يتم التحميل...

طرق العلاج لظاهرة التكفير

التكفير في العالم الإسلامي والعربي

يجب أن يُعمَد إلى ذلك التُّراث التكفيريّ بهدف تشريحه وتفكيكه ونقده، ومحاولة تعريته من أي نظرةٍ قداسويَّة تهدف إلى جعله متعالياً على النقد، إذ إنَّ هذا التُّراث تشكَّل في معظمِه متأثِّراً بظروف ومعطيَات غير صحيَّة، سياسيَّة و غير سياسيَّة،

عدد الزوار: 27

علاج أسبابها، وهو يكمن في ما يلي:

أولاً: يجب أن يُعمَد إلى ذلك التُّراث التكفيريّ بهدف تشريحه وتفكيكه ونقده، ومحاولة تعريته من أي نظرةٍ قداسويَّة تهدف إلى جعله متعالياً على النقد، إذ إنَّ هذا التُّراث تشكَّل في معظمِه متأثِّراً بظروف ومعطيَات غير صحيَّة، سياسيَّة و غير سياسيَّة، وبخلفيَّات ثقافيَّة لا يُمكن الإدِّعاء بكونها خاليةً تماماً من شوائب غير إسلاميَّة، وهو ما أدَّى إلى إنتاج تُّراثٍ مشوَّه في العديد من مفاصله ومعطيَاته، وتُّراثٍ هجينٍ في العديد من أفكاره ومضامينه، والتي منها قضيَّة التكفير لعموم المسلمين والكثير منهم. ولذلك لا يُمكن علاج ظاهرة التكفير المُنفَلِت، ما لم يُعمَد إلى تعطيل ذلك التُّراث التكفيريّ وتفكيك ألغامه، التي ما فتئِت تنفجر بين المسلمين فِتَناً وإجراماً وجرأةً على الله ورسوله وقتلا للنفس التي حرَّم الله تعالى.

ثانياً، العودة إلى كتاب الله وسنَّة رسوله ليكونا المصدر الأساس المُعتَمَد عليهما ويُؤخَذ منهما، وليكونا المعيار والميزان الذي يوزن بهما أيّ إنتاجٍ معرفيّ وأيّ تراثٍ وثقافةٍ. إنَّ هذه العودة تستلزم اختراق كافّة الطبقات الثقافيَّة والمعرفيَّة والاجتماعيَّة، لتكون هذه العودة عودةً كاملةً وأصليةً غير مشوبةٍ بأيَّة شائبةٍ منهجيَّة وثقافيَّة، حتَّى لا نأخذ ببعض النصِّ الديني وندع البعض الآخر، وحتَّى لا نَستخدِمَ ذلك النصّ كغطاءٍ لِمَا نحمِلُ مسبَقاً من أفكار، فالمطلوب هو أن نُقبِلَ على ذلك النصّ (القرآن الكريم والسنَة) مستنطقين سائلين وليس محمِّلين للنصِّ ما لا يَحتمل.

ثالثاً، في المنهج لا بدَّ من التجرّد عن أيّ مؤثِّراتٍ اجتماعيَّة و تراثيَّة.. تحاول أن تُسقِطَ مخزونها على النصِّ لتُمارس تجاهه فعل الهيمنة بما يَحرِفه عن دلالاته التي أراد ومعانيه التي يَقصد. نعم الانطلاق من الواقع (الثقافيّ، الاجتماعيّ والتُّراثيّ...) يُغنِي في إنبات الأسئلة ذات الصِّلَة، ولكن شرط أن يبقى الواقع محكوماً للنصِّ وليبقَى النصُّ هو الحاكم للواقع والأساس في فهمه. ثمَّ يجب أن يكون فهمنا للنصِّ الديني فهماً شموليَّاً غير تجزيئيّ وموضوعي غير أفرادي، وهذا ما يَستدعي أن نُشبِعَ فكرنا وعقولنا بمعاني النصِّ ومضامينه حتَّى تتشكَّل لدينا قاعدة صلبة ومنيعة من الفهم الدِّيني تؤهِّلَنا لممارسةِ ذلك العمل النقديّ تِجَاه التُّراث والثقافة بهدف تفكيك كافّة الألغام التي زُرِعَت وتُزرع فيهما.

رابعاً، ينبغي القيام بتنميةٍ شاملةٍ اجتماعيَّةٍ وثقافيَّة ومعيشيَّة وعلميَّة تنقل العديد من المجتمعات والأفراد إلى العصر الذي يَعيشون، بما يجعلهم أقدر على فهم واقعهم المُعاش ومتطلَّباتِه وعلاقاتِه وتحوّلاته وجميع إشكاليَّاته، وبما يجعلهم أقدر على فهم الآخر الدّيني والمذهبيّ كما يُعبِّر هذا الآخر عن نفسه لا كما تُصوِّره بعض المصنَّفات التُّراثيَّة، وهذا ما يُسعِفهم أيضاً على فهم الدِّين بشكلٍ أفضل لتقوم علاقة جدليَّة بين فهمٍ أفضل للواقع وفهمٍ أصحَّ للدِّين تجعل أداء تلك المجتمعات والجماعات أقرب إلى مرامي الدّين، لذا لا بدَّ من تنميةٍ شاملةٍ تُساعد على انتشال البعض من ظُلمات التاريخ، وألغام التُّراث ليعيشَ حاضره ومستقبله كما أراد الله تعالى له وكما تهدف إليه حقيقة الدّين ومقاصده.


* الشيخ محمّد شقير.

2015-08-03