يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه وفوداً شعبية من مختلف المناطق

2016

كلمة الإمام الخامنئي(حفظه الله) في لقائه وفوداً شعبية من مختلف المناطق

عدد الزوار: 14

كلمة الإمام الخامنئي(حفظه الله) في لقائه وفوداً شعبية من مختلف المناطق_01/08/2016

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفی محمّد، وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، لا سیّما بقیّة الله في الأرضین.

أرحّب بكم أجمل ترحيب أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، حيث تحملتم عناء السفر من مختلف محافظات البلاد ومن مناطق بعيدة، وتفضّلتم بالمجيء إلى هنا، ونشرتم اليوم في هذه الحسينية عطر أسماء الشهداء وذكراهم وأريج الروح الثورية.

الآيات ... مصدر نزول الرحمة
 أشكر هؤلاء الإخوة الأعزاء الذين أنشدوا نشيداً وقرأوا القرآن بصورة جماعية. علماً بأن الجلسة كان فيها همهمات، ولم تصل تلاوة هؤلاء الإخوة الأحباء الجميلة جداً إلى مسامع البعض، وحُرمتم من التمتع بها، ولكنني استمعتُ إليها بدقة واستفدتُ منها. إن آيات القرآن الكريمة وكلمات القرآن، إذا ما تُليت وقُرئت في أي مكان وفي أي زمان، فهي مصدر لنزول الروحانية والمعنوية والبركة، ولا سيما هذه الآيات التي اختارها هؤلاء الأعزة، وهي آيات من سورة الأحزاب، التي تدلّ على نهج الأمة الإسلامية البيّن وصراطها المستقيم أثناء الأزمات العاصفة والتحديات الراهنة، وتنير دربها، وتبيّن لها سبيلها إذا ما ابتليت بالشدائد والصعاب في أي فترة وزمان - كالصعاب التي أشير إليها في هذه الآيات -. ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ(1). حينما يكون العهد والميثاق الذي قطعته القلوب المؤمنة مع الله صادقاً، فالأمور كلّها ستسير جيداً وتتقدم، والمشاكل كلها ستعالج وتحل. بالتأكيد يوجد في الحياة عقبات ومشاكل، ولا يوجد أيّ طريق معبَّد أمام أي شعب من الشعوب، بل إنّ عليهم بهممهم وجهودهم أن يشقّوا الطريق ويعبّدوه ويسيروا باتجاه أهدافهم المنشودة. هكذا تحركت الشعوب التي بلغت ذروة المعنوية والمدنية والرفاهية والسعادة. هذه هي الأمور التي تعلمنا إيّاها هذه الآيات.
 
التعبّد.. للنزول الى ساحة الحياة
حسناً، نحن على أعتاب شهر ذي القعدة، وهو أوّل الأشهر الـحُرُم. والحرام بمعنى الاحترام؛ أي الأشهر التي لها حرمتها عند ربّ الأرباب؛ ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ(2)، فقد جعل الله تعالى لهذه الأشهر الأربعة احتراماً وحرمة تفوق حرمة سائر الشهور، بحدود معينة من الأحكام التي تبيّن لنا في أيّ شيء وأمرٍ يتحقق هذا الاحترام. وعلى المسلمين أن يأخذوا الدورس من هذا التعليم الإلهي. فإن الشهر الحرام الذي هو الشهر الإلهي المحترم ــ على حدّ تعبير العارف الكبير المرحوم الحاج ميرزا علي القاضي (رضوان الله تعالى عليه) ــ من الأشهر الحرم الذي يجب على المسلمين أن يعدّوا أنفسهم فيها، من خلال زيادة التوجه إلى الله سبحانه وتعالى ومزيد من التعبّد للنزول إلى ساحات الحياة الحسّاسة والهامة. إنّ الواجب الملقى على عاتق الشعب الإيراني في الوقت الراهن - هذا الشعب العظيم والمرفوع الرأس - هو أن يحثّ الخطى للأمام ويمضي قُدماً في هذا الطريق المفعم بالفخر الذي اختاره، ويتحرك بكل قوة وسرعة وعزة وعنفوان.

إيران ... البلد الأنموذج
إن جلستنا اليوم جلسة خاصة، حيث اجتمعت فيها وفود من أبناء شعبنا الأعزاء من أطراف البلاد  الأربعة وعدد من محافظاتها، بدءاً من الجنوب الشرقي للبلاد إلى الشمال الغربي، من مختلف القوميات، من الفرس والأتراك والكرد والبلوش، وهذا له معناه، فهو يعني أن لإيران الموحّدة بقومياتها المختلفة والمتعددة، هدفاً واحداً ومسيراً واحداً. نعم، قد تختلف اللغات، وتتفاوت المذاهب، إلا أن أهداف الشعب العليا واحدة، فالجميع يريد تقديم إيران العزيزة للعالم كأنموذجٍ لبلدٍ إسلامي. وأنموذج البلد الإسلامي لا يعني أن ينصرف الناس كلهم فيه إلى الصلاة والصيام والدعاء والتوسّل. كلا، فهذا موجود وهو البعد المعنوي، ولكن إلى جانب هذه المعنويات، هناك التطوّر المادي، والتقدّم العلمي، وتنمية العدالة، والحدّ من الفروق الطبقيّة، والقضاء على نماذج الأرستقراطية وقممها. هذه هي خصائص المجتمع الإسلامي. وحينئذٍ في مثل هذا المجتمع، يشعر الناس بالسعادة والأمن والاستقرار والهدوء، ويتقدمون صوب أهدافهم العليا، يعبدون الله، ويكون التقدم الدنيوي أيضاً من نصيبهم، الشعب الإيراني يسعى لتحقيق مجتمع كهذا، هذا ما يريده الجميع، ولا فرق في ذلك بين شيعي وسني، ولا بين كرديّ وبلوشيّ وفارسيّ وتركيّ، فالكل ينشد هذا الهدف. وبهذا يكون المجتمع أنموذجاً، فإن أصبح أنموذجاً ومثالاً يُحتذى به، فإنّ الشعوب الإسلامية الأخرى ستجد طريقها أيضاً.

هذه هي مشكلتنا حالياً؛ فالاستكبار العالمي والاستعمار منذ قرنٍ أو قرنين، اعتبر مصلحته أن يفرّق بين الشعوب المسلمة. لماذا؟ لأنه في مثل هذه الحالة، سيتمكن من أن ينهب ثرواتهم، وأن يحول دون تحقيق حالات التقدم التي هي من حقهم، وأن يستغلهم. وقد وضعت القوى العالمية، بفضل العلم الذي اكتسبته والتقنية التي حصلت عليها والأسلحة التي صنعتها، هذا الهدف نُصب أعينها، ونجحت في تحقيقه ــ وللأسف ــ إلى حدّ كبير. وهذا هو السبب الذي دعانا منذ انطلاقة الثورة وحتى يومنا هذا إلى أن نمدّ دوماً يد الأخوّة والصداقة للشعوب المسلمة والحكومات الإسلامية، وأن ندعوهم للاتحاد والوحدة والصمود في وجه مؤامرات العدوّ.

أن نكون أنموذجاً، أكبر تبليغ للإسلام!
عندما يتمكّن الشعب الإيراني من بلوغ تلك النقطة التي تمكّنه من تقديم نفسه للعالم كشعبٍ مسلمٍ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، سيكون هذا أكبر تبليغ للإسلام، وستنحو الشعوب الأخرى حينها هذا المنحى نفسه، وسيؤدي ذلك إلى تشكيل الأمة الإسلامية الكبرى التي هي مدعاة للعزة ومصدر لترويج الإسلام في كل أنحاء العالم، ستتحقق في ذلك اليوم الحضارة والمدنيّة الإسلامية التي ننشدها، والتي تتمكّن من التغلب على المدنية المادية الغربية الـمُضلّة والفاسدة، هنا يتم التمهيد والمقدمة لذلك، وهو أن نتمكّن نحن الشعب الإيراني من التقدم لنكون أسوة وأنموذجًا. حسناً، على الجميع أن يشدّوا الهمة؛ على المسؤولين أن يشدّوا همتهم وكذلك على أبناء الشعب أن يشدّوا همّتهم. هذه القضية لا تتحقق خلال سنة أو سنتين، وإنما هي قضية طويلة المدى؛ تستغرق وقتاً طويلاً. إذا نظرتم وتأملتم في الحضارة الإسلامية، لوجدتم أنها وصلت لأوجها من الناحية العلمية في القرنين الرابع والخامس للهجرة، وسطعت في العالم الإسلامي حينها أسماء كبار العلماء والباحثين والفلاسفة والمفكرين والعلماء الماديين الذين استطاعوا أن ينقلوا العالم كله للأمام، حيث إنّ الكثير من حالات التقدم الغربية الحالية مرهونة لتلك الحركة. حسناً، بالطبع فإن حركتنا اليوم ستكون أسرع، وسنصل بشكل أسرع بإذن الله إلى النتيجة المطلوبة، ولكنها بالنهاية حركة تستلزم وقتًا.

يقفون مرغمين... نظام ندّ!
نحن قد حققنا تقدّماً جيداً خلال الأعوام الـ37 أو 38 التي مضت منذ بداية الثورة. في الواقع، إذا نظر المرء بعين الإنصاف لوجد أنّ إيران العميلة المتخلّفة المجهولة الذليلة الرازحة تحت وطأة أمريكا وبريطانيا، قد تبوّأت اليوم منزلة بحيث إن أمريكا وبريطانيا وغيرهما أخذوا يقفون بالصف، لعلّهم يتمكّنون من مصادرة الإمكانيات المتوافرة لدى الجمهورية الإسلامية في المنطقة بنحوٍ من الأنحاء، ولا يستطيعون ذلك. وهذا يعني التنامي المتزايد لعزة الإسلام وعزة النظام الإسلامي وإيران الإسلامية، بحيث إن أولئك الذين كانوا ينظرون إلى الشعوب وإلى شعب إيران بعين الحقارة والامتهان - كما في عهد الطاغوت - باتوا مرغمين اليوم على أن يواجهوا هذا النظام كندٍّ مقتدر. هذا هو التقدم العام للشعب، فقد تقدمنا في العلم، وتقدمنا في السياسة، وفي المجالات المتعددة المطلوبة من وجهة نظر الإسلام. من ناحية العدالة الاجتماعية اختلفت الأمور بين الحاضر والماضي، كالفرق بين السماء والأرض، وبالطبع فإنّ بيننا وبين تلك العدالة الإسلامية المنشودة مسافة بعيدة. للأسف، فإنّ مظاهر النزعة الأرستقراطية والكماليّات وبعض حالات الانحراف حالياً ليست بالقليلة في أوساط مجتمعنا، ولكن إذا ما قارنّا أوضاعنا بما كانت عليه قبل الثورة - أنتم الشباب لم تشهدوها، نحن الذين شهدنا فترة ما قبل الثورة- لوجدنا أن تقدم الشعب الإيراني والبلد الإسلامي هو تقدمٌ باهر بالمقارنة مع ما كان عليه في ذلك الوقت.

إذا أردنا أن نصل إلى مرحلة النموذج تلك، ما هو السبيل؟ ما أقوله في كلمتين:
إنّ السبيل هو الاتكاء على القدرات والطاقات الذاتية وإمكانيات الشعب الداخلية. فإن لدينا إمكانيات كبيرة، هذا الشعب لديه طاقات كبيرة وموارد كثيرة لم يتم استثمارها؛ والسبب أننا في سياسات الخطة التنموية أخذنا النمو بمعدّل 8% بعين الاعتبار، وقولنا بضرورة أن يصل معدّل النموّ في البلد على مدى هذه الخطة إلى 8%، يعود إلى الإمكانيات الهائلة المتاحة داخل البلد. علماً بأن البعض قال في أوائل الأمر إنه لا يمكن وصول معدّل النمو في المجالات الاقتصادية إلى هذه النسبة، وفيما بعد قال لنا المسؤولون أنفسهم: كلا. الصحيح ما كتبتموه، فإن النموّ بمعدّل ثمانية بالمئة أمرٌ ممكن، ولكن يحتاج إلى جهد، وإلى سياسة صحيحة، وإلى استراتيجية ذات تخطيط سليم، ولا يمكن تحقيق ذلك بالتكاسل والتقاعس عن العمل والاتكال على الآخرين، بل لا بد من التقدم إلى الأمام بخطة مبرمجة. وهذا يعود إلى إمكانيات البلد؛ فهي إمكانيات وموارد كبرى؛ إن أكثر من 30% من سكّاننا البالغ عددهم نحو ثمانين مليون نسمة، تتراوح أعمارهم ما بين 20 و35 سنة، أي إنّهم في عنفوان الشباب؛ الشباب مظهر الحركة والحيوية والنشاط. إن لدينا هذه النسبة المرتفعة من الشباب في البلد، من بين هؤلاء الشباب، الملايين من المتعلمين والمتخرجين والمتخصصين وذوي الإبداع والابتكار. لقد قمنا بتأسيس بنى تحتية كثيرة جداً ومؤثرة وفاعلة للغاية على مدى هذه الأعوام السبعة والثلاثين -وقولي نحن أسسنا أي إن مسؤولي البلاد هم الذين أسسوا، وأنا العبد لا أقوم بعمل يُذكر- فكلّ شيءٍ مُعدٌّ وجاهز للتحرك والتقدم.
حسنًا، هذا التقدّم قد تم إنجازه والحمد لله. قارنوا بين الأعوام الثلاثين التي تلت انتصار الثورة الإسلامية، وبين السنوات الثلاثين التي شهدها عدد من البلدان التي لا أريد ذكر أسمائها. فقد عاشت بعض الدول ثلاثين عاماً تحت وطأة النفوذ الأمريكي، بل وحتى كانت تقبض الأموال والنقود من أمريكا؛ أي كانت تتقاضى سنوياً مئات الملايين أو مليارات الدولارات، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ تبيّن بعد ثلاثين سنة بحسب الإحصائيات أن هناك في عاصمة ذلك البلد مليوني إنسان مشرّد يعيشون في المقابر. هذه هي نتيجة النفوذ الأمريكي والهيمنة الأمريكية على أي بلد. إذاً فالأمر المهم، هو الاتكاء على الطاقات الذاتية.
 
لا يمكن الوثوق بالعدو!
إنّ العدوّ يضع الموانع والعراقيل أحياناً. نعم, يحكم العقل بأن يسعى الإنسان لإزالتها بالتدبير والحكمة، ولكن لا يمكن الوثوق بالعدوّ؛ هذه المفاوضات النووية والاتفاق النووي "برجام" شاهد على ذلك، حيث نجد اليوم أن المسؤولين في جهازنا الدبلوماسي، وأولئك الذين خاضوا معترك المفاوضات منذ البداية وحتى النهاية بأنفسهم، يقولون إنّ أمريكا نقضت عهدها، فمن وراء ظاهرها الهادئ وكلام مسؤوليها ووزير خارجيتها المعسول، تقوم بتخريب الاتفاق ومنع إقامة علاقات اقتصادية بين إيران وبلدان العالم الأخرى، وهذا ما بات يصرح به القائمون على الاتفاق النووي أنفسهم. وهو بالطبع كلامٌ لطالما كرّرتُه باستمرار خلال العام الماضي وأكثر، أنه لا يمكن الثقة بالأمريكيين - وقد صعب على البعض تقبّل كلامي -ولكن مسؤولينا اليوم يقولونه. ففي الأسبوع الماضي، اجتمع فريقنا المفاوض المحترم مع نظرائه في أوروبا، وطالبوهم بهذا الكلام، من دون أن يكون للطرف المقابل جواب. حيث قال [فريقنا]لهم: "إنّكم نقضتم هذا العهد، وارتكبتم هذه المخالفة، وامتنعتم عن أداء هذا العمل الذي كان عليكم إنجازه، ولعبتم هذا الدور الهدّام من الخلف"؛ ولكن لا جواب ولا ردّ!.

الاتفاق النووي كَلَا اتفاق!
لقد مضى على إبرام الاتفاق النووي ستة أشهر، من دون أن يترك أي تأثير محسوس وملموس على واقع معيشة الناس، والحال أنّ الاتفاق أساساً كان من أجل إزالة العقوبات ورفع قرارات الحظر الظالمة. ألم يكن كذلك؟ ولكنها ما زالت قائمة. وراحوا يقولون اليوم إنّ الأمور ستصلح بالتدريج شيئاً فشيئاً! ولكن هل كان الكلام يدور حول التدريج؟ ففي ذلك اليوم، كان المسؤولون يقولون لنا وللناس أيضاً، إنّ المقرّر في هذه المفاوضات أن تُزال جميع قرارات الحظر دفعة واحدة، إذا ما نفّذت إيران تعهّداتها، وأن يرتفع ذلك المانع الذي وضعته أمريكا في طريق الشعب الإيراني ظلماً وخُبثاً، والآن قد مرّ على ذلك الموعد ستة أشهر من دون أن تتم إزالتها. فهل تعتبر ستة أشهر لبلد يبلغ عدد سكانه ثمانين مليون نسمة، فترة قصيرة؟ وكم من عملٍ كانت تستطيع الحكومة المحترمة إنجازه خلال هذه الأشهر الستة لولا تلك الممارسات الأمريكية الخبيثة؟

لقد أصبح هذا الاتفاق النووي أنموذجاً وتجربة لنا. وسبق أن ذكرت في خطابٍ عام، قبل سنة أو سنة ونصف - ولا أذكر التاريخ بالتحديد(3) - أنّ الاتفاق النووي "برجام" والمفاوضات النووية ستمثّل بالنسبة لنا أنموذجاً، من أجل أن نرى ماذا سيفعل الأمريكيون؟ فإن هؤلاء الذين يتحدثون الآن بلسان ليّنٍ معسول، ويبعثون بالرسائل أحياناً، ويعبّرون عن محبتهم وتضامنهم، ويتكلّمون مع المسؤولين الإيرانيين في الاجتماعات الاستشارية والمفاوضات بلغة اللين والمداهنة، فلننظر ماذا سيفعلون في مقام العمل؟ واليوم قد تبيّن ماذا يفعلون عملياً! حيث يَعِدون في الظاهر، ويتحدثون بلسان ناعم، ولكنهم يتآمرون في الواقع، ويهدمون، ويقفون حائلاً أمام تقدّم الأمور. هذه هي حقيقة أمريكا، وهذه هي التجربة. واليوم أخذ الأمريكيون يطالبوننا بالتفاوض معهم حول القضايا الإقليمية! غير أنّ هذه التجربة كشفت لنا أن هذا الأمر بالنسبة إلينا سمٌّ مُهلك.

لا ثقة بهم!.. فليركضوا وراءكم
أثبتت لنا  هذه التجربة أنه لا يمكننا الاجتماع والتفاوض مع أمريكا كطرفٍ يمكن الوثوق به في أي قضية.

أحياناً ما يتفاوض الإنسان مع العدوّ، ولكنه العدوّ الذي يلتزم بكلمته، ويستطيع المرء أن يثق به، فلا يتذرّع بأي ذريعة لنكث وعوده ونقض عهوده؛ فهذا عدوٌ يمكن إجراء المحادثات معه، ولكن إذا ثبت أن العدوّ غدّار، لا يعبأ أبداً بنكث العهود والمواثيق، ويرتكب هذا الفعل عملياً، وإذا ما سألناه: لِـمَ فعلت ذلك؟ يبتسم ثانية، ويتشدّق بالكلام المعسول مرة أخرى، ويأخذ بالتبرير. لا يمكن التفاوض معه. وهذا هو السبب الذي دعاني لسنوات إلى تكرار هذه المسألة: إننا لا نتفاوض مع أمريكا. ولهذا دلالة على أن المشاكل التي نعاني منها في هذه القضية، وفي الشؤون الإقليمية، وفي الأمور المختلفة، وفيما يخص أمريكا وأمثال أمريكا، لا تعالج بالتفاوض، بل علينا أن نختار طريقنا بأنفسنا، وأن نواصل ذلك الطريق، اجعلوا العدو يركض وراءكم، دعوه يجري وراءكم.

"أمريكا الشيطان الأكبر": تعبير مميّز ودقيق
إنّ المسؤولين في القطاع السياسي والدبلوماسي عندنا يصرّحون بأن هدف الأمريكيين هو الحصول على كل شيء، من دون تقديم أيّ شيء! فلو تراجعتم خطوة، لتقدّموا خطوة. وهذا هو السبب في كل تأكيدنا على عدم التفاوض، رغم أن البعض يقول إنّه لا إشكال في ذلك! ولكنّ إشكال المفاوضات يكمن في أنها تحرفكم عن المسير الصحيح، وتحصل على مكاسب وتنازلات منكم - فإن معنى المفاوضات أن تقدّموا مكسباً وتحصلوا على مكسب آخر، وهي لا تعني الجلوس والسمر والتحادث والتحاور وتبادل الضحك والمزاح، وإنما تعني الأخذ والعطاء - وتأخذ أمريكا منكم ما يجب عليكم إعطاؤه، ولكنها لا تعطيكم ما يجب عليها إعطاؤه، بل تمارس لغة التسلط والقوة، وهذا هو معنى المستكبر وهذا هو الاستكبار العالمي، يعني التسلط والهيمنة، ويعني الاستعلاء على الآخرين، ويعني عدم اعتبار النفس ملزمة بشيء وعدم التعهد والالتزام بكلمته. هذا هو معنى الاستكبار الذي يخلف وعده. حسناً، لقد قالها إمامنا العظيم: أمريكا هي الشيطان الأكبر، وهو تعبير مميز ودقيق حقاً.

إن الله سبحانه وتعالى ينقل عن الشيطان قوله لأتباعه في يوم القيامة: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ(4). يقول الشيطان لأتباعه: لقد وعدكم الله وعداً صادقاً صحيحاً فلم تتّبعوه وتلتزموا بوعده، ووعدتُكم وعداً كاذباً فاتّبعتموني، ولكني أخلفت وعدي ونقضته.. هكذا يلوم الشيطان أتباعه في يوم القيامة. ثم يقول الله سبحانه وتعالى بعد ذلك عن لسان الشيطان مخاطباً إياهم: ﴿فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ. وهذا الأمر نفسه ينطبق تماماً اليوم على أمريكا. فالشيطان يتكلم بهذا الكلام في يوم القيامة، والأمريكيون يتحدثون اليوم بذلك في دار الدنيا، حيث يقطعون العهود ويخلفون ولا يعملون، ويأخذون المكاسب الحالية، ولا يعطون المكاسب المؤجلة. هذه هي حقيقة أمريكا. إذاً فلا ينبغي الثقة بالآخرين.

فليجتمع شبابنا الأعزاء ويتداولوا بهذه الكلمات والأفكار التي تدور في شأن قضايا البلاد وسياساتها العامة، فإنها ناجمة عن تجربة، وعن معرفة العدو ومعرفة الوضع والموقعية. وهي ليست من نمط الكلام الذي يُطلقه شخص ببساطة ومجادلة، لينهض آخر ويقوم إلى الردّ قائلاً: كلا، ليس الأمر على هذا النحو. فعلى الشباب الأعزاء أن يدققوا في هذه المسائل. وأمر جميل أن هناك في بلدنا الكثير من الشباب الذين يتحلون بالذكاء والفطنة والاستعداد، فليجتمعوا ويحلّلوا القضايا، وعندذاك سيتحدد الطريق بوضوح.

السبيل: الاستعداد، الإبداع والطاقات الذاتية
أين الطريق؟ هو ما ذكرناه: الاتكاء على الاستعداد الذاتي، وعلى الطاقات الداخلية في البلد، وعلى هؤلاء الشباب، وعلى الإبداعات التي يُنجزونها، والأعمال التي يتابعونها، والمعارف التي يكتسبونها، والعلوم المكتسبة التي يحوّلونها إلى تقنيات. فإن لدينا إمكانيات وقدرات هائلة. وتُفيد الإحصائيات التي جرت قبل عدة أعوام، بأن عندنا مئات الآلاف من الوحدات الإنتاجية الصغيرة، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية! ولطالما أكدّت خلال خطاباتي، وطالبتُ المسؤولين الأعزاء أن يولوا اهتمامهم في الشأن الاقتصادي بالوحدات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة. فإن لدينا في البلد مئات الآلاف من هذه الوحدات، التي يجب إحياؤها، لتوفّر فرص العمل، وتوجد الإبداع والابتكار.

الاقتصاد المبني على المعرفة
كما ونؤكّد على قضية الاقتصاد المبنيّ على المعرفة، وعلى هذه الأنشطة الهامة التي انطلقت منذ عدة سنوات في البلد ولحسن الحظ، ولكن لا بد من توسيعها وتنميتها. ونشدّد أيضاً على الإنتاج المحلي. فإني أؤكّد كل هذا التأكيد على استهلاك المنتجات الداخلية. وأقولها اليوم أيضاً لكم ولأبناء شعبنا الأعزاء: عليكم بشراء واستخدام المنتجات المحلية، والعمل على تشجيع العامل الإيراني، وترويج المنتجات الإيرانية، ولكنّ المؤسف أن واقع الأمر ليست هكذا حالياً. في القطاعات والمجالات المتعددة - كالأدوات المنزلية على سبيل الفرض - نجد المعامل والمصانع الداخلية تمارس عملها، وتُنتج بضائع مطلوبة وجيدة تضاهي البضائع الأجنبية، بل قد تفوقها جودة في بعض الأحيان، ولكن إذا ما جُلْتَ في الأسواق، تجدها مليئة بالسِّلَع الأجنبية! لماذا؟ من أين تأتي هذه السِّلَع؟ هذا هو سبب تأكيدي على الحؤول دون استيراد البضائع التي يوجد ما يماثلها في الداخل، وهو سبيل الحلّ.

وفي قضية التهريب أيضاً، قلتُ للمسؤولين بأنكم حين تقبضون على عصابة المهرّبين، وعلى البضائع المهرّبة الكبيرة التي قد يصل وزنها إلى آلاف الأطنان، أحرقوا هذه البضائع أمام أنظار الجميع، وسدّدوا ضربتكم للمهرّب، وللبضاعة التي لها مثيلها في الداخل. ومن الواضح أنه إذا دخلت البضائع الأجنبية - سواء من المداخل القانونية كالجمارك وأمثالها، أو عن طريق التهريب الموجود بكثرة وللأسف - فإنه سيؤدي إلى تجميد الإنتاج المحلي، وإذا جمد هذا القطاع، ستكون الأوضاع التي نشهدها اليوم هي السائدة، حيث يؤول إلى بطالة الشباب، وقلة فرص العمل، وسيادة الجمود والركود في البلد، وتفاقم أوضاع الناس المعيشية. فإن هذه ليست بالأمور التي يمكن معالجتها عبر إيجاد العلاقات مع أمريكا وأوروبا، وإنما يجب علينا أن نعالجها بأنفسنا، وهي واجبات في أعناقنا. هذا هو السبيل.

إنّ لدى البلد طاقات وإمكانيات كبيرة وطاقات إبداع كثيرة؛ بلدٌ يبلغ عدد سكانه ثمانين مليون نسمة - وبمقدوره أن يصل بالطبع إلى مئة وخمسين مليون نسمة أيضاً، وكما ذكرنا مراراً، سوف يعمل المسؤولون إن شاء الله على رفع الموانع أمام تزايد ظاهرة شبابية البلد المتوافرة اليوم والحمد لله، وعدم إيقاف الإنجاب، وعدم إصابة البلد بالشيخوخة تدريجياً وعلى مرّ الأعوام - فإن هذا البلد، بهذا العدد من السكان، وبهذه الطاقات، وبهذه الإمكانيات المتاحة في فصوله الأربعة، بوسعه أن يتقدم من الناحية المادية، وأن يعالج مشاكل الناس المعيشية، وهذا هو السبيل.

الحلّ في الاتكاء على الطاقات الداخلية
أنا العبد أفكر كثيراً في مسائل الناس المعيشية، وأحمل هاجساً كبيراً تجاه معيشة الناس، لكني كلما فكرت في هذا الموضوع، وقمت باستشارة الخبراء والمتخصصين بالأمر، أجد أنه لا سبيل  للحل إلا في الاتكاء بشكل حاسم على الطاقات الداخلية. فما الفائدة والنفع من توافد التجار الأجانب إلى بلادنا الذي لا ولم يُجدِ نفعاً حتى الآن؟ منذ سنة وهؤلاء يتردّدون على بلادنا باستمرار من دون أن يفعلوا شيئاً. ولو أرادوا فعل شيء، لكان ذلك هو السيطرة على الأسواق الإيرانية التي لا تؤدي إلا إلى ضررنا. فلا بد أن تكون نتيجة تردد هذه الوفود هي الاستثمار، وتفعيل الإنتاج، والتكنولوجيا الجديدة في المجالات التي نحتاجها فيها. هذه هي الثمرة المطلوبة، وهي إما مفقودة أو قليلة. وعلى المسؤولين المحترمين الالتزام بهذه الأمور ومتابعتها، وهذا هو المراد من قولنا: مبادرة وعمل، بالتأكيد فإن المسؤولين مشغولون ويقومون بأعمالهم، ولكن ينبغي أن تكون حصيلة هذه الأعمال محسوسة وملموسة لدى الناس إن شاء الله، وهذا هو السبيل.

بالطبع في مجال القضايا الثقافية والمعنوية فالكلام طويل، ولا نريد الآن الخوض في هذه المسائل والبحث فيها، ولا بد من تناولها في محلها. وإنما الكلام في القضايا الاقتصادية والمعيشية.
 
مكافحة الفساد؛ أهم الأمور!
إذا إردنا إصلاح معيشة الناس، ومعالجة المشاكل التي يعانون منها، والقضاء على الفوارق الطبقية، علينا الاهتمام بالأمور المشار إليها.

 من أهم هذه الأمور: مكافحة ومنع الفساد الداخلي الذي طُرح وذُكر في الآونة الأخيرة. وقد أعلن المسؤولون بصراحة والحمد لله، أنهم يقفون في وجه هذه المفاسد والمطامع وحالات الجشع والرواتب الباهظة - وهذا ما تم تنفيذه عملياً في بعض الأماكن والقطاعات والمؤسسات بحسب التقارير التي بلغتنا - ولا بد من اتساع دائرة هذه المكافحة ومتابعتها وعدم التخلي عنها، يجب الوقوف أمام الفساد ومواجهته.

يجب مواجهة النزعة الأرستقراطية؛ إنها من البلايا الحالّة على البلد. فإن سادت هذه النزعة في قمم المجتمع، فسترشح إلى القاعدة أيضاً، وعندها ستلاحظون أن الأسرة الفلانية التي لا تتمتع بوضعٍ معيشيٍّ مناسب، إذا ما أرادت تزويج ابنها أو ابنتها أو أرادت دعوة ضيوف إليها، ستضطر إلى التشبه بالأثرياء والنمط الأرستقراطي. فإن تبدّلت النزعة الأرستقراطية إلى ثقافة، يكون هذا هو الناتج. ولذا لا بد من مواجهة هذه النزعة ومنعها، ويجب أن تكون أفعال المسؤولين وأقوالهم وإرشاداتهم وأوامرهم على الضدّ من هذه الظاهرة، فإن الإسلام  ضد هذه النزعة الأرستقراطية.

هذا كلامي فيما يرتبط بقضايا البلد، وهذه هي النقاط التي دوماً ما طرحتها على المسؤولين وكذلك على أبناء الشعب فيما يخص الشؤون الاقتصادية، وهي أن نعتمد على أنفسنا، وأن نكتشف طاقاتنا، فقد تم اكتشاف المشاكل التي يعاني منها البلد، وكذلك سبل حلّها ومعالجتها، ولكن يحتاج هذا الحلّ إلى تخطيط وبرمجة وإلى حثّ الخطى نحو الأمام.

خيانة السعودية؛ خنجر في ظهر الأمّة!
وأما بالنسبة إلى القضايا الإقليمية، فقد أصبحت المنطقة في الوقت الراهن منطقة صاخبة متلاطمة، وإذا ما نظرنا بدقة، نجد بصمات أمريكا في قضايا هذه المنطقة. نعم، حين تقوم الحكومة السعودية بمغازلة الكيان الصهيوني علناً وتجاهر بزيارات الوفود، فهذا خنجر غُرز في ظهر الأمة الإسلامية. لا شك أن العمل الذي ارتكبه السعوديون - العلاقات المعلنة مع الكيان الصهيوني - هو الخنجر الذي طعن الأمة الإسلامية من الخلف حقاً؛ لقد ارتكب السعوديون خيانةً كبرى، إنهم مذنبون، لكن حتى في هذه المسألة فإن بصمات أمريكا واضحة. لقد اقترف النظام السعودي هذه الحماقة والخطيئة الكبرى لكونه تابعاً لأمريكا، ومسخّراً لها، ومؤتمراً بأوامرها، أمريكا مسؤولة عن هذا أيضاً.

تنحّ جانباً؛ لا تخن البشرية!!
أو ما تشاهدونه في اليمن من قصف متواصل حوالى سنة ونصف، فهل  هذا مزاح؟ حيث إنهم لا يستهدفون مراكزه العسكرية، بل الأسواق والمستشفيات وبيوت الناس والتجمّعات والساحات والمدارس، ويُمطرونها بالقنابل! فهل هذا بالأمر الهيّن؟ إنها جريمة عظمى. فلا يفهمون معنى شهر رمضان، ولا يراعون حرمة الشهر الحرام، ولا يراعون الأطفال، كل هذه المجازر بحق الأطفال، هذه أيضاً جرائم كبرى قد ارتكبتها الحكومة السعودية وللأسف، ولكن كل هذا بدعم وإسناد وضوء أخضر من أمريكا، وبالطائرات والأسلحة والمعدات الأمريكية، فإن الأمريكيين هم الذين زوّدوهم بكل هذه الإمكانيات. وحتى حين اعتزمت منظمة الأمم المتحدة- بعد عمر من الصمت وأرادت إطلاق كلمة حق وإدانة هذه الجرائم- أغلقوا فمها بالأموال والتهديد والضغوط. الأمين العامّ للأمم المتحدة البائس التعيس المسودّ الوجه هذا قام واعترف بهذه الضغوط وقال: لقد ضغطوا عليّ! ولكن، لو فرضوا عليك الضغوط ولم تتمكن من مواجهتها، تنحَّ عن العمل! لماذا تبقى وتخون البشرية؟ هذه خيانة للبشرية. وهنا أيضاً نجد اليد الأمريكية قد لعبت دورها.

وفي قضية البحرين أيضاً، حيث دخول قوات عسكرية أجنبية إلى هذا البلد لفرض الضغوط على الشعب البحريني، هي الأخرى تحقّقت بضوء أخضر من أمريكا. الحكومة السعودية في الوقت الراهن، حكومة تدار بيد أطفال لا يعقلون حقاً، غير أنّ الذي يراه الإنسان من مشاهدة المسائل وتحليلها بشكل دقيق، هو اليد الأمريكية والدعم الأمريكي.

«من يزرع الريح يحصد العاصفة»
وكذلك الحال في الجماعات التكفيرية. فرغم ادّعائهم اليوم بأنهم قد شكّلوا تحالفاً ضد التيارات التكفيرية - علماً بأنهم الآن لا يقومون بإجراء مؤثّر ضدّها، بل ويدعمونها أحياناً بحسب التقارير التي تصلنا - غير أن أمريكا هي التي أسست هذه الجماعات، وهذا ما اعترف به بعض المسؤولين الأمريكيين أيضاً قائلين بأننا دعمنا داعش، لإثارة الشقاق في صفوف الأمة الإسلامية، وترويج الإسلام الأموي والمرواني. فإن هذا الإسلام الوهابي والتكفيري هو الإسلام الأموي والمرواني بعينه، وهو الإسلام الذي يوجد بينه وبين الإسلام الحقيقي فرق ما بين الأرض والسماء، لقد شوّهوا سمعة الإسلام. وها هو اليوم عملهم وقد ارتدّ عليهم أيضاً، كما في الـمَثَل الشهير: «من يزرع الريح يحصد العاصفة»، حيث أخذوا اليوم يحصدون العواصف والأعاصير شيئاً فشيئاً، ولكنهم هم المقصّرون في ذلك، وهم الذين قاموا بهذا العمل.

والكلام نفسه يجري في سائر القضايا أيضاً. حيث تدّعي أمريكا بأنها تهدف إلى حلّ مشاكل المنطقة، ولكنّ الحقيقة عكس ذلك، فإنها هي التي تثير المشاكل أو تعمل على تصعيدها وتحول دون معالجتها. ولو كانت الأمور بيد شعوب المنطقة أنفسهم لقاموا بمعالجة هذه المسائل. ونحن نكرر وندعو مجدداً الحكومات الإسلامية والبلدان العربية المجاورة، ونطالبهم بضرورة أن يعرفوا بأنّ أمريكا لا يمكن الوثوق بها، وأنها تنظر إليهم كأداة لصيانة الكيان الصهيوني والحفاظ على نزعتها ومطامعها الاستكبارية في المنطقة، وأنها لا تكنّ لهم أيّ مودة واحترام، وإنما تستغل أموالهم، وتجنّد طاقاتهم لتحقيق أهدافها، ولإيجاد سور وحصن لحماية الكيان الصهيوني، ولحفظ أهدافها الاستكبارية في المنطقة.. هذه هي الأعمال التي تقوم بها.

والسبيل لمعالجة القضايا الإقليمية باعتقادنا هو الاتحاد بين الشعوب المسلمة والحكومات الإسلامية، والوقوف بثبات أمام الأهداف الاستكبارية والأمريكية وبعض الدول الأوروبية التي لطّخت سمعتها بيدها بسبب تبعيّتها لأمريكا وأسقطت نفسها من أعين شعوب المنطقة. فإن بعض البلدان الأوروبية كانت تحظى باحترام حتى في أوساط شعبنا الإيراني أيضاً، ولكنهم هم الذين فضحوا أنفسهم باتّباعهم لأمريكا. فلا بد من معرفة أهدافهم والعمل على مواجهتها. وهذا بمقدور الشعوب إنجازه، وها هو شعبنا صامد بالتأكيد.

أمريكا إلى مزيدٍ من الضعف والوهن
وأقولها لكم: على الرغم من كل هذه الأقوال والتفاصيل، فإن أمريكا سائرة إلى مزيد من الضعف والوهن في المنطقة يوماً بعد آخر، لقد انكشفت مخطّطاتها، وتبيّن أنها تسعى للتدخّل في شؤون البلدان المختلفة. وليس الأمر بأنها تعادينا فقط، وتصادق الآخرين. كلا، فقد شاهدتم ما جرى في تركيا، ورغم أن الأمر لم يتم إثباته حتى الآن باعتقادنا، ولكن هناك اتهام قوي بأن الانقلاب الذي حدث في هذا البلد قد تم تنفيذه بتدبير أمريكي، ولو ثبت ذلك فإنها فضيحة كبرى لأمريكا. فإن الحكومة التركية كانت لها علاقات جيدة وقوية مع أمريكا، وعلى حدّ تعبيرها كانت حليفاً إقليمياً لها، ولكن رغم هذا فإن أمريكا لم تكن على استعداد حتى للانسجام والصدق مع تركيا، لما فيها من توجهات إسلامية، فهي تعادي الإسلام، وتناهض النزعة الإسلامية، ولذلك قامت بتدبير هذا الانقلاب العسكري في ذلك البلد، علماً بأنه قُمع، وباء بالفشل، وأصبحت الإدارة الأمريكية مكروهة في أنظار الشعب التركي، وفي سائر المناطق أيضاً؛ في العراق وسوريا وغيرهما، وهي آيلة إلى الضعف المتزايد يوماً بعد آخر والحمد لله.

ولو أننا نحن الشعب الإيراني نظرنا إلى ما وعده الله سبحانه وتعالى نظرة تفاؤل، ومهّدنا السبيل لذلك، لتعالجت المشاكل. فقد قال الله: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ(5)؛ فإذا ما نصرتم دين الله وقوّيتم الدوافع الإلهية، فإن الله سينصركم لا محالة، ومن ينصره الله تعالى، لا يمكن لأي مخلوق في العالم أن يضعفه، بل سيزداد قوة ويحقق مزيداً من النصر يوماً بعد آخر.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر الشعب الإيراني في جميع الساحات- الساحات الأمنية والاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية والعلمية- وأن يمنّ عليكم أيها الشعب العزيز بمزيد من السعادة والتوفيق والنجاح.

والسلام‌ علیکم ورحمة الله وبرکاته


1- سورة الأحزاب، جزء من الآية 23
2- سورة التوبة، جزء من الآية 36
3- كلمة سماحته في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت (عليهم السلام) في ذكرى ولادة السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها ) 20-1-1394 ه ش
4- سورة إبراهيم (عليه السلام)، جزء من الآية 22
5- سورة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم )، جزء من الآية 7

2017-01-12