يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أئمة مساجد محافظة طهران

2016

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أئمة مساجد محافظة طهران

عدد الزوار: 31

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أئمة مساجد محافظة طهران

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين لا سيما بقية الله في الأرضين.

أرحب بكم جميعاً أيها الإخوة الأعزاء والزملاء المحترمون. من الأشياء التي يليق بالإنسان أن يعدّها من مفاخره، وأنا الحقير أقوم بها أيضاً، هي الخدمة في موقع إمامة المساجد؛ نحن زملاء لكم في هذا المجال.

أهلاً وسهلاً بكم، هذا اللقاء، وكما أشار الشيخ الحاج علي أكبري، هو لقاء مهم ومميز حقاً؛ يختلف في جوانب أساسية عن اللقاءات التي تقام هنا، أشكر الشيخ الحاج علي أكبري على كلمته العميقة والتي كانت مفيدة وشاملة أيضاً، وكذلك كانت جميلة وجيدة التركيب والبنية. نحن نُسرّ عندما نشاهد بأن لغة العلماء المعبّرة تتمتع بحمد الله ببلاغة بارزة ومحسنات بيانية وفكرية، لقد قام ببيان نقاط هامة وذكر بشائر لم أكن مطّلعًا عليها بشكل كامل. وأنا العبد سأتعرّض لعدة نقاط في هذه المجالات.

المسجد؛ ابتكار الإسلام
المسألة الأولى، هي أهمية المسجد بحدّ ذاته وهذا الابتكار الذي أبدعه الإسلام في أوائل ولادته وجعله محلاً لتجمع الناس حول محور الذكر والدعاء والتوجه إلى الله تعالى. إن اجتماعات الناس لها تأثيراتها بشكلٍ طبيعي. حسنًا، عدد من الأشخاص يلتقون ويجتمعون ويسمعون ويتكلمون، يتخذون القرارات ويقومون بتواصل فكري مشترك، يتبادلون المعلومات والأفكار؛ أين يحصل هذا؟ هل يحدث مثلاً في النوادي الأرستقراطية والنخبوية في المجالات المختلفة كما هو رائج في الغرب، أو في المقاهي، أو مثلاً كما كانوا في روما القديمة يلتقون في الحمامات العامة، بحيث يكون الذهاب إلى الحمامات مجرد ذريعة ليستمعوا ويتكلّموا؛ أو إن الاجتماع يحصل في مكان محوره إقامة الصلاة؛ فرق كبير بين النموذجين. عندما يكون اجتماع الناس حول محور الصلاة والذكر، فإنه سيوجد له معنى آخر ووجهة أخرى، سيجذب القلوب باتجاه آخر؛ إن هذا هو ابتكار الإسلام.

المسجد غير الكنيسة
نعم، المعابد موجودة في جميع الأديان- حيث يذهبون إليها ويقومون بالعبادة- لكن المسجد يختلف كثيراً عن المعابد المسيحية واليهودية والبوذية والأماكن الأخرى التي رأيناها أو سمعنا بها. الرسول الأكرم لم يكن يذهب إلى المسجد ليصلّي فقط ثم يخرج؛ كلما كان هناك أمر مهم للمجتمع أو حادث مؤثر، كان ينادي " الصلاة جامعة"(2)؛ هيا إلى مكان الصلاة؛ ولكن لماذا؟ تعالوا لنتشاور في مسألة الحرب أو أخبركم أمراً جديداً أو نتعاون وننسق أو نقوم بتعبئة الطاقات والإمكانات وغيرها من الأمور؛ إنكم تشاهدون في تاريخ الإسلام كيف أن المساجد كانت مراكز للتعليم؛ نحن نسمع ونقرأ في الروايات بأنه في المسجد الحرام أو مسجد النبي كانت تقام حلقات التدريس لزيد وعمر وبكر من التيارات الفكرية والدينية المختلفة؛ يختلف معنى هذا عن الكنيسة  أو الكنيس اليهودي حيث يذهبون إلى هناك فقط للعبادة؛ يصلّون ثم يخرجون. المسجد هو قاعدة، وهذه القاعدة تتمحور حول الذكر والصلاة.

الصلاة؛ عمود وقربان
ومن هنا تتضح أهمية الصلاة. إننا كلنا -فرداً فرداً- نحتاج إلى النظر إلى الصلاة بشكل آخر وبعد مختلف. بالطبع، أنتم بحمد الله تتمتعون بالفكر والمنطق والاطّلاع على المعارف الإلهية والدينية؛ إنما أنا العبد أقول هذا لأذكر نفسي نحن وعموم الناس، لا نعرف قدر الصلاة كما يجب ويلزم. الصلاة بمعناها الحقيقي عمود الدين؛ العمود إن لم يكن موجوداً فإن السقف سيقع وسيفقد المبنى اعتباره وشكله المعماري؛ هذه هي الصلاة. أيّ صلاة يمكنها أن تحفظ هذا الهيكل؟ إنها الصلاة التي تتمتع بخصائص ومميزات منشودة: أن تكون "قربان كل تقي"(3)، تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن تكون صلاة مترافقة مع الذكر "ولذكر الله أكبر"(4)، هذا الذكر الموجود في الصلاة، ينبغي علينا أن نقوم به وأن نروّجه أيضاً.
أعتقد أنه من الأعمال الهامة لأئمة الجماعات المحترمين في المساجد، تبيين مسألة  الصلاة للناس، كي نعرف قدر الصلاة؛ فإن تحقق هذا الأمر، فإن الصلاة سترتقي بشكل نوعي. في الواقع، إن صلواتنا إما أنها في حالات كثيرة ليست نوعية أو أنها ذات نوعية متدنية أو ليست عالية. يجب الوصول إلى عمق أذكار الصلاة. حسنًا، إن صلاتنا يجب أن تحفظ وتصان من هذه الآفات الخاصة بالمكاري (سائق الدابة)!

آفتا الغفلة والرياء
أي آفة الغفلة أثناء الصلاة، وعدم التوجه إلى مفاهيم الصلاة وعدم الانتباه إلى المخاطب في الصلاة. أي الذات الإلهية المقدسة؛ هذه واحدة من الآفات. وعلى حد تعبير المرحوم الشيخ المشكيني حيث كان يقول هنا في هذه الحسينية بأنه إذا تم اختراع آلة يمكن للإنسان أن يوصلها بدماغه ويسجل عبرها كل ما يخطر في ذهنه طوال الصلاة من أولها إلى آخرها، ستكون النتيجة عجيبة وغريبة. منذ أن ندخل في الصلاة وحتى ننتهي، إلى أين يذهب الذهن؟ أين يتجول ويسافر؟ أيّ مسائل يحلّ؟ إلى ماذا يشير في تعلّقاته وافتتانه وانجذابه؟ هذه الآفات والتي أعبر عنها أنا العبد بآفات المكاري. إذا استطعنا أن نحفظ أنفسنا من هذه الآفة وننقذ أنفسنا من آفة أخرى هي الرياء –" وأبرأ قلبي من الرياء والسمعة والشك في دينك"(5) الواردة في الدعاء- حينها تصبح صلاتنا صلاة عادية؛ وحتى هذه المرحلة فإن عمق الصلاة ليس متحققاً ولا محفوظاً.

حسنًا، عندما نقول "سبحان ربيّ العظيم وبحمده" كيف نفهم هذه العظمة؟ أيّ تصور عن هذه العظمة في قلبنا؟ ما هي هذه العظمة التي نعظّمها ونسبحها ونقدّسها؟ أين هو معدن العظمة ذلك، المقصود في هذا الدعاء: " هب لي كمال الانقطاع إليك" حتى يصل " إلى معدن العظمة"(6)؟ وما هو معدن العظمة؟ سبحان ربيّ العظيم، سبحان ربيّ الأعلى، إيّاك نعبد وإيّاك نستعين(7) هل لدينا أيّ انتباه إلى هذه المعاني وهذه المفاهيم العميقة، حصر العبودية لله، الاستعانة فقط بالله، تعليم القلب هذه المعارف، أداء الصلاة بهذه النوعية والجودة؟ حسنًا، يجب علينا أن نتمرّن ونتدرّب لفترة حتى نصل إلى تلك الحالات.

أعطوا الصلاة نوعية
بالتأكيد، أكثر الحاضرين، بحمد الله هم شباب وهذه الأعمال سهلة جداً في مرحلة الشباب. هذه الأعمال صعبة جداً في أعمارنا نحن. إن أردنا أن نبدأ بها في مثل أعمارنا، فإنها أعمال صعبة. في عمر الشباب هذه الأعمال سهلة جداً. امنحوا الصلاة هذه الجودة النوعية؛ أضيفوا عليها هذا اللون وهذا العطر؛ حينها ستُوجِد الصلاة رونقاً خاصاً في باطن الإنسان. وهذا  الرونق يرشح ويفيض على جميع الأشخاص الذين يتابعون صلاتنا ويصلّون معنا. هناك روايات في باب إمامة الجماعة بأن حسنات المأمومين وأوزارهم تقع على عاتق إمام الجماعة. والمقصود بهذا ليس تلك الأمور التي تُبطل الصلاة، بل هذه المفاهيم السامية. فإن كانت موجودة عنده فإنها سترشح منه وتفيض على المأمومين. على كل حال، هذه هي الصلاة. أن يكون لدينا داخل مجتمعنا_ في المجتمع الإسلامي_ أشخاص غرباء عن الصلاة فهذا أمر كبير جداً وبالغ الخطورة. يجب أن يكون مجتمعنا بشكل يذهب للصلاة كأمر محبوب ومرغوب*، وليس كتكليف يجب أن نؤديه كالخدمة الإجبارية، بل كأمر جذّاب ومشوّق.

حسنًا، يتشكل المسجد على محورية جوهر كهذا؛ إنه اجتماع يتحلّق حول حقيقة ساطعة كهذه. بناءً على هذا، المسجد يكتسب أهمية كبرى، إنه قاعدة (مقرّ)؛ كما صار رائجاً ومتداولاً في الكلام (الالسن) هو حقاً قاعدة. ليست قاعدة للمسائل الاجتماعية الفلانية فقط، بل يمكن للمسجد أن يكون قاعدة لكل الأعمال الصالحة والحسنة؛ قاعدة لبناء النفس، قاعدة لصناعة الإنسان، إصلاح القلب وإصلاح الدنيا ومواجهة العدو والأرضية اللازمة لبناء الحضارة الإسلامية وتقوية مصيرها وهلمّ جرّا. المسجد هو قاعدة كهذه.

إمام الصلاة؛ محور المسجد
بناءً على هذا، فإن إمامة الصلاة ليست المسؤولية الوحيدة لإمام الجماعة؛ إمامة الصلاة إحدى الأعمال. إقامة الصلاة وإقامة الحق والعدل وإقامة الدين وإبلاغ الأحكام الدينية، هي مسؤوليتنا بعنوان أئمة الصلاة وأئمة جماعة. أي إنّ إمام الجماعة هو محور المسجد، فإذا كان المسجد حول محور إمام الجماعة، فإن إحساس الإنسان سيتضاعف ويشتد.

أنا أتصور بأن إمامة المسجد هي من الأعمال الأساسية؛ عمل مهم؛ لا ينبغي النظر إليه بأنه عمل هامشي؛ أن نشتغل بأعمالنا اليومية وننجز متابعاتنا المختلفة، ثم نقوم بعدها وقت الظهر أو الغروب فنستعجل ونقع في زحمة السير ونصل متأخرين نصف ساعة أو ثلاثة أرباع الساعة بعد وقت الصلاةونقف هكذا لنصلي الجماعة، هذا استخفاف بحق المسجد. يجب اعتبار إمامة الصلاة عملًا مهمًّا وأساسًا. لا نقول بأننا إذا صرنا أئمة جماعة، ينبغي أن نعطل كل أعمالنا الأخرى؛ كلا، فالإنسان يمكنه بحسب طاقاته أن يتصدى لأعمال علمية أو غير علمية أخرى، لكن ينبغي عليه أن يؤدي حق المسجد. على الإمام أن يحضر إلى المسجد قبل دخول وقت الصلاة بكل طمأنينة وسكون نفس ليتجهزّ للصلاة ويؤديها بكيفية حسنة. وبعد إن كان لديه برنامج للكلام، فليستدر نحو الناس ويتكلم معهم، يبيّن لهم، بحمد الله فإن لديكم برامج متعددة في المساجد. في زماننا، في ذلك الزمان الذي كنتُ مثلاً أؤم صلاة جماعة في مشهد وأذهب إلى المسجد، لم تكن الكثير من الأعمال رائجة ولا متعارفًا عليها. لم يكونوا يعرفون أو لم نكن نعرف هذه الأعمال. كنا كلما قمنا بعمل، يُعتبر جديداً. اليوم وبحمد الله فإن هذه الأعمال رائجة؛ أن يقف إمام الجماعة بين الصلاتين أو يصعد إلى المنبر ويتحدّث إلى الناس أو مثلاً يُحضر لوحاً إلى المسجد فيكتب الأحاديث ويبيّن للناس، أو يجلس مع ا لشباب ويُشكل معهم حلقة معرفية، يبيّن لهم ويستمع إلى أسئلتهم. هذه الأعمال رائجة حالياً كما يشعر الإنسان من التقارير أو مما يسمعه أو يُنقل إليه. لم تكن هذه الأمور رائجة في ذلك الزمان. حيث كان أئمة الجماعة، غالباً ما يكتفون بالذهاب إلى المسجد والصلاة ثم الخروج من المسجد. قد يُجيب على بضعة مسائل شرعية، قد يُسأل أو لا يُسأل، لا شيء أكثر من هذا، أما الآن فهذه الأعمال رائجة بحمد الله. ويجب أن ترتقي نوعيتها يوماً بعد يوم.

القضية: اجتماع الناس حول محور الصلاة
بناءً على هذا، فالمسألة هي مسألة اجتماع الناس حول محور الصلاة ومحور الذكر بحسب رؤية الإسلام. هذه مسألة مهمة. وعليه فإذا تم القيام هنا بعمل اجتماعي، كأن يُقرر الناس مثلاً تأسيس تعاونية للفقراء أو التعاون في عمل خير، فإنه سيكون وبالالتفات إلى إقامة الصلاة والذكر، أمراً في سبيل الله وحول محور الصلاة. إذا جرت التعبئة في المسجد للانطلاق لمواجهة العدو، ستكون حركة جهاد في سبيل الله بناءً على أمر الله وعلى أساس الذكر لله. إذا وجد الناس أن من واجبهم القيام بأعمال ما في أمور المدينة والحي أو البعد الأمني مثلاً فإن هذا أيضاً سيكون حول محور ذكر الله.

إن من الابتكارات الهامة التي أبدعها إمامنا العظيم، من الفنون الكبرى لهذا الإنسان الكبير أنه ومنذ بداية الثورة جعل المساجد محوراً للحركة. في الأيام الأولى للثورة، أولئك الذين يتذكرون تلك الأوضاع، يعلمون أن كل شيء كان غير مرتب ولا واضح بعد: كان عليهم تجميع السلاح ونقله والحرص ألاّ يصل إلى أيدٍ غير أمينة؛ كان هناك حاجة لمركز للتنظيم، حاجة إلى نواة مركزية؛ وقد عيّن الإمام هذا المركز منذ تلك الأيام الأولى وحتى قبل إعلان انتصار الثورة: المساجد. كل من يحصل على السلاح من أي مكان، يأخذه إلى المسجد. فيما بعد تم تشكيل تنظيم مسجدي عظيم وهو لجان الثورة، والتي بقيت لفترة طويلة تقوم بكل أعمال الثورة، وفي الحقيقة كانت تنجز كل أعمال البلاد. إن للمسجد مثل هذه الخاصية، بأنه قائم على أساس الذكر والنظرة الإلهية والتوجه الإلهي وما شابه. حسنًا، هذه نقطة وهي اجتماع الناس حول محور ذكر الله.

قاعدة للنشاطات ونواة للمقاومة
النقطة الثانية هي أن المسجد قاعدة لمختلف الأنشطة الاجتماعية؛ بمعنى أننا حين جمعنا الناس حول هذا المحور، فماذا نريد منهم؟ أحد الأمور التي نريدها أن يقوموا بالنشاطات الاجتماعية. على كل واحد في المجتمع الإسلامي واجب ومسؤولية، وينبغي أن يقوم بأعمال محددة، أعمال لتقدم المجتمع، ولأجل الأمة. إذًا، هذا محل ضخ الأفكار ونشر الواجبات المختلفة وتوجيه الناس نحو أعمال متنوعة. المسجد هو لأجل القيام بالنشاطات الاجتماعية وقاعدة للفعاليات الاجتماعية.

هناك مسألة أخرى حول المسجد وهو كونه نواة للمقاومة. حين يُقال مقاومة (تعبئة)، تنصرف الأذهان فوراً نحو المقاومة العسكرية والأمنية وأمثالها، نعم، بالطبع هذه مقاومة أيضاً. لكن الأعلى والأسمى منها هي المقاومة الثقافية. إذا ضعف السور والمتاريس الثقافية، سنخسر كل شيء. إني أقول لكم: اليوم وبعد مرور أكثر من 37 سنة على انتصار الثورة، فإن نوايا ودوافع العدو للتسلل واختراق السور الثقافي زادت وتضاعفت عن الأيام الأولى؛ ليس أنها لم تضعف فحسب، بل زاد بالتأكيد؛ كذلك الأساليب، أنتم تشاهدون: وسائل وأدوات الفضاء الافتراضي والإعلام والإعلانات والفضائيات وأمثالها؛ أي إنّ الدوافع قد تزايدت، أهداف حركتهم هي بالضبط ضد الرصيد الأصلي والنواة الأساسية لتأسيس النظام الإسلامي؛ أي الإيمان الديني، أمواج هجماتهم تستهدف إيمان الناس الديني. هم يواجهون الدولة الإسلامية والجمهورية الإسلامية وسياستها بسبب هذا الإيمان الديني؛ لأنهم يعلمون جيداً؛ أنه لولا الإيمان الديني، لما انتصرت هذه الثورة ولما وُجد هذا النظام، ولما ظهر هذا الزلزال الكبير الذي هزّ أركان (نظام) الهيمنة في العالم. إن الحركة الإسلامية، الثورة الإسلامية أحدث تزلزلاً في نظام السلطة (الهيمنة)، نعم، كان ثنائي الأقطاب وكان القطبان متعارضين، والوضع الآن كذلك أيضاً- فالقوى الكبرى مثل الذئاب التي ينتظر كل منها الفرصة المناسبة للانقضاض على منافسه، وهذا مما لا شك فيه- لكنهم جميعاً متفقون على أصل واحد واليوم هم أيضاً متفقون عليه وهو السعي لامتلاك القدرة والتسلط على الناس والشعوب الضعيفة والدول الضعيفة والجماعات المتعددة في العالم وعلى نهب مواردهم المالية والاقتصادية ومراكمة قدراتهم أكثر يوماً بعد يوم؛ هذا هو الهدف، وهو الهدف الذي يسعى إليه نظام التسلط والهيمنة وقد تعرّض لضربة عند قيام الثورة الإسلامية.

هدف نظام الهيمنة؛ إيمان الناس
أنتم تشاهدون اليوم في منطقة غرب آسيا- والتي أطلقوا عليها اسم الشرق الأوسط- كيف علقت القوى المادية الكبرى في العالم؛ أمريكا عالقة اليوم في رمال غرب آسيا. إن هؤلاء لديهم أهداف وأعمال ومقاصد في هذه المنطقة، جزء منها عبارة عن تقوية القاعدة الاستكبارية المتمثلة بالنظام الصهيوني في هذه المنطقة وجزء آخر عبارة عن السيطرة والتسلط على جميع مصادر ومعابر الطاقة في هذه المنطقة، وجعل الحكومات والدول تخضع لها وتسير تحت مظلتها، يستغلون إمكاناتها ويحكمون المنطقة، ولكنهم اليوم لا يستطيعون. ما الذي منعهم وحال دون تحقق أهدافهم؟ إنه الإسلام الثوري أو الثورة الإسلامية والتعبيران صحيحان- الإسلام الثوري صحيح وكذلك الثورة الإسلامية تعبير صحيح- وهو ما تبلور اليوم في نظام الجمهورية الإسلامية. هذا هو المانع من تحقق أهدافهم، لولا الإسلام، ولولا الإيمان بالله والإيمان بالمعارف الإسلامية، لولا هذا الالتزام والقيام بالواجبات والمسؤوليات الدينية، لكان نظام الجمهورية الإسلامية مثله مثل الآخرين، قد خضع لمظلة نظام الهيمنة هذا والقدرة الاستكبارية لأمريكا وغير أمريكا. تماماً كما خضع الآخرون. بناءً على هذا، فإن أهداف هجماتهم هي هذا الشيء الذي يُوجد هذا البناء الإسلامي، وهو الإيمان. لو لم يكن الإيمان الإسلامي موجوداً؛ لما كان بالإمكان إحداث تغيير في هذا البلد ومع ذلك النظام الذي جرّبناه وعانينا منه ودفعنا أثماناً من لحمنا وجلدنا وعظمنا بسبب ظلمه وفساده؛ إنه الإيمان الإسلامي حيث قام مرجع تقليد، مسدد بالتأييد الإلهي والهداية الإلهية، وبمعرفته بأصول الكفاح والعمل، فنزل إلى الميدان ووجّه إيمان الناس نحو ذلك الهدف السامي، فنزل الناس إلى الميدان، وعندما يحضر الناس في الميدان، فلن تستطيع أيّة قوة مادية أن تقوم بأي عمل في مقابلهم. الأساس هو حضور الناس وهذا ما حققه الإمام ببركة إيمان الناس، وبالاعتماد على إيمانهم هذا؛ لذلك فإن أمواج حملات العدو تستهدف إيمان الناس، إيمان الشباب.

حين أكرر أنا العبد القول بأن شباب اليوم، إن لم يكونوا متقدمين على شباب أول الثورة وزمن الحرب، فهم ليسوا أقل شأناً منهم- وأنا اعتقد أنهم متقدمون عليهم- وكذلك لأن الشباب الثوري اليوم صامد على رغم كل هذه الأساليب الإعلامية وكل هذه الألاعيب والوسائل المتنوعة لهدم قواعد الإيمان. إن لدينا، في المجال الثقافي وكذلك في المجالات السياسية والاجتماعية والفنية من الشباب المؤمن إلى ما شاء الله، نعم وبالتأكيد، هناك عدد من الشباب غير ملتزم ولا معتقد بتلك القيم، نحن نعلم هذا ولسنا غافلين عنه، لكن هذه الجماهير العظيمة من الشباب المؤمن، هي من معجزات الثورة. هذا الشباب اليوم؛ شباب يوجهون الرسائل لي أنا العبد- ليست رسالة واحدة أو اثنتين أو عشر، بل الكثير الكثير- يتوسّلون ويبكون بأن اسمحوا لنا بالذهاب للدفاع عن حرم أهل البيت ( عليهم السلام)، نريد أن نقاتل؛ أن نترك حياتنا السهلة وعائلاتنا وأولادنا. يكتبون الرسائل- رسائل ممزوجة بالدموع حقاً- بأننا نحن نستطيع استرضاء آبائنا وأمهاتنا، فقط اسمحوا لنا بالذهاب للحرب؛ هذا هو وضع الشباب اليوم. حسنًا، الأعداء يريدون القضاء على هذا الإيمان عند الشباب. هذا السور الثقافي هو لحفظ هذا الإيمان.

المسجد؛ قاعدة للحركة الثقافية
المسجد هو قاعدة كبرى للتعبئة الثقافية والحركة الثقافية؛ يجب أن نتعلم في المسجد أساليب العمل وماذا نفعل. أقول لكم أولاً: إن الكلام الذي تقولونه أنتم للمأمومين ولأهل مسجدكم، أكثر تأثيراً وفاعلية بدرجات من الكلام عبر التلفزيون وما شابه؛ قلنا هذا مراراً بأن اللقاء وجهاً لوجه والجلوس عن قرب بحيث تسري أنفاس المتكلم إلى المستمع، له تأثير مختلف جداً؛ هذا يتجلى فقط في اجتماعاتنا ولقاءاتنا؛ بالطبع ]هذا موجود[ في الإسلام بشكل عام وفي صلوات الجمعة وأمثالها، لكن هذا الأمر أبرز وأشدّ ظهوراً عند الشيعة. مجالس العزاء ومجالس الوعظ والخطابة واللقاءات المتنوعة هي أمور بالغة الأهمية؛ ينبغي عدم الاستخفاف بها، فهي مؤثرة أكثر من الفضاء الافتراضي وكذلك أكثر من الإذاعة والتلفزيون، لكن دائرتها محدودة؛ إذا عملت هذه السلسة العظيمة والتشكيلات الكبيرة بشكل جيد وشامل فإن تأثيراتها ستتفوق على كل تلك الوسائل الأخرى وستتمكنون من المحافظة على هؤلاء الشباب وهؤلاء المخاطبين بالمعنى الحقيقي للكلمة وتستطيعون تحصينه من هذه الميكروبات والفيروسات التي تُضخّ بشكل مستمر نحو هذا البلد وهذا النظام. بناءً على هذا، فالمسجد نواة المقاومة، غاية الأمر أنه مركز المقاومة بأنواعها المختلفة؛ المقاومة الثقافية والمقاومة السياسية وكذلك في الوقت المناسب المقاومة الأمنية والعسكرية؛ ولقد كانت المساجد هكذا دوماً.

هذه الإحصاءات التي ذكرها جناب الشيخ الحاج علي أكبري، بالغة الأهمية؛ حيث قال بأن 97% من شهدائنا كانوا من أهل المساجد- إذا ما تمّ البحث والتحقيق في هذه الإحصاءات- فهي كلام مهم جداً. من كل الفئات: طالب جامعي مسجدي، عامل مسجدي، تلميذ ثانوية مسجدي، تحرّكوا وانطلقوا من المسجد وتوجهوا نحو ميادين الحرب واضعين أرواحهم على أكفهم. التضحية بالنفس أمر سهل بالكلام " ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون"(8)، حسنًا، الإنسان يقول أنا أضحي بنفسي، ولكن عندما يواجه الموت بشكل عملي، يختلف الأمر، إنه صعب جداً. انطلق هؤلاء من المسجد وقدّموا أنفسهم في سبيل الله؛ نقطة التحرك هي المسجد؛ هذا كلام كبير ومهم جداً.

السياسة في قلب الثقافة
وعليه، فإن المسجد هو قاعدة المقاومة، وكذلك هو قاعدة نمو الأنشطة الثقافية والهداية الثقافية والبصيرة الثقافية؛ في قلب الثقافة هناك سياسة أيضاً، إني أقول لكم بأن السياسة لا تعني فقط أن يؤيد الإنسان زيدًا ويخالف عمرًا أو العكس؛ السياسة هي النظر إلى الحركة العامة للمجتمع، إلى أين نتجه حالياً؟ هل نتحرك نحو الأهداف المطلوبة أو أننا ابتعدنا وانحرفنا عنها؟ هذا هو المعنى الحقيقي للسياسة. وعندها ومن خلال هذه النظرة، يتضح تكليف الأفراد والشخصيات والمجموعات والأحزاب والتيارات، ونعرف: هل نحن نسير حالياً نحو العدالة الاجتماعية؟ هل نتحرك لجهة الاستقلال الديني الحقيقي؟ هل نسير نحو بناء الحضارة الإسلامية، أم نتحرك نحو التبعية للغرب ولأمريكا ونصبح متأثرين بحبائل وإنجازات الغرب الفاقدة للعمق والتعقّل؟ إنها مسألة بالغة الأهمية، بأن نحدد: إلى أين يتجه نمط حياتنا؟ إلى أيّة جهة يتم شده وجذبه؟ هذه النظرة هي نظرة سياسية تلاحظون أنها تنبع من الثقافة؛ بناءً على هذا، في قلب الثقافة، هناك سياسة أيضاً. يجب مشاهدة حوادث المجتمع وتحليلها بهذه النظرة. البعض عنده قصر نظر، فتراه يحصر كل شيء في محبة أو معاداة شخص ما. ما أهمية شخص أو تيار معين؟ يجب النظر والتأمل، يجب معرفة التيارات؛ غالباً إن الأشخاص الذين تزل أقدامهم وينحرفون هم هكذا.

في أيام الفتنة، في العام 88( الفتنة بعد انتخابات 2009م) وفي أوائل الأحداث، قمت أنا العبد بدعوة أحد زعماء الفتنة هؤلاء وقلت له: أيها السيد العزيز، إن هذا العمل الذي بدأتم وتتابعونه الآن، سيقع لاحقاً في يد الأجانب وسيستغل العدو هذه الأفعال؛ أنتم الآن في الظاهر داخل النظام، أنتم مع النظام وكما تقولون بأنكم تقومون باعتراضات مدنية- كالاعتراض على الانتخابات على سبيل المثال- ولكن هذا العمل سيجري استغلاله وتحريكه من قبل أعداء "أصل النظام"، لم يسمع كلامي؛ أي إنه لم يفهم ما كنا نقوله له؛ بالطبع فإن نظريتي أنا العبد قائمة على حسن الظن حين أقول بأنهم لم يفهموا، البعض يمكن أن يظنوا شيئاً آخر. دخلوا في تلك الأحداث، ثم شاهدتم ماذا خرج من داخل التحركات، أطلقوا شعار " الانتخابات ذريعة، أصل النظام هو المستهدف"، حسنًا، وأن نعذرهم الآن ونقول بأنهم مجموعة شباب طائش وقالوا بعض الترّهات، كلا، الأمر ليس هكذا. إذا نطق أحد تحت عباءتي ومظلتي بكلام وطرح أفكاراً أخالفها، يجب عليّ أن أخرجه من تحت مظلتي وعباءتي؛ يجب عليّ أن أعلن مخالفتي واعتراضي وإلاّ فإنه سيوضع في حسابي ومواقفي. كل الثقل والاعتبار الذي يملكه صاحب العباءة، سيكون دعماً وتأييداً لهذا الكلام. هذه هي الفكرة؛ النظر إلى المسائل والأحداث الحالية ينبغي أن يكون بهذا الشكل؛ هذا هو معنى البصيرة السياسية التي نطرحها دائماً؛ أن نفهم من هو هذا الشخص وإلى أين يأخذنا، إلى أين يدعونا، وإلى أي حد ستصل المسائل، هل نتحرك نحو الهداف الإسلامية؟ هل نسير يوماً بعد يوم نحو التدين المتزايد للمجتمع؟ أو أننا نتحرك، وكما يرغب العدو ويهدف، نحو المزيد من اللامبالاة؟ هل نتحرك نحو الانجذاب والوله أكثر فأكثر إلى الأقطاب المعادية للدين؟ هذه هي البصيرة السياسية. عندما نفهم هذا، عندها يتضح مع من يجب أن نكون، مع زيد أو عمرو، هل ندافع عن هذا أو ذاك؟ يجب فهم المسائل وإدراكها في ظل هذه النظرة الكلية والرؤية الشاملة. هذه مسألة أيضاً.

المسجد: صلاة الجماعة، وبابٌ مفتوح
هناك نقطة قد ذكرتها وكررتها مراراً، وهي أن المسجد يجب أن يبقى عامراً وفعالاً؛ حسنًا، بالالتفات إلى الإحصاءات التي ذُكرت، بحمد الله فإن الوضع جيد إلى حدّ ما، صار أفضل من السابق ولكن يجب أن تكتمل الحالة المطلوبة. ففي وقت الصلاة يجب أن يكون المسجد مفتوحاً، في أوقات الصلاة الثلاثة يجب (ينبغي) أن تُقام صلاة الجماعة؛ ينبغي أن يكون هذا أصلاً من أصول العمل. من الممكن وعلى سبيل المثال، أن لا أستطيع أنا العبد أن أذهب ثلاث مرّات في اليوم إلى المسجد، حسنًا، يجب أن أطلب من شخص آخر، لكي تُقام الصلاة جماعة في الأوقات الثلاثة في هذا المسجد. عندما يُفتح باب المسجد ما قبل الظهر لصلاة الظهر والعصر يجب أن يبقى مفتوحاً للمساء إلى ما بعد صلاة المغرب والعشاء؛ فلا ينبغي إقفال باب المسجد. سمعت سابقاً من البعض " بأننا دخلنا إلى طهران عند العصر، فأردنا أن نصلي الظهر والعصر، تجولنا وبحثنا كثيراً فلم نجد مسجداً مفتوحاً". بالطبع هذا الأمر منذ عدة سنوات؛ كلا! المسجد يجب أن يبقى مفتوحاً.

لا علمانية في الإسلام؛ المسجد قطب.
يُوجد مسألة أخرى وهي أن بعض المساجد – وخلافاً لما ذكرناه حتى الآن- يريدون فيها أن يبتعدوا بشكل كامل عن القضايا السياسية. يقول: أيها السيد لا تتدخل في السياسة، فقط قم بعملك. ماذا تعني "قم بعملك"، تعني أن تأتي وتصلي وتذهب، تقوم فقط بإمامة الجماعة. هذه هي العلمانية. العلمانية لا تعني مخالفة الدين، العلمانية هي أن لا يكون للدين أيّ ظهور وحضور إلاّ في المسائل الشخصية. فلا شأن للنظام الاجتماعي بالدين. نعم، كل شخص داخل النظام الاجتماعي المتنوع سواء الغربي أم الشرقي وما شابه يكون له علاقة شخصية وفي قلبه مع الله، هذا معنى العلمانية. وهذا ما يريده الأعداء؛ هذا هدف الأعداء. ذلك الدين الذي يحاربونه، والإيمان الذي يواجهونه، هو ذلك الإيمان الذي يؤدي إلى إيجاد نظام إسلامي ويجعل الإسلام قوياً مقتدراً؛ إنهم يُعارضون دينًا كهذا، إنهم يخافون من الإسلام، ولكن من أيّ إسلام؟ الإسلام الذي يتمتع بقدرة وقوة، الذي يمتلك أنظمة وقوانين ولديه سياسة وحكومة وجيش وقوات مسلحة، الإسلام الذي لديه قدرات علمية وإمكانات عالمية. إنهم يخافون هذا النوع من الإسلام؛ وإلاّ فإنهم لا يخافون ويعارضون إسلاماً، حتى ولو كان لديه مليون مناصر ومؤيد في التيار الفلاني أو الحزب الفلاني في زاوية بلد ما ولكن ليس لديه قدرة، فهؤلاء لا يخافون إسلامًا كهذا. في وضع كهذا، وإذ نأتي بأنفسنا إلى الإسلام في مراكزه الأصلية وهي المساجد فنبعده عن قضايا المجتمع ونصرفه عن المسائل السياسية وعن مصير ومسير المجتمع بشكل كامل؟ إن هذا جفاء كبير في حق المسجد.

الشباب والمسجد، جذب القلوب
يُوجد نقطة أخرى وهي أنه يجب إيجاد مكانة خاصة وموقعية مميزة للشباب في المساجد؛ أيّ إنّه يجب التخطيط والبرمجة بشكل جدي لجذب الشباب. وهذا لا يعني أننا نخالف حضور الكهول وكبار السن في المساجد؛ كلا، على المؤمنين جميعاً ارتياد المساجد وإعمارها والتزوّد منها. ولكن يجب جذب الشباب إلى المسجد؛ أن يعتبر الشباب بأن المسجد هو بيته ومركزه، أن يشعر بالأنس بالمسجد ويتردّد إليه بشكل دائم، فإن لهذا الأمر بركات وفيرة. إن الشباب هم الذين يقومون بإنجاز الأعمال في المجتمع، الشباب هم روّاد الحركات الاجتماعية، هم الذين يعملون ويجدّون ويجتهدون. جذب الشباب وعلى خلاف ما يتصور البعض، ليس بوضع طاولة كرة مضرب (بينغ بونغ) هناك! يظن البعض بأنه ولأجل جذب الشباب واستقطابهم للمسجد، يجب علينا أن نوّفر لهم أدوات التسلية والترفيه؛ مثل ذلك الأسلوب الذي كان يحصل في إحدى الكنائس الأمريكية والذي ذكره كاتب مصري، حيث يقول: كنت أتمشى فشاهدت إعلاناً أمام الكنيسة، بأنه في هذه الليلة وفي الساعة المحددة في الصالة المحاذية للكنيسة ، مقابل المحراب، هناك برنامج رقص وغناء وموسيقى ويتم تقديم عشاء خفيف وسهرة أنس وما شابه. يقول ذلك الكاتب المصري، أثارت الدعوة فضولي فذهبت في الوقت المعين، فوجدت الوضع كما في الإعلان: صالة بالقرب من صالة الكنيسة تشبه " الكاباريه"؛ يأتي الشباب والفتيات والرجال والنساء في مقتبل العمر، يتفرجون والشباب والبنات هم أبطال الحلبة ويستمعون للموسيقى والغناء ثم يرقصون معاً. وفي آخر السهرة قام الراهب أيضاً، وخفف من نور المصابيح كي يصبح الجو معتماً قليلاً ويتحول إلى جو حميمي خاص(9). يقول خرجت وفي اليوم التالي أتيت إلى الكنيسة وقلت لذلك الراهب: أنا كنت بالأمس في سهرتكم، ما معنى هذا الذي تقومون به؟ قال الراهب: نحن نريد جذب الشباب! نحن نعمل على الشباب!. إذا كان من المقرر جذب الشباب بالرقص والغناء والموسيقى وما شابه، حسنًا، الكاباريهات موجودة، لماذا يأتون إلى هنا؟.

إن طريق استقطاب الشباب هو جذب قلوبهم. قلوب الشباب عجيبة وأوضاعهم مدهشة جداً. إن توجّه وانجذاب الشباب للمعنويات هو من الأسرار الإلهية الكبرى. إذا ذُكر كلام روحي معنوي لأمثالي أنا العبد، حسنًا، أستمع إليه، وفي أحسن الأحوال أتأثر قليلاً، لكن الكلام نفسه إذا قيل لشاب، فإن ذلك الشاب سينقلب ويتحول من حال إلى حال. قلب الشاب متقبل للحقيقة، قلب الشاب قريب للفطرة الإلهية؛ }فطرة الله التي فطر الناس عليها{(10). قلب الشاب يأنس بالنصائح والأمور المعنوية والسلوكية والعرفانية، يستأنس بسرعة؛ يعشق ويتعلق بسرعة؛ هذا ما يجذب الشباب، امزجوا كلامكم وأعمالكم بالمعنويات والعرفان الحقيقي، وليس بأنواع العرفان الخيالية والوهمية والشكلية، سترون كيف ينجذب الشباب ويأتون، جذب الشباب بهذه المسائل. وإلاّ فإن وضعنا أدوات للعب، لا يفيد، إن كان مقرراً أن يمارسوا هذه اللعبة فليذهبوا إلى النوادي ويقوموا بهذا ]هناك[.

تاريخ وذكريات المسجد
وكذلك هناك نقطة أذكرها لكم، إن مساجدنا اليوم، وهو لأمر جميل وحسن في ظل نظام الجمهورية الإسلامية، غالباً ما يعود تاريخ بنائها إلى أكثر من ثلاثين أو أربعين سنة، لديها تاريخ عريق وجميل وجدير بالمعرفة؛ أغلبها هكذا. في هذه المساجد جاء علماء وأئمة جماعات، كان لهم حضورهم وذكرياتهم وقصصهم، كان المؤمنون يرتادون هذه المساجد، هناك شباب كثر تربّوا فيها، وقاموا بأعمال التعبئة، هذه المساجد قدّمت شهداء، وجثامين الشهداء عادت لتشيّع في هذه المساجد؛ هذا تاريخ، هذه حكاية جذابة لمسجد، يجب حفظ هذه القصص والحكايات. كل مسجد من هذه المساجد، يمكنه أن يكون مجالاً لقصص حقيقية جذّابة ومليئة بالدروس والعبر لكل الأشخاص الذين يترددون الآن إلى المسجد ولمن سيأتي غداً وفي المستقبل إلى هذا المسجد؛ يمكن تدوين وإخراج هذه الذكريات في أشكال وقوالب متعددة- على شكل كتاب، مقالات في مجلات، صور، "فيديو كليب"-؛ كل هذه الأعمال والقصص يمكن أن يتم عرضها وتبيينها. كم من هذه المساجد ربّت في أحضانها شهداءً معروفين، نشأوا فيها وخرجوا منها ليستشهدوا في سبيل الله؛ يجب علينا حفظ هذا التاريخ.

يوم المسجد؛ ذكرى المسجد الأقصى
ولا ننس بأن "يوم المسجد" بالأصل هو يوم ثوري؛ أي إنّ تعيّن هذا اليوم وجعله يوماً للمسجد والذي تم بطلب ومتابعة الجمهورية الإسلامية وتم إقراره في منظمة المؤتمر الإسلامي باسم "يوم المسجد"، وقد جُعل في ذكرى إحراق المسجد الأقصى؛ ولمواجهة العدو الصهيوني؛ إن هذا اليوم نشأ على هذا الأساس؛ فانظروا إلى اليوم المسجد بهذه النظرة والرؤية واجعلوا الحركة في هذا المسار.

إنني أقول لكم، على الرغم من هذه الأعمال العدوانية التي تجري اليوم- ونحن طبعاً لدينا اطلاع واسع جداً على ما يقومون به حالياً؛ سواء في المجالات الصلبة أو نصف صلبة أو في المجالات الناعمة؛ وما يقومون به بشكل واضح علني وما يجري بالسر والخفاء؛ هناك أعمال كثيرة تجري ضد نظام الجمهورية الإسلامية بأشكال مختلفة- هذه الكلمة الطيبة حقاً "كشجرةٍ طيبةٍ أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء"(11) أي إن نظام الجمهورية الإسلامية يقوى ويشتدّ متانة وصلابة يوماً بعد يوم. بحمد الله فإنه تعالى قد أتمّ أفضاله علينا، يجب أن نكون شاكرين، يجب أن نعرف قدر وقيمة هذه النعمة الإلهية وأن نسير للأمام وكلنا أمل إن شاء الله. حين أنظر إلى جمعكم أيها الإخوة الأعزاء الحاضرين هنا، أشعر بأن مستقبل المساجد إن شاء الله سيكون أفضل بدرجات من الماضي. آمل أن يشملكم الله جميعاً بلطفه وهدايته ورحمته.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1- في مستهل هذا اللقاء- الذي أقيم بمناسبة يوم المسجد العالمي- ألقى حجة الإسلام والمسلمين محمد جواد حاج علي أكبري (رئيس مركز متابعة شؤون المساجد) تقريراً حول عمل المركز ووضع المساجد.
2- من جملتها، وسائل الشيعة، ج23، كتاب الإيمان، ص 243.
3- الكافي، ج 3، ص 265.
4- سورة العنكبوت، جزء من الآية 45.
5- الكافي، ج 2، ص 286، كتاب الدعاء.
6- إقبال الأعمال، ج2، ص 687، الباب التاسع.
7- سورة الحمد، الآية الخامسة.
8- سورة آل عمران، الآية 143.
9- علا ضحك الحضور.
10- سورة مريم، جزء من الآية 30.
11- سورة إبراهيم، جزء من الآية 24.
 

2017-01-12