يتم التحميل...

صعود يونس عليه السلام إلى السفينة

يونس عليه السلام

ووفق ما ورد في الرّوايات، فقد صعد يونس عليه السلام إلى السفينة، ثمّ إنّ حوتاً ضخماً وقف أمام السفينة، فاتحاً فمه وكأنّه يطلب الطعام،

عدد الزوار: 45

ووفق ما ورد في الرّوايات، فقد صعد يونس عليه السلام إلى السفينة، ثمّ إنّ حوتاً ضخماً وقف أمام السفينة، فاتحاً فمه وكأنّه يطلب الطعام، فقال ركاب السفينة أنّ هناك شخصاً مذنباً معنا يجب أن يكون طعام هذا الحوت، ولم يجدوا سبيلا سوى الإقتراع لتحديد الشخص الذي يرمى للحوت، وعندما إقترعوا خرج اسم يونس، وطبقاً للرواية فإنّهم اقترعوا ثلاث مرّات وفي كلّ مرّة كان يخرج اسم يونس عليه السلام، فأمسكوا بيونس وقذفوه في فم الحوت العظيم، وقد أشار القرآن المجيد في آية قصيرة إلى هذه الحادثة، قال تعالى: ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ. ساهم في مادّة (سهم) وتعني إشتراكه في الإقتراع، فالإقتراع تمّ على ظهر السفينة بالشكل التالي، كتبوا اسم كلّ راكب على (سهم) ثمّ خلطوا الأسهم وسحبوا سهماً واحداً، فخرج السهم الذي يحمل اسم يونس عليه السلام. (مدحض) مشتقّة من (دَحْض) وتعني إبطال مفعول الشيء أو إزالته أو التغلّب عليه، والمراد هنا أنّ إسمه ظهر في عملية الإقتراع من بين بقيّة الأسماء.

وورد بهذا الشأن تفسير آخر يقول: إنّ إعصاراً هبّ في البحر عرض السفينة ومن فيها من الركّاب للخطر بسبب ثقل حمولتها، ولم يكن لهم سبيل للنجاة سوى تخفيف وزن السفينة من خلال إلقاء بعض ركّابها في وسط البحر، وعندما اقترعوا على من يرمونه في الماء خرج اسم يونس، وبعد رميه في البحر إبتلعه حوت عظيم.

وقال القرآن الكريم: ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ أي إنّ حوتاً عظيماً التقمه وهو مستحقّ للملامة.

"التقم" مشتقّة من (الإلتقام) وتعني (البلع) . (مليم) من مادّة (لوم) وتعني التوبيخ والعتب (وعندما تأتي بصفة الفعل فإنّها تعطي معنى إستحقاق الملامة). ومن المسلّم أنّ هذه الملامة لم تكن بسبب إرتكابه ذنباً كبيراً أو صغيراً وإنّما بسبب تركه العمل بالأولى، وإستعجاله في ترك قومه وهجرانهم.

وبعد بلعه من قبل الحوت أعطى الله سبحانه وتعالى أمراً تكوينياً إلى الحوت أن لا تلحق الأذى بيونس، إذ عليه أن يقضي فترة في السجن الذي لم يسبق له مثيل، كي يدرك تركه العمل بالأولى، ويسعى لإصلاحه.

وورد في إحدى الرّوايات أنّ "أوحى الله إلى الحوت: لا تكسر منه عظماً ولا تقطع له وصلا"1 يونس عليه السلام إنتبه بسرعة للحادث، وتوجّه على الفور إلى الله سبحانه وتعالى وتكامل وجوده مستغفراً الله على تركه العمل بالأولى، وطالباً العفو منه.

ونقلت الآية (87) في سورة الأنبياء صورة توجّه يونس عليه السلام بالدعاء الذي يسمّيه أهل العرفان باليونسية، قال تعالى: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. أي إنّه نادى من بطن الحوت بأن لا معبود سواك، وأنّني كنت من الظالمين، إذ ظلمت نفسي وإبتعدت عن باب رحمتك.

إعتراف يونس الخالص بالظلم

وتسبيحه الله المرافق للندم أدّى مفعوله، إذ إستجاب الله له وأنقذه من الغمّ، كما جاء في الآية (88) من سورة الأنبياء، ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ. ونلاحظ الآن ماذا تقول الآيات بشأن يونس عليه السلام، قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أي لو لم يكن من المسبّحين لأبقيناه في بطن الحوت حتّى يوم القيامة، ويعني تبديل سجنه المؤقّت إلى سجن دائم، ومن ثمّ تبديل سجنه الدائم إلى مقبرة له.

وبخصوص بقاء يونس في بطن الحوت حتّى يوم القيامة (على فرض أنّه ترك تسبيح الله والتوبة إليه) فهل أنّه يعني بقاءه حيّاً أم ميّتاً، المفسّرون ذكروا بهذا الشأن إحتمالات متعدّدة منها:

أوّلا: بقاء الإثنين - أي يونس والحوت - أحياء، ويونس يبقى إلى يوم القيامة مسجوناً في بطن الحوت.

ثانياً: وفاة يونس، وبقاء الحوت حيّاً بإعتباره قبراً متحركاً لجثّة يونس.

ثالثاً: وفاة الإثنين، وهنا يكون بطن الحوت قبراً ليونس، والأرض قبراً للحوت، حيث يدفن في قلب الحوت، والحوت يدفن في باطن الأرض إلى يوم القيامة.

الآية مورد البحث لا تدلّ على أي من الإحتمالات التي ذكرناها، فهناك آيات عديدة في القرآن الكريم تؤكّد موت الجميع في آخر الزمان، لذا فإنّ بقاء يونس أو الحوت أحياء حتّى يوم القيامة غير ممكن، وبهذا يعدّ الإحتمال الثالث أقرب الإحتمالات إلى الواقع2.

وهناك إحتمال آخر يقول: إنّ هذه العبارة هي كناية عن طول المدّة، وتعني أنّه سيبقى لمدّة طويلة في هذا السجن.

ولا ننسى أنّ هذه الاُمور كان يمكن أن تتحقّق لو أنّه كان قد ترك تسبيح الله والتوبة إليه، ولكن الذي حدث أنّ تسبيحه وتوبته جعلاه مشمولا بالعفو الإلهي.

* تفسير الأمثل / اية الله مكارم الشيرازي  - تفسير سورة الصافات .
 


1- تفسير الفخر الرازي، المجلّد 26، الصفحة 165، كما ورد نفس المعنى مع إختلاف بسيط في تفسير البرهان، المجلّد 4، الصفحة 37.
2- الملفت للنظر أنّ المفسّر الكبير العلاّمة (الطبرسي) الذي غالباً ما يجمع الآراء المختلفة في ذيل الآيات، إقتنع هنا بإيراد إحتمال واحد فقط، والذي يقول (لصار بطن الحوت قبراً له إلى يوم القيامة).

2016-06-14