يتم التحميل...

ظاهرة التكفير في المجتمع الإسلامي

التكفير في العالم الإسلامي والعربي

إنَّ ظاهرة التكفير المنفَلِت، واحدةٌ من أخطر الظواهر التي تُعاني منها أمّتنا الإسلاميَّة، والتي ساهمت إلى حدٍ بعيدٍ في إضعاف عُرى الوحدة بين المسلمين، والتي كانت السبب في تمزيق المجتمعات الإسلاميَّة وإحلال التنازع فيها بدل التَّعاون، والفُرقة بدل الوحدة.

عدد الزوار: 21

إنَّ ظاهرة التكفير المنفَلِت، واحدةٌ من أخطر الظواهر التي تُعاني منها أمّتنا الإسلاميَّة، والتي ساهمت إلى حدٍ بعيدٍ في إضعاف عُرى الوحدة بين المسلمين، والتي كانت السبب في تمزيق المجتمعات الإسلاميَّة وإحلال التنازع فيها بدل التَّعاون، والفُرقة بدل الوحدة.

ولذا، كان من الأهميَّة بمكانٍ الوقوف عند هذه الظاهرة لاستجلاء أسبابها والعوامل التي ساهمت في نشأتها، باعتبار أنَّه لا يُمكن تقديم أي رؤية لعلاج هذه الظاهرة، إذا لم تكن لدينا المعرفة الكاملة والصحيحة بتلك الأسباب؛ لأنَّ أي عمليَّة علاج للظاهرة لن تكون مُجديَة، إذا لم تركّز جهودها على الأسباب التي أدّت إليها، فعلاج الظاهرة جذريَّاً يكمُنُ في علاج أسبابها التي انتجتها، وأيُّ علاجٍ لأعراضه رغم أهميَّته لن يستأصلها من أساسها وجذورها؛ ومن هنا كانت ضرورة التركيز على الأسباب التي أدّت إلى استيلاد ظاهرة التكفير المنفَلِت.

أسباب ظاهرة التكفير:

أـ وجود تراثٍ تكفيري كبيرٍ تكوَّن على مدى عقودٍ بل قرونٍ من الزمان، نتيجة تداخل عوامل وأسباب عديدة أهمُّها ما يرتبط بالجانب السياسيّ، وتأثّر الجانب الدِّيني ببعض الظروف والعوامل السياسيَّة، ممَّا أدَّى إلى تشكّل كمٍ من ذلك التُّراث الذي يُكفِّر العديد بل الكثير من المسلمين، بمعنى أنَّه يُخرِجَهم من الإسلام، ليُبيحَ لنفسه القيام بمختلف أعمال القتل والإجرام بحقِّهم. وهذا ما قادَ إلى إيجاد تصدَّعات قويَّة في جسد الأمَّة الإسلاميَّة والمجتمعات الإسلاميَّة، مع ما أفرخه ذلك التُّراث من حقدٍ وعصبيَّات ومفرداتٍ ثقافيَّة لا تألو جهداً في النخر في وحدة الأمَّة الإسلاميَّة ومِنعَتها وقوَّتها.

إنَّ تقديم ذلك التُّراث التكفيريّ والإعلاء من شأنه، كان على حساب كتاب الله وسنَّة رسوله، ممَّا أدَّى إلى إنزال القرآن الكريم عن منزلته التي أنزله الله تعالى فيها، بكونه المصدر الأساسيّ والأوَّل الذي يَجب أن نعود إليه لفهم معالم الدِّين وشريعة ربِّ العالمين، وهو ما أدَّى أيضاً إلى إخراج السنَّة من الرُتبَة التي جعلها الله تعالى فيها؛ كلُّ ذلك لحساب ما سطَّره بعضٌ من الرجال، الذين يُمكِن أن يكونوا قد تأثَّروا بهوىً، وضلّوا عن هدىً، وكان لهم فهمهم للدّين والشريعة الذي يَحتَمِل الخطأ؛ حيث أصبح تراث أولئك الرجال وما سطَّروه في مصنَّفاتهم هو المرجع على حساب القرآن الكريم والسنَّة، في حين أنَّ الله تعالى قد أمرنا بالرجوع إلى كتابه وسنَّة نبيِّه، وليس إلى ما قاله فلان وعلان مهما علا شأنه وذاع صيته.

ب من الأسباب الأساسيَّة ما يرتبط بالمنهج الذي يُعتَمَد في فهم الدِّين، أي في فهم القرآن الكريم والسنَّة، حيث إنَّ البعض يُمارِس أكثر من عمليَّة إسقاط معرفيّ على القرآن الكريم والسنَّة، نتيجةً لتأثّره بتُراثٍ تكفيريّ وثقافةٍ تحتضن فعل العنف والتكفير، وبالتالي هو لا يسعى إلى فهم النصِّ الدّيني كما يُريد ذلك النصّ أن يَنطق به، وإنَّما يسعى لتبرير ما لديه من آراء وقناعات من خلال الرجوع إلى ذلك النصِّ، أي هو لا يُقدِم على النصِّ ليَفهَمَ وليفقَهَ، بل هو يُقدِم عليه ليبرِّرَ ويُسوِّغَ ما فهِمَه مسبَقاً من تراثٍ ومصنِّفٍ لفلان وفلان من الرجال.

وفي هذا الحال لا يبقى القرآن والسنَّة الأساس الذي يَعتمد عليه لمحاكمة هذا التُّراث وذاك، بل يُصبحُ الملجَأ الذي يُقصَد لإضفاء الشرعيَّة على أفكارٍ محسومةٍ سلفاً، ويضحى الأساس عندها ذلك التُّراث الذي يتحكَّم في فهم القرآن الكريم والسنَّة، ليُمارِسَ أكثر من تعسّف في فقه النصوص الدينيّة وفهمِهَا.

كما أنَّ من عيوب ذلك المنهج الذي يَعمل على إعادة إنتاج الفهم التكفيريّ، أنَّه يَفتقِدُ إلى الحسِّ النقديّ للتُّراث، وهو ما أفقده القُدرَة على تلمّس عيوب ذلك التُّراث ومواضع الخلل فيه، ولعلَّ السبب يَكمُن في تعظيمه المفرِط للتاريخ والتُّراث، والذي حرَمَه من ممارسة ذلك النقد، والذي هو المدخل الضروريّ لتجاوز الهيمنة الفكريَّة التي يُمارسها ذلك التُّراث على العقول والثقافة، ممَّا يؤدِّي إلى اجترار فتنة التكفير وثقافتها.

إنَّ المطلوب هو تنقية التُّراث وتنظيفه من كلِّ ما علَقَ به من فطريَّات وشوائب، والتي لعبت العوامل السياسيَّة وغير السياسيَّة على إدخالها في ذلك التُّراث الإسلاميّ؛ وإلا فإنّه ما لم يُنقّى سيبقى ذلك التُّراث يجترّ نفسه فِتَناً وتفريقاً وتمزيقاً في جسد الأمَّة الإسلامية وبين جميع أبنائها.

ج من الأسباب الأساسيَّة أيضاً ما يرتبط بالبيئة الثقافيَّة والاجتماعيَّة وغيرها، من تقاليدَ وعاداتٍ وأعرافَ ومفاهيمَ سائدةٍ وظروف سياسيَّة ولربَّما أيضاً مناخيَّة...وما تُنتجه من عوامل ومؤثِّرات تربويَّة، تجعل مجتمعاً ما أقرب إلى تقبّل فكرة العنف وممارسته، وأكثر استعداداً لتلقّف واجترار أيّ ثقافةٍ وفكرةٍ تختزن فعل القسوة وممارسة الإلغاء تِجَاه الآخر، ولربَّما تكون تلك البيئة الثقافيَّة والاجتماعيَّة، وتلك الظروف والأوضاع بطريقةٍ تُعطي نتيجةً مختلفةً.


* الشيخ محمد شقير.

2015-09-03