يتم التحميل...

عمارة بن سهلان الرامهرمزي

مرقد الإمام الحسين(ع)

بقيت عمارة السلطان عضد الدولة البويهي إلى سنة 407، حتى انهارت القبة في إحدى ليالي ربيع الأول من سنة 407 ه‍ على أثر حريق هائل حدث داخل الروضة المطهرة أثناء الليل،

عدد الزوار: 24

بقيت عمارة السلطان عضد الدولة البويهي إلى سنة 407، حتى انهارت القبة في إحدى ليالي ربيع الأول من سنة 407 ه‍ على أثر حريق هائل حدث داخل الروضة المطهرة أثناء الليل، وقد التهمت النار أولا التأزير والستائر ثم تعدت إلى الأروقة فانهارت القبة.

وقد وصف الحادث ابن الأثير بقوله: " وفي 14 ربيع الأول، احترقت قبة الحسين والأروقة، وكان سببه إنهم أشعلوا شمعتين كبيرتين فسقطت في الليل على التأزير فاحترق وتعدت النار ".

لكن هل كان هذا الحادث قضاء وقدرا؟أم هناك أيد خفية كانت من ورائه?

عند دراسة هذه الفترة من تاريخ الدولة العباسية أي في خلافة القادر بالله التي كانت الأوضاع بعهده مضطربة ومحفوفة بالمخاطر، لا سيما الفتن بين الشيعة والسنة تحركها الضغائن والأحقاد الدفينة، وكانت السلطة عاجزة عن صد تيار الفتنة الذي كان للعنصر التركي الدور الفعال فيها.

وكانت بغداد تشهد حوادث عنف متكررة بين الشيعة والسنة، حتى كانت السنة تعترض زوار العتبات المقدسة، وتفتك بهم، وقد ذكر ابن الأثير تلك الحوادث فقال: " واعترض أهل باب البصرة قوما من قم أرادوا زيارة مشهد علي والحسين عليهما السلام فقتلا منهم ثلاثة نفر، وامتنعت زيارة مشهد موسى بن جعفر ".

أما الفتنة التي حدثت في واسط بين الشيعة والسنة فقد وصف أبو الفرج ابن الجوزي هذه الحوادث بقوله: " اتصلت الفتنة بين الشيعة والسنة بواسط ونهبت محال الشيعة والزيدية بواسط وأحرقت، وهرب وجوه الشيعة والعلويين فقصدوا علي بن مزيد واستنصروه ".

وظلت حوادث الفتن متصلة فبعد حريق الحائر الحسيني بعشرة أيام، وفي العشرين من ربيع الأول احترق أيضا حرم العسكريين بسامراء، واحترقت في نفس اليوم محلات الشيعة ببغداد في جانب الكرخ من محلة نهر طابق ومحلة دار قطن، وقسم من محلة باب البصرة، ثم امتدت الفتن لتشمل بيت الله الحرام، والمسجد النبوي، والبيت المقدس، إذ أنه في نفس اليوم تشعث الركن اليماني من البيت الحرام، وسقط حائر من بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووقعت القبة الكبرى على الصخرة بالبيت المقدس.

وكان عهد القادر بالله يتسم بالفوضى وعدم استتباب الأمن لتسلط الأتراك على مقدرات الدولة، ففي حوادث سنة 417 ه‍ يذكر أبو الفرج ابن الجوزي: " وفي هذه السنة كثر تسلط الأتراك ببغداد، فأكثروا مصادرات الناس، وأخذوا الأموال، حتى أنهم قسطوا على الكرخ خاصة مائة ألف دينار، وعظم الخطب وزاد الشر، واحترقت المنازل والدروب والأسواق، ودخل في الطمع العيارون، فكانوا يدخلون على الرجل فيطالبونه بذخائره كما يفعل السلطان بمن يصادره، فعمل الناس الأبواب على الدروب فلم تفد شيئا، ووقعت الحرب بين الجند والعامة، فظفر الجند، ونهبوا الكرخ وغيره، فأخذوا منه مال جليل، وهلك أهل الشر والخير ".

وظلت أعمال العنف مستمرة والسلطة عاجزة عن إخماد تيار الفتن والاضطرابات، حتى مات القادر بالله وخلفه القائم بأمر الله سنة 422 ه‍، ففي هذه السنة تجددت الفتنة ببغداد بين الشيعة والسنة كما يحدثنا ابن الأثير: " مات القادر بالله وخلفه ابنه القائم بأمر الله، ففي هذه السنة (422 ه‍) تجددت الفتنة ببغداد بين السنة والشيعة، ولما كان في الغد اجتمع أهل السنة من الجانبين، ومعهم كثير من الأتراك، وقصدوا الكرخ، فأحرقوا وهدموا الأسواق، وقتل من أهل الكرخ جماعة ".

فأصبحت الشيعة في هذه الفترة عرضة للفتك والاضطهاد على يد أهل السنة، ومن ورائهم الأتراك يشدون من عضدهم الذين اصطدموا أيضا مع الديلم الشيعة في البصرة عام 409 ه‍.

فكل هذه الحوادث وقعت في الفترة التي احترق فيها الحائر الحسيني، فربما كانت هناك أصابع اتهام تشير إلى مثيري الفتن والاضطرابات بين أهل السنة والشيعة.

فلما كثرت أعمال الفتن وأختل الأمن أسند منصب الوزارة إلى رجل قدير من ذوي الخبرة والمقدرة السياسية إلا وهو ابن سهلان الرامهرمزي، الذي حاول جاهدا في تهدئة الأحوال، وإعادة الأمن، وإرجاع الطمأنينة والسكينة إلى النفوس، وكان ابن سهلان وزير السلطان البويهي الذي قال عنه أبو الفرج ابن الجوزي: " أبو محمد الحسن بن الفضل الرامهرمزي، خلع الوزارة من قبل سلطان الدولة، وهو الذي بنى سور الحائر بمشهد الحسين ".

فأول ما قام به أمر بتجديد بناء السور الخارجي للحائر، وأقام العمارة من جديد على القبر المطهر بأحسن ما كان عليه.
فقد شاهد ابن بطوطة هذه العمارة عند رحلته إلى كربلاء سنة 727 ه‍ فقال: " ثم سافرنا إلى مدينة كربلاء، مشهد الحسن بن علي عليهما السلام، وهي مدينة صغيرة تحفها حدائق النخيل، ويسقيها الفرات، والروضة المقدسة داخلها، وعليها مدرسة عظيمة وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وعلى باب الروضة الحجاب والقومة، لا يدخل أحد إلا عن إذنهم، فيقبل العتبة الشريفة وهي من الفضة، وعلى الضريح المقدس قناديل الذهب والفضة، وعلى الأبواب أستار الحرير، وأهل هذه المدينة طائفتان، أولاد رخيك وأولاد فائز، وبينهما قتال أبدا، وهم جميعا إمامية يرجعون إلى أب واحد، ولأجل فتنتهم تخرت هذه المدينة ".

وبعد انقراض دولة البويهين، جاء الدور السلجوقي في حكم العراق، وقد أبدوا السلاجقة اهتماما ملحوظا بالعتبات المقدسة، وكان على رأسهم السلطان ملك شاه السلجوقي الذي زار الحائر في سنة 479 ه‍ مع وزيره نظام الملك، فأمر بتعمير سور الحائر.
وقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي في حوادث سنة 529 ه‍ فقال: " وفي سنة 529 ه‍ مضى إلى زيارة علي ومشهد الحسين عليهما السلام خلق لا يحصون وظهر التشيع ".

وفي سنة 553 ه‍ زار الخليفة المقتفي قبر الحسين، وتوالت الخلفاء بعده على زيارة العتبات المقدسة، فقد زاره الخليفة الناصر لدين الله، وكذلك الخليفة المستنصر الذي عمل ضريح الإمام علي (عليه السلام) وبالغ فيه، وزاره كذلك الخليفة المستعصم1.


1-مرقد الامام الحسين عليه السلام تحسين آل شبيب.

2012-11-15