يتم التحميل...

الحياة الاجتماعيـّة في سيرة النبيّ صلى الله عليه واله وأهل بيته عليه السلام

السير والسلوك

كما كان الجانب المعنويّ جليّاً في شخصيّة النبيّ صلى الله عليه واله كان اهتمامه بالحياة الاجتماعيّة جليّا أيضاً.

عدد الزوار: 49

الرسول الأكرم صلى الله عليه واله
كما كان الجانب المعنويّ جليّاً في شخصيّة النبيّ صلى الله عليه واله كان اهتمامه بالحياة الاجتماعيّة جليّا أيضاً.
فكان أصحابه يرون اهتمامه بعياله حتّى قال أحدهم: ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله. وورد في سيرته الشريفة أنّه كان يتجمَّل لزوجاته. كما ورد أنّه كان يحلب عنز أهله.

وكان صلوات الله عليه، يولي اهتماماً بالأطفال، فكان يمسح على رؤوسهم ويُجلسهم في حِجْره ويُقبّلهم. وقد رأى المسلمون خاتم الأنبياء صلى الله عليه واله يحمل الحسن والحسين على ظهره يحبو بهما ويقول: "نِعْمَ الجملُ جملُكما! ونِعْمَ العِدْلانِ أنتما".

وورد في عَلاقته بالمؤمنين أنّه كان إذا فقد الرجلَ من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه، فإنّ كان غائباً دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده وكان صلى الله عليه واله يتجمَّل لأصحابه ويقول: "إنّ الله تعالى يحبّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أنّ يتهيّأ لهم ويتجمَّل".

وكان في عَلاقته بجيرانه يمثّل قُمّة الرحمة، حتّى مع جاره اليهوديّ الذي كان يؤذيه يوميّاً بوضع النفايات قرب باب منزله، ولم يكن النبيّ صلى الله عليه واله يردّ عليه بأية كلمة أو أيّ فعل، بل حينما لم يجد النُّفايات ذات يوم، سأل عن ذلك الجار، فقيل له إنّه مريض. فذهب لعيادته، وقد أدَّى ذلك إلى إسلام ذلك اليهوديّ.

وكان صلى الله عليه واله بالغ الاهتمام بهداية الناس إلى الحقّ حتّى وصل حاله في ذلك، أنّ الله تعالى أنزل عليه قوله: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ.
وكان في الحروب أوّلَ المسلمين إقداماً، وأكثرَهم شجاعة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبيّ صلى الله عليه واله وهو أقربنا إلى العدوّ، وكان من أشدّ الناس يومئذٍ بأساً".
وعنه عليه السلام: "كنّا إذا احمَّر البأسُ ولقي القومُ القومَ اتّقينا برسول الله صلى الله عليه واله فما يكون أحدٌ أقربَ إلى العدوِّ منه".

الإمام علي عليه السلام
وكما تجلَّى اهتمام أمير المؤمنين بالعَلاقة المعنويّة بالله تعالى، كان اهتمامه بالحياة الاجتماعيّة، فكان خير زوج مع أهله.فقد ورد أنّه عليه السلام كان في بيت السيّدة الزهراء يحتطب ويستقي ويكنس ، وكان عليه السلام رغم فقره يوزِّع رزقه على المساكين.

وكان عليه السلام يسعى جاهداً للدفاع عن المظلومين، وإغاثة الملهوفين، سواء في الدفاع عن المجتمع الإسلاميّ، ومواقفه في ذلك مشهودة، أو في النواحي العديدة في الحياة الاجتماعيّة.ويشهد لذلك ما ذكره سعيد بن قيس الهمدانيّ من أنّه رآه يوماً في فِناء حائط، فقال: يا أمير المؤمنين بهذه الساعة؟

قال عليه السلام: "ما خرجْتُ إلّا لأُعينَ مظلوماً أو أُغيثَ ملهوفاً".
فبينما هو كذلك إذ أتته امرأة قد خُلِعَ قلبُها لا تدري أين تأخذ من الدنيا، حتّى وقفت عليه، فقالت: يا أمير المؤمنين، ظلمني زوجي وتعدّى عليَّ وحلف ليضربني، فاذهب معي إليه.
فطأطأ رأسه ثمّ رفعه وهو يقول: حتّى يؤخذَ للمظلوم حقُّه غير مُتَعْتَع، وأين منزلك؟
قالت: في موضع كذا وكذا، فانطلق معها حتّى انتهت إلى منزلها، وهناك أصلح أمرها مع زوجها، وخرج منه وهو يقول: "لا خيرَ في كثير من نجواهم إلّا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاحٍ بين الناس.

السيّدة الزهراء عليه السلام
كانت في دائرة اهتمامها بِعَلاقتها بالله تعالى، تدعو للمؤمنين والمؤمنات، ولا تدعو لنفسها، وحين يسألها ولدها عن سبب ذلك تقول: "الجار ثمّ الدار".
وكانت مثال الزوجة الكاملة لأمير المؤمنين عليه السلام ، وكانت في بيتها تطحن وتعجن وتخبز، وقد ورد عن الإمام عليّ عليه السلام "أنّها طحنت بالرَّحى حتّى مَجَلَتْ يداها وكسَحَت البيت حتّى اغبرَّت ثيابُها، وأوقدت النار تحت القدر حتّى دَكَنَتْ ثيابها ، وأنّها استقت بالقِربة حتّى أثّرت في صدرها ، وكانت تقوم بدورها الاجتماعيّ التبليغيّ فتنشر أحاديث أبيها صلى الله عليه واله حتّى سميت بالمحدِّثة".

الإمام الحسن عليه السلام

عُرِفَ الإمامان الحسنان بدورهما الاجتماعيّ الإصلاحيّ ودعوة الناس إلى الحقّ، وهما صغيران، وهذا ما يبدو واضحاً فيما رُوِي أنّهما رأيا أعرابيّاً يتوضّأ بشكل خاطى‏ء، فتقدّما وطلبا منه أنّ يشرف على وضوئيهما ليعرفا أيّ الوضوءين أحسن!
فقال الحسين عليه السلام للأعرابيّ: أيُّنا يحسن الوضوء؟
فأجاب الأعرابيّ: "كلاكما تحسنان، روحي لكما الفداء، ولكن أنا الذي لا أحسنه".
وفي الحياة الاجتماعيّة للإمام الحسن عليه السلام ورد أنّه قاسَمَ اللهَ ماله مرّتين حتّى إنّه كان يعطي النعل ويمسك النعل، ويعطي الخُفّ ويمسك الخُفّ.

ونقل العلّامة المجلسي في البحار أنّ الإمام الحسن عليه السلام ذات يوم، اغتسل وخرج من داره في حُلَّة فاخرة، وبِزَّةٍ طاهرة ونَضْرةُ النعيم تُعرف في أطرافه، وقاضي القدر قد حكم أنّ السّعادة من أوصافه، ثمّ ركب بغلة فارهة... فعرض له في طريقه من محاويج اليهود... قد أنهكته العِلّة، وارتكبته الذّلَّة، وأهلكته القِلّة... فاستوقف الحسن عليه السلام وقال: يا ابن رسول الله، أنصِفْني، فقال عليه السلام: في أيّ شي‏ء؟

فقال: جدُّك يقول: "الدنيا سجن المؤمن وجنَّة الكافر".
وأنت مؤمن وأنا كافر، فما أرى الدنيا إلّا جنَّة تتنعمَّ بها، وتستلذُّ بها، وما أراها إلّا سجناً لي قد أهلكني ضَرُّها، وأتلفني فقرها.
فأجابه الإمام الحسن عليه السلام: "يا شيخ، لو نظرت إلى ما أعدَّ الله لي وللؤمنين في الدار الآخرة ممّا لا عين رأت ولا أذن سمعت، لعلمتَ أنّي قبل انتقالي إليه في هذه الدنيا في سجن ضَنْك، ولو نظرت إلى ما أعدَّ الله لك ولكلّ كافر في الدار الآخرة من سعير نار الجحيم، ونَكالِ العذاب المقيم، لرأيت أنّك قبل مصيرك إليه الآن في جنّة واسعة، ونعمة جامعة".

الإمام الحسين عليه السلام
كان عليه السلام ساعياً في قضاء حوائج الناس على مشاكلهم ويسدّد ديونهم ويتصدق على فقرائهم حتّى رُوِي أنّه وُجِد على ظهره عليه السلام يوم الطَّفِّ أثَرٌ، فسألوا الإمام زين العابدين عليه السلام عن ذلك فقال: "هذا ممّا كان ينقل الجِراب على ظهره إلى منازل الأرامل وَالْيَتَامَى والمساكين".

وكان معروفاً أنّه أكرم الناس، وكان ينشدُ - فيما نسب إليه:
إذا جادَتِ الدنيا عليك فجد بها         على الناس طرًّا قبل أنّ تتفلَّت‏ْ
فلا الجود يُفنيها إذا هي أقبلتْ        ولا البخلُ يُبقيها إذا ما تولَّتْ


وكان عليه السلام يخضّب لحيته الشريفة.
وقد ورد عن الإمام الصّادق عليه السلام: "أنه قتل وهو مختصِبٌ بالوَسْمة".
نكتفي بهذا تاركين معرفة تفاصيل الحياة الاجتماعيّة لأهل الكساء ولسائر أئمة أهل البيت عليه السلام للكتب التي فصَّلت في ذلك.

النتيجة
ممّا تقدّم نفهم بوضوح أنّ الإسلام دعا إلى الاهتمام بأمرين معاً دون التحيّز لأحدهما دون الآخر، وهما:
1 - المعنويّة الفرديّة.
2 - الحياة الاجتماعيّة.

فالموازنة بين المعنويّة الفرديّة والحياة الاجتماعيّة قاعدة أساسيّة في السير إلى الله والسلوك في طريقه.
وتنطلق قاعدة الموازنة هذه من آفتين قد توجدان في داخل الإنسان.
الآفة الأولى: سماكة جدار المادّة في الإنسان فيرقِّقُه الاهتمام بالمعنويّة الفرديّة.
الآفة الثانية: ضِيقُ أفق النفس الإنسانيّة عن مصالح غيرها. وعدم الاهتمام إلّا بمصالحها هي، فيوسعه من خلال الاهتمام بالحياة الاجتماعيّة وخدمة الآخرين 1.


1-كتاب السير والسلوك/ الشيخ أكرم بركات.

2013-05-20