يتم التحميل...

شروط مجاهدة النفس- 1 - التفكُّر

فكر الإمام الخميني

إنّ أول شروط مجاهدة النفس والسير باتجاه الحقّ تعالى، هو التفكّر. والتفكّر في هذا المقام أن يُفكّر الإنسان بعض الوقت كيف أنّ مولاه خلقه في هذه الدنيا،

عدد الزوار: 59

إنّ أول شروط مجاهدة النفس والسير باتجاه الحقّ تعالى، هو التفكّر. والتفكّر في هذا المقام أن يُفكّر الإنسان بعض الوقت كيف أنّ مولاه خلقه في هذه الدنيا، وهيّأ له كلّ أسباب الدعة والراحة، ووهبه جسماً سليماً وقوى سالمة، لكلّ واحدة منها منافع تُحيّر الألباب، ورعاه وهيّأ له كلّ هذه السعة وأسباب النعمة والرحمة.

ومن جهة أخرى، أرسل له جميع هؤلاء الأنبياء، وأنزل كلّ هذه الكتب والرسالات، وأرشد ودعا إلى الهدى... فما هو واجبنا تجاه هذا المولى مالك الملوك؟!

هل أنّ وجود جميع هذه النعم، هو فقط لأجل هذه الحياة الحيوانية وإشباع الشهوات التي نشترك فيها مع الحيوانات، أم هناك هدفاً وغاية أخرى؟

هل أنّ الأنبياء الكرام، والأولياء العظام، والحكماء الكبار، وعلماء الأمّة الذين يدعون الناس إلى حكم العقل والشرع ويُحذّرونهم من الشهوات الحيوانية ومن هذه الدنيا البالية، عداءٌ ضدّ الناس أم أنهم كانوا مثلنا لا يعلمون طريق صلاحنا نحن المساكين المنغمسين في الشهوات؟!

إنّ الإنسان إذا فكّر للحظة واحدة، عرف أنّ الهدف من هذه النعم هو شيء آخر، وأنّ الغاية من هذا الخلق، أسمى وأعظم، وأنّ هذه الحياة الحيوانية ليست هي الغاية بحدّ ذاتها، وأنّ على الإنسان العاقل أن يفكر بنفسه، وأن يترحّم على حاله ونفسه المسكينة، ويُخاطبها:

أيّتها النفس الشقيّة التي قضيت سني عمرك الطويلة في الشهوات ولم يكن نصيبك سوى الحسرة والندامة، ابحثي عن الرحمة، واستحي من مالك الملوك، وسيري قليلاً في طريق الهدف الأساس المؤدّي إلى حياة الخلد والسعادة السرمدية، ولا تبيعي تلك السعادة بشهوات أيّام قليلة فانية، والتي لا تتحصّل حتى مع الصعوبات المضنية الشاقّة.

فكّري قليلاً في أحوال الدنيا، والسابقين، وتأمّلي متاعبهم وآلامهم كم هي أكبر بكثير من هنائهم، في نفس الوقت الذي لا يوجد فيه هناء وراحة لأيّ شخص.

إنّ ذلك الذي يكون على صورة إنسان ولكنّه من جنود الشيطان وأعوانه، والذي يدعوك إلى الشهوات، ويقول: يجب ضمان الحياة المادّية، تأمّل قليلاً في حاله واستنطقه، انظر هل هو راضٍ عن ظروفه، أم أنّه مبتلىً ويُريد أن يبلي مسكيناً آخر؟!

وعلى أيّ حال؛ فادعُ ربّك بعجز وتضرّع أن يُعينك على أداء واجباتك التي ينبغي أن تكون أساس العلاقة فيما بينك وبينه تعالى، والأمل أن يهديك هذا التفكير المقترن بنيّة مجاهدة الشيطان والنفس الأمّارة، إلى طريق آخر، وتوفّق للترقّي إلى منزلة أخرى من منازل المجاهدة.


* الإمام الخميني قدس سره جهاد النفس، ص6، مؤسسة نشر تراث الإمام الخميني قدس سره.

2016-09-28