يتم التحميل...

الإنسان بأعماله يبني جنّته أو ناره!

فكر الإمام الخميني

إنّ ظاهر الحديث الذي ذكرناه عندما يقول: "عمّرتم الدنيا وأخربتم الآخرة هو أنّ دار الآخرة والجنّة مشيدة وقائمة وإنّما تتهدّم بأعمالنا".

عدد الزوار: 26

إنّ ظاهر الحديث الذي ذكرناه عندما يقول: "عمّرتم الدنيا وأخربتم الآخرة هو أنّ دار الآخرة والجنّة مشيدة وقائمة وإنّما تتهدّم بأعمالنا".

ومن الواضح أنّ المقصود - من قوله عمـرّتم الدنيا وأخربتم الآخرة - هو التشابه في التعبير، فإنّه لما عـبّر عن الدنيا بالتعمير عـبّر عن دار الآخرة بالتخريب.

وإنّ عالم الجنّة والنار وإن كانا مخلوقين، ولكن إعمار دار الجنّة وموادّ بناء جهنّم تابعة لأعمال أهلها، ففي رواية أنّ أرض الجنّة جرداء وموادّ بنائها هي أعمال بني الإنسان نفسها. وهذا يتطابق مع البرهان وكشف أهل المكاشفة.

كما يقول بعض العرفاء المحقّقين: "اعلم - عصمنا الله وإيّاك - أنّ جهنّم من أعظم المخلوقات، وهي سجن الله في الآخرة. وإنّما سُمّيت بجهنّم لبعد قعرها حيث يُقال للبئر البعيد الغور والعميق بئر جهنّم. وهي تحتوي على حرارة وزمهرير (أي البرودة) وتكون برودتها من أقصى درجات البرودة وحرارتها من أقصى درجات الحرارة، وتُعتبر المسافة بين أعلاها وأسفلها مسيرة سبعمائة وخمسين عاماً. والناس اختلفوا في أنّ جهنّم مخلوقة أم غير مخلوقة. أمّا عندنا وعند أصحابنا من أهل المكاشفة والمعرفة، فإنّ الجنّة وجهنّم مخلوقتان وغير مخلوقتين. أمّا أنّهما مخلوقتان فإنّ مثلهما مثل رجل بنى بيتاً وأقام الجدار الخارجي فصار يُقال له بيت. ولكن إذا دخلنا المنزل لم نجد شيئاً سوى سوره وحائطه الذييصون البيت من الخارج، ولكن بعد ذلك يشيد البيت حسب طلب الساكنين من بناء الغرف والمرافق والملاجئ وحسب هدف صاحب المنزل وما ينبغي أن يكون فيه"1.

وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "لمّا أُسري بي إلى السماء دخلتُ الجنّة فرأيتُ فيها قيعان ورأيتُ فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة وربما أمسكوا فقلتُ لهم: ما بالكم قد أمسكتم. فقالوا: تجيئنا النفقة. فقلتُ: وما نفقتكم؟ قالوا: قولالمؤمن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإذا قال بنينا وإذا سكت أمسكنا"2.

وخلاصة الحديث: أنّ صورة الجنّة وجهنّم الجسمانيّتين هي صور الأعمال والأفعال الحسنة والسيّئة لبني آدم، حيث ترجع إليهم في ذلك العالَم. كما أشارت إلى ذلك الآية الشريفة في قوله تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا 3. وقوله عليه السلام: "إنّما هي أعمالكم تردّ إليكم"4.

ومن الممكن أن يكون عالَم الجنّة وعالَم جهنّم نشأتين ودارين مستقلّين، يتحرّك إليهما بنو آدم بالحركة الجوهرية، والدوافع الملكوتية والحركات الإدارية العملية والخلقية، وإن كانت حظوظ كلّ واحد منهم نابعة من صور أعماله. وعلى أيّ حال فإنّ الجنّة هي عالم الملكوت الأعلى وهو عالَم مستقل تُساق إليه النفوس السعيدة، وجهنّم عالم الملكوت السفلي الذي تُساق إليه النفوس الشقيّة، وما يعود إلى الإنسان في كلتي النشأتين من الصور البهيّة الحسنة أو الصور المؤلمة المدهشة مردّه إلى أعمال الإنسان نفسه.

* الإمام الخميني قدس سره


1- محي الدين بن عربي، الفتوحات المكية، ج1، الفصل الأول، الباب 61.
2- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج18، ص292.
3- سورة الكهف، الآية 49.
4- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج3، ص90.

2016-11-25