يتم التحميل...

أين كهف أصحاب الكهف؟

قصص الصالحين

عثر في مختلف بقاع الأرض على عدة من الكهوف والغيران وعلى جدرانها تماثيل رجال ثلاثة أو خمسة أو سبعة ومعهم كلب وفي بعضها بين أيديهم قربان يقربونه،

عدد الزوار: 105

عثر في مختلف بقاع الأرض على عدة من الكهوف والغيران وعلى جدرانها تماثيل رجال ثلاثة أو خمسة أو سبعة ومعهم كلب وفي بعضها بين أيديهم قربان يقربونه، ويتمثل عند الانسان المطلع عليها قصص أصحاب الكهف ويقرب من الظن أن هذه النقوش والتماثيل إشارة إلى قصة الفتية وأنها انتشرت وذاعت بعد وقوعها في الأقطار فأخذت ذكرى يتذكر بها الرهبان والمتجردون للعبادة في هذه الكهوف.

وأما الكهف الذي التجأ إليه واستخفى فيه أهل الكهف فجرى عليهم ما جرى فالناس فيه في اختلاف وقد ادعي ذلك في عدة مواضع:

أحدها: كهف إفسوس وإفسوس ( 1 ) هذا مدينة خربة أثرية واقعة في تركيا على مسافة 73 كيلو مترا من بلدة إزمير، والكهف على مساحة كيلو متر واحد أو أقل من إفسوس بقرب قرية " اياصولوك " بسفح جبل " ينايرداغ ".

وهو كهف وسيع فيه - على ما يقال مآت من القبور مبنية من الطوب وهو في سفح الجبل وبابه متجه نحو الجهة الشمالية الشرقية وليس عنده أثر من مسجد أو صومعة أو كنيسة، وهذا الكهف هو الأعرف عند النصارى، وقد ورد ذكره في عدة من روايات المسلمين.

وهذا الكهف - على الرغم من شهرته البالغة - لا ينطبق عليه ما ورد في الكتاب العزيز من المشخصات.

أما أولا: فقد قال تعالى: " وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال " وهو صريح في أن الشمس يقع شعاعها عند الطلوع على جهة اليمين من الكهف وعند الغروب على الجانب الشمالي منه، ويلزمه أن يواجه باب الكهف جهة الجنوب، وباب الكهف الذي في إفسوس متجه نحو الشمال الشرقي.

وهذا الامر أعني كون باب كهف إفسوس متجها نحو الشمال وما ورد من مشخص إصابة الشمس منه طلوعا وغروبا هو الذي دعا المفسرين إلى أن يعتبروا يمين الكهف ويساره بالنسبة إلى الداخل فيه لا الخارج منه مع أنه المعروف المعمول - كما تقدم في تفسير الآية - قال البيضاوي في تفسيره: إن باب الكهف في مقابلة بنات النعش، وأقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه والشمس إذا كان مدارها ماره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الأيمن وهو الذي يلي المغرب، وتغرب محاذية لجانبه الأيسر فيقع شعاعها على جانبه ويحلل عفونته ويعدل هواءه ولا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم ويبلي ثيابهم. انتهى ونحو منه ما ذكره غيره.

على أن مقابلة الباب للشمال الشرقي لا للقطب الشمالي وبنات النعش كما ذكروه تستلزم عدم انطباق الوصف حتى على الاعتبار الذي اعتبروه فإن شعاع الشمس حينئذ يقع على الجانب الغربي الذي يلي الباب عند طلوعها وأما عند الغروب فالباب وما حوله مغمور تحت الظلل وقد زال الشعاع بعيد زوال الشمس وانبسط الظل.

اللهم إلا أن يدعى أن المراد بقوله: " وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال " عدم وقوع الشعاع أو وقوعه خلفهم لا على يسارهم هذا.

وأما ثانيا: فلان قوله تعالى: " وهم في فجوة منه " أي في مرتفع منه ولا فجوة في كهف إفسوس - على ما يقال - وهذا مبني على كون الفجوة بمعنى المرتفع وهو غير مسلم وقد تقدم أنها بمعنى الساحة.

وأما ثالثا فلان قوله تعالى: " قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا " ظاهر في أنهم بنوا على الكهف مسجدا، ولا أثر عند كهف إفسوس من مسجد أو صومعة أو نحوهما، وأقرب ما هناك كنيسة على مسافة ثلاث كيلو مترات تقريبا ولا جهة تربطها بالكهف أصلا.

على أنه ليس هناك شئ من رقيم أو كتابة أو أمر آخر يشهد ولو بعض الشهادة على كون بعض هاتيك القبور وهي مآت هي قبور أصحاب الكهف أو انهم لبثوا هناك صفه من الدهر راقدين ثم بعثهم الله ثم توفاهم.

الكهف الثاني: كهف رجيب وهذا الكهف واقع على مسافة ثمانية كيلو مترات من مدينه عمان عاصمة الأردن بالقرب من قرية تسمى رجيب والكهف في جبل محفورا على الصخرة في السفح الجنوبي منه، واطرافه من الجانبين الشرقي والغربي مفتوحة يقع عليه شعاع الشمس منها، وباب الكهف يقابل جهة الجنوب وفي داخل الكهف صفة صغيرة تقرب من ثلاثة أمتار في مترين ونصف على جانب من سطح الكهف المعادل لثلاثة في ثلاثة تقريبا وفى الغار عدة قبور على هيئة النواويس البيزنطية كأنها ثمانية أو سبعة.

وعلى الجدران نقوش وخطوط باليوناني القديم والثمودي منمحية لا تقرء وأيضا صورة كلب مصبوغة بالحمرة وزخارف وتزويقات أخرى.

وفوق الغار آثار صومعة بيزنطيه تدل النقود والآثار الأخرى المكتشفة فيها على كونها مبنية في زمان الملك جوستينوس الأول 418 - 427 وآثار أخرى على أن الصومعة بدلت ثانيا بعد استيلاء المسلمين على الأرض مسجدا اسلاميا مشتملا على المحراب و المأذنة والميضاة وفي الساحة المقابلة لباب الكهف آثار مسجد آخر بناه المسلمون في صدر الاسلام ثم عمروها وشيدوها مرة بعد مرة، وهو مبني على أنقاض كنيسة بيزنطية كما أن المسجد الذي فوق الكهف كذلك.
وكان هذا الكهف - على الرغم من اهتمام الناس بشأنه وعنايتهم بأمره كما يكشف عنه الآثار - متروكا منسيا وبمرور الزمان خربة ورد ما متهدما حتى اهتمت دائرة الآثار الأردنية أخيرا ( 1 ) بالحفر والتنقيب فيه فاكتشفته فظهر ثانيا بعد خفائه قرونا، وقامت عدة من الامارات والشواهد الأثرية على كونه هو كهف أصحاب الكهف المذكورين في القرآن.

وقد ورد كون كهف أصحاب الكهف بعمان في بعض روايات المسلمين كما أشرنا إليه فيما تقدم وذكره الياقوت في معجم البلدان وأن الرقيم اسم قرية بالقرب من عمان كان فيها قصر ليزيد بن عبد الملك وقصر آخر في قرية أخرى قريبة منها تسمى الموقر واليهما يشير الشاعر بقوله: يزرن على تنانيه يزيدا * بأكناف الموقر والرقيم.

وبلدة عمان أيضا مبنية في موضع مدينة " فيلادلفيا " التي كانت من أشهر مدن عصرها وأجملها قبل ظهور الدعوة الاسلامية وكانت هي وما والاها تحت استيلاء الروم منذ أوائل القرن الثاني الميلادي حتى فتح المسلمون الأرض المقدسة.

والحق أن مشخصات كهف أهل الكهف أوضح انطباقا على هذا الكهف من غيره.

والكهف الثالث: كهف بجبل قاسيون بالقرب من الصالحية بدمشق الشام ينسب إلى أصحاب الكهف.

والكهف الرابع: كهف بالبتراء من بلاد فلسطين ينسبونه إلى أصحاب الكهف.

والكهف الخامس: كهف اكتشف - على ما قيل - في شبه جزيرة اسكاندنافية من أوروبا الشمالية عثروا فيه على سبع جثث غير بالية على هيئة الرومانيين يظن أنهم الفتية أصحاب الكهف.

وربما يذكر بعض كهوف أخر منسوب إلى أصحاب الكهف كما يذكر أن بالقرب من بلدة نخجوان من بلاد قفقاز كهفا يعتقد أهل تلك النواحي أنه كهف أصحاب الكهف وكان الناس يقصدونه ويزورونه.

ولا شاهد يشهد على كون شئ من هذه الكهوف هو الكهف المذكور في القرآن الكريم. على أن المصادر التاريخية تكذب الأخيرين إذ القصة على أي حال قصة رومانية، وسلطتهم حتى في أيام مجدهم وسؤددهم لم تبلغ هذه النواحي نواحي أوروبا الشمالية وقفقاز.


* تفسير الميزان السيد الطباطبائي

2016-04-15