إلّا اعتمادًا على علومهم. العلم هو الذي هيّأ لهم الثروة والسلطة السياسيّة والنفوذ في العالم وفي مناطق مختلفة من العالم؛ العلم مفتاح التقدّم. لا تسمحوا للحركة العلميّة بالتوقّف.

عام إصلاح نمط الإستهلاك في البلاد
وأذكر هاهنا نقطة أخرى هي أنّنا أعلنّا هذا العام عامًا لإصلاح نمط الاستهلاك في البلاد، وقد رحّب الجميع بهذا الأمر، كما رحّب به المسؤولون، والناس أيضًا - كلّ من استطاع إيصال صوته إلينا- رحّبوا بالأمر، ورحّب به أيضًا المتخصّصون والنخبة والمطّلعون وأصحاب الرأي في الشؤون الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وقالوا: يا له من شعار صحيح جيّد. جيد، ماذا حصل؟ للأسف جرى البلد لثلاثة أو أربعة أشهر وراء هذه العواطف الزائفة [الكاذبة] وخسر الوقت على هذا الصعيد. نحن الآن في نهاية النصف الأوّل من السنة. طبعًا، لا يختص إصلاح نمط الاستهلاك بسنة معيّنة، بل يستغرق سنوات طويلة. وقد ذكرت هذه المسألة في أيّام العيد. قد يستغرق عشرة أعوام حتى يستطيع المرء النهوض بهذه المهمّة، ولكن ينبغي أن نبدأ. على المسؤولين أن يعملوا ويجدّوا ويتعاونوا في هذا المجال، وتقع على الجامعات وأصحاب الخبرة والحوزات العلميّة مهمّات وأدوار عديدة، وسوف يمارسون أدوارهم إن شاء الله، وسنتمكّن بعون الله وبهمّة الحكومة المحترمة التي يجب أن تكون السبّاقة والرائدة في هذا الحيّز، وبمساعدة جماهير الشعب أن نتقدّم في هذا المشروع.

بسم الله الرحمن الرحيم {إنّا أعطيناك الكوثر، فصلّ لربك وانحر، إنّ شانئك هو الأبتر}7.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


1- الصحيفة السجادية، الدعاء 45.
2- كرّرها القائد مرّتين: لنهتمّ بأخلاقنا..
3- سورة النور، الآية 12.
4- أو حتى يأتوا ويعرضوا علينا الحقيقة
5- سورة العصر، الآيات 1 - 3.
6- عقد التقدّم والعدالة: منظومة مشاريع وقوانين وبرامج اقتصادية علمية واجتماعية، سيتمّ العمل عليها لمدة عشر سنوات تقوم الحكومة من خلالها بالتعاون والمواكبة التشريعية والقانونية من المجلس (الشورى)، بإعداد هذه الخطط والعمل على تطبيقها في مختلف مساحات عمل النظام والدولة؛ تراعي بالدرجة الأولى: البناء العلمي وحُسن توزيع الفرص والإمكانات. والعقد الرابع هو العشر سنوات الرابعة من عمر الثورة والنظام الإسلامي في إيران وقد جُعلت مقولة "التطوّر والعدالة" عنوانًا عريضًا لمختلف نشاطات الدولة ومؤسساتها، وخاصة المستوى العلمي والتربوي والاجتماعي والاقتصادي....
7- سورة الكوثر، الآيات 1 - 3.

2017-02-14