يتم التحميل...

تاريخ الحجاب

حقوق وحرية وحجاب

إنّ الثابت تاريخيّاً هو أنّ الحجاب قبل الإسلام كانت له مصداقيّة لدى بعض الأمم. فقد كان الحجاب ظاهرة في إيران القديمة وبين اليهود، ومن المحتمل أنّه كان هناك حجاب في الهند، وكان الحجاب لدى هذه الأمم أكثر تشديداً عمّا جاء في شريعة الإسلام.

عدد الزوار: 52

إنّ الثابت تاريخيّاً هو أنّ الحجاب قبل الإسلام كانت له مصداقيّة لدى بعض الأمم.
فقد كان الحجاب ظاهرة في إيران القديمة وبين اليهود، ومن المحتمل أنّه كان هناك حجاب في الهند، وكان الحجاب لدى هذه الأمم أكثر تشديداً عمّا جاء في شريعة الإسلام.
أمّا لدى عرب الجاهليّة فلم يكن هناك وجود للحجاب، وقد تحقّق لهذه الظاهرة وجود لدى العرب بفضل رسالة الإسلام.

الحجاب عند اليهود
يقول "ويل ديورانت" في "قصّة الحضارة":"كان في وسع الرجل أن يُطلِّق زوجته، إذا عصت أوامر الشريعة اليهوديّة، بأنْ سارت أمام الناس عارية الرأس، أو غزلت الخيط في الطريق العامّ، أو تحدّثت إلى مختلف أصناف الناس، أو إذا كانت عالية الصوت، أي إذا كانت تتحدّث في بيتها ويستطيع جيرانها سماع ما تقول، ولم يكن عليه في هذه الأحوال أنْ يردّ إليها بائنتها".
في هذا الضوء فالحجاب الذي كان يلتزم به اليهود كان أكثر تشديداً ممّا يلتزم به الحجاب الإسلاميّ من حدود.

 الحجاب في إيران القديمة
يقول ديورانت:"كان للمرأة في بلاد فارس مقام سامٍ في أيام زرادشت كما هي عادة القدماء، فقد كانت تسير بين الناس بكامل حريّتها سافرة الوجه".
ثم يقول:"ثمّ انحطّت منزلتها بعد داريوش، وخاصّة بين الأغنياء، فأمّا المرأة الفقيرة فقد احتفظت بحريّتها في التنقّل لاضطرارها الى العمل، وأمّا غير الفقيرات فقد كانت العزلة المفروضة عليهنّ في أيّام حيضهنّ كلّها تمتدُّ حتى تشمل جميع حياتهنّ الاجتماعيّة، وكان ذلك أساس نظام البردة عند المسلمين. ولم تكن نساء الطبقات العليا يجرؤن على الخروج من بيوتهنّ إلا في هوادج مسجّفة، ولم يكن يُسمح لهنّ بالاختلاط بالرجال علناً. وحُرّم على المتزوّجات منهنّ أنْ يرين أحداً من الرجال ولو كانوا أقرب الناس إليهنّ كآبائهنّ أو إخوتهنّ. ولم تُذكر النساء قطّ أو يُرسمن في النقوش أو التماثيل العامّة في بلاد فارس القديمة...".

يتّضح إذن أنّ لوناً عسيراً من الحجاب كان يحكم إيران القديمة،. ويذهب "ويل ديورانت" الى أنّ إجراءات حادّة كانت تُتّخذ إزاء المرأة الحائض في ضوء تعاليم المجوسيّة، فقد كانت تُحبس في غرفة، وكان الجميع يفرّون من مُعاشرتها، وكانت هذه الإجراءات السبب الرئيس لظهور الحجاب في إيران القديمة. كما كانت هذه الإجراءات الحادّة تُتّخذ إزاء المرأة الحائض بين اليهود.

يرى "كنت جوبينو" في كتاب "ثلاثة أعوام في إيران": أنّ الحجاب الشديد في المرحلة الساسانيّة ظلّ قائماً بين الإيرانيين في المرحلة الإسلاميّة.
ويرى، أنّه لم يكن الحجاب الساسانيّ مُقتصِراً على ستر المرأة، بل إخفائها. وقد بلغ الإخفاء في تلك المرحلة الى حدّ أنّه إذا كان لدى شخص امرأة جميلة في منزله فلا يُتيح فرصة ليطّلع عليها شخص آخر، ويُبقيها مخفيّة ما أمكن، إذ لو عُرف أنّ لديه امرأة جميلة في منزله فسوف تخرج عن ملكه، بل لعلّه لا يطمئنّ على حياته أيضاً.

الحجاب لدى الروم وفي الهند
ويُستنتج من حديث "نهرو" أنّه كان لدى الروم حجاب "ولعله أتى لهم من اليهود".
لقد كان يحكم الهند حجاب متشدّد، ولكن لم يتّضح بعد هل أنّ الحجاب في الهند كان قبل الإسلام أم أنّه انتشر بعد دخول الإسلام، وأخذه الهنود المسلمون من المسلمين الآخرين وبالخصوص تحت تأثير المسلمين الإيرانيّين.

غير أنّ الثابت هو أنّ الحجاب في الهند كان يُشبه الحجاب في إيران القديمة من جهة الشدّة. ويظهر من حديث "ويل ديورانت" في الجزء الثاني من قصة الحضارة أنّ الحجاب شاع لدى الهنود تحت تأثير المسلمين الإيرانيّين.

يقول "نهرو":"من المؤسف أنّ هذه العادة السيّئة أضحت تدريجاً إحدى خصوصيّات المجتمع الإسلاميّ، وقد اقتبسها الهنود حين دخول المسلمين الى بلادهم".

فالحجاب لدى الهنود - حسب رأي نهرو - جاء من المسلمين.
ولكن إذا اعتبرنا أنّ الميل للرياضة الروحيّة، والعزوف عن الّلذّات أحد عوامل ظهور الحجاب، يلزمنا الاعتقاد بأنّ الهند رحّبت بالحجاب منذ قديم الأيّام، إذ إنّ الهند من مراكز الرياضة الروحيّة القديمة، ومعاقل تحقير الّلذّات الماديّة.

على أيِّ حال فالثابت هو أنّ الحجاب كان موجوداً في العالم قبل الإسلام، ولم يبتكر الإسلام الحجاب. ولكن يبقى استفهامان:
هل أنّ حدود الحجاب الإسلاميّ تتشابه والحدود الّتي كانت لدى الأمم القديمة؟ هل أنّ العلّة والفلسفة التي تقضي بالتزام الحجاب في الإسلام هي عين العلّة والفلسفة التي ظهر الحجاب على أساسها لدى شعوب العالم الأخرى؟ سوف نُعالج الإجابة عن هذين الاستفهامين بالتفصيل في فصول البحث المقبلة.


* الحجاب, سلسلة تراثيات إسلامية, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

2013-01-08