يتم التحميل...

النبوة

مفاهيم قرآنية

اللَّه سبحانه وتعالى عليم حكيم خلق الخلق لحكمة ومصلحة وهدف، يقول تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ.ويقول تعالى: "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ...

عدد الزوار: 39

الغاية من خلق الإنسان
اللَّه سبحانه وتعالى عليم حكيم خلق الخلق لحكمة ومصلحة وهدف، يقول تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ(المؤمنون:115).

ويقول تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقّ‏ِ وَلَكِنّ‏َ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُون(الدخان:38-39) فكل شي‏ء خلق لغاية، والغاية أوضحها اللَّه تعالى في كتابه الكريم حيث يقول: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ‏َ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُون(الذاريات:56).

فالعبادة والمعرفة هما الغاية من خلق الإنسان كما ورد في الحديث القدسي أيضاً "كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف"1.

العبادة تعني الخضوع والطاعة والانقياد للخالق بما يأمر وبما ينهى ولكن لكي تتحقق هذه العبادة والطاعة على الوجه الصحيح والمرضي من قبل الخالق لا بد أن تكون عن معرفة ودراية وإلا وقعت باطلة وغير صحيحة لأن الإنسان لا يستطيع أن يسلك الطريق الصحيح بدون دليل يدله عليه.

الأنبياء وتحقق الغاية
إن تحقيق الغاية من الخلق وهي المعرفة والعبادة يتوقف على تعيين واسطة بين الخالق وبين المخلوقين يهديهم إلى الرشاد ويعلمهم طرق العبادة والطاعة.

يقول تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيّ‏ٌ حَكِيمٌ(الشورى:51) وهنا يأتي دور النبوة.

إن تاريخ الإنسان بنظر القران الكريم مترافق مع تاريخ الوحي والنبوة، فلقد كان الوحي موجوداً كبرنامج تكامل للإنسان منذ ظهور الإنسان على الأرض، يقول تعالى: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ(فاطر:24) إلى غير ذلك من الايات التي تؤكد هذه الحقيقة.

ويقول أمير المؤمنين عليه السلام في هذا السياق في نهج البلاغة: "ولم يخل اللَّه سبحانه خلقه من نبي مرسل أو كتاب منزل أو حجة بالغة أو محجة قائمة"2.

الإيمان بجميع الأنبياء عليهم السلام
لا يكفي الاعتقاد بنبوة نبيٍ واحد أو بعض الأنبياء عليهم السلام بل لا بد وأن يعتقد الإنسان بنبوة جميع الأنبياء لأنهم جميعاً أنبياء مرسلون من قبل اللَّه تعالى وكل نبي جاء مصدقاً لكلام النبي الذي قبله، يقول تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً(النساء:163).

ويقول تعالى: ﴿قُولُواْ امَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون(البقرة:136).

ويقول تعالى في ذم أولئك الذين يؤمنون ببعضهم فقط: ﴿إِنّ‏َ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِيناً(النساء:150-151).

فوائد بعثة الأنبياء عليهم السلام
هناك فوائد كثيرة من بعثة الأنبياء عليهم السلام بالإضافة إلى تعريف الناس وهدايتهم إلى طريق تكاملهم، أهمها:

1- يوجد كثير من المعارف المهمة في حياة الإنسان قد يجهلها أو يغفل عنها وهذه المعارف بيَّنها الأنبياء للناس لتذكيرهم الدائم، لذلك ورد في القرآن الكريم صفة المذكِّر والذكر والذكرى والتذكرة.

يقول تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّر(الغاشية:21).

ويقول تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ(الأنعام:90).

ويقول تعالى: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْانَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى(طه:1-3).

ويقول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول"3.

2- إن وجود النبي بين الناس له تأثير كبير في تربية الأشخاص باعتبار أن الأنبياء وصلوا إلى أعلى مراتب الكمال فكانوا القدوة الحقيقية ليقتدي بهم الناس ويتأسوا بأفعالهم فيقومون بتربية الناس وتزكيتهم روحياً.

يقول تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَه(الممتحنة:4).

ويقول تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ(الأحزاب:21).

3- من فوائد وجود الأنبياء ممارسة القيادة السياسية والدينية والاجتماعية وفض الخلافات والمعضلات والاضطرابات الاجتماعية بين الناس، يقول تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقّ‏ِ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيه(البقرة:213).

دور الأنبياء عليهم السلام
إن القران الكريم لم يحدد دوراً خاصاً للأنبياء عليهم السلام بل إن دورهم مرتبط بكل ما تحتاجه الأمة في حياتها على الصعيد الروحي والعلمي وعلى الصعيد الاجتماعي من وضع قوانين تنظم حياة الناس وتهديهم إلى السعادة الحقيقية والكمال الإنساني، وكذلك يبينون لهم الأحكام ويحذرونهم من الوقوع في المعاصي ومخالفة اللَّه تعالى وهذه بعض أدوارهم عليهم السلام التي وردت في القرآن الكريم.

- التعليم
يقول تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ(البقرة:151).

- التبشير والانذار
يقول تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِين(الأنعام:48).

- الدعوة لعبادة اللَّه تعالى
يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ‏ِ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ(النحل:36).

- إخراج الناس من الظلمات إلى النور
يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِايَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ(إبراهيم:5).

- الشهادة على أعمال العباد
يقول تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيراً(الفتح:8).

- إبلاغ الرسالة للناس
يقول تعالى: ﴿مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ(المائدة:99).

- الحكم بين الناس
يقول تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقّ‏ِ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ(البقرة:213).

- الأسوة الحسنة
يقول تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ(الأحزاب:21).

صفات الأنبياء عليهم السلام
أخطر المناصب وأكبرها مسؤولية قيادة المجتمع البشري وهدايته إلى السعادة والكمال، فإن المتصدي لهذه المسؤولية الكبرى عليه أن يتمتع بصفات وامتيازات خاصة، كالمعرفة التامة بإدارة الشؤون الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والتربوية، بالإضافة إلى الاتصاف بالفضائل النفسية والروحية والأخلاقية لذلك نرى القران الكريم يركز على هذه الناحية لأهميتها على صعيد التبليغ حيث يخاطب اللَّه سبحانه وتعالى نبيه الكريم بقوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ(ال عمران:159)، ولذلك خاطبه اللَّه تعالى وأثنى عليه بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم(القلم:4).

هذا بالإضافة إلى الصفة الأهم والأبرز والتي لها ارتباط وثيق بالتبليغ والهداية وهي صفة العصمة ونتحدث عنها باختصار.

- العصمة
الواسطة بين اللَّه وعباده أي النبي يجب أن يكون معصوماً، بمعنى أنه يجب أن يتمتع بملكة نفسية قوية تمنعه من ارتكاب المعصية حتى في أشد الظروف، وتنبع هذه الملكة من الوعي التام بقبح المعصية والإرادة القوية لضبط الميول النفسية، وهذه تتحقق بالعناية الإلهية الخاصة.

- الدليل على العصمة
هناك العديد من الأدلة منها:

أنه لو لم يكن النبي معصوماً لكان محل انكار ومورد عتاب كما في قوله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ(البقرة:44) وأيضاً قوله تعالى: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُون*كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ(الصف:2-3). فمن الطبيعي أن يكون النبي معصوماً يأتمر بما يأمر وينتهي عمَّا ينهى حتى لا يُنكر عليه من أحد وحتى يحصل الوثوق به وبتبليغه ويُعتمد عليه في إخراج الناس من الظلمات إلى النور.

- أنحاء العصمة
1- العصمة من الذنوب: الأنبياء معصومون من ارتكاب الذنوب صغيرها وكبيرها لأنه لو كان مرتكباً للذنوب لأصبح ظالماً إما لنفسه أو لغيره وهو خلاف العصمة التي جُعلت شرطاً في الإمامة كما ذكرنا في قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين(البقرة:124).

2- العصمة عن الخطأ والاشتباه: لأن النبي لو اشتبه وأخطأ يكون خلاف كونه هادياً حيث يحتمل الاشتباه حينها في كل قول وتبليغ وحكم وهذا نقض للغرض الذي أرسل الأنبياء لأجله لأنهم عليهم السلام بعثوا هداة مهديين كما يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا(الأنبياء:73).

ويقول أيضاً: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه(الأنعام:90).

ويقول سبحانه وتعالى بحق رسوله الكريم: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(النجم:3-4).

المعصوم غير مجبور على ترك المعصية
إن العصمة لا تعني أن الإنسان مجبور على العمل بمقتضاها بل أن صاحبها لا يمكن أن يختار المعصية وأن يقع فيها لعلمه بحقيقة الذنب واثاره، وقوة العلم توجب قوة الإرادة، فلا تتعلق إرادته حينئذٍ إلا بالطاعات.

* عقائد قرآنية, إعداد ونشر جمعية المعارف الثقافيه, ط1, كانون الثاني 2006م, ص 67-76.



1- بحار الأنوار، ج‏84، ص‏199.
2- نهج البلاغة، خطبة 1.
3- نهج البلاغة، خطبة 1، ص‏23.

2009-09-16