يتم التحميل...

العدل‏

مفاهيم قرآنية

إن العدل هو صفة من صفات اللَّه تعالى الثبوتية ولكن أفرد ببحث مستقل لأهميته وكثرة متعلقاته، ويقابل العدل الظلم فاللَّه تعالى عادل غير ظالم لمخلوقاته لا يفعل قبيحاً ولا يجور في قضائه ولا يحيف في حكمه وإبتلائه ...

عدد الزوار: 33

إن العدل هو صفة من صفات اللَّه تعالى الثبوتية ولكن أفرد ببحث مستقل لأهميته وكثرة متعلقاته، ويقابل العدل الظلم فاللَّه تعالى عادل غير ظالم لمخلوقاته لا يفعل قبيحاً ولا يجور في قضائه ولا يحيف في حكمه وإبتلائه لعباده، يثيب المطيعين وله أن يعاقب العاصين ولا يعاقبهم زيادة على ما يستحقون، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "التوحيد أن لا تتوهمه، والعدل أن لا تتهمه"1.

معنى العدل
العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، يقول تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(الزلزلة:7-8) أو هو وضع الأمور في مواضعها، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "العدل يضع الأمور مواضعها"2.

الأمر بالعدل
إن اللَّه سبحانه وتعالى قد أمر عباده بالعدل في اياتٍ عديدة، والعدل هو من الصفات الحميدة والكمالية، والعقلاء يقبّحون من يترك العدل ويظلم الناس، ولا يمكن للَّه عزَّ وجلّ‏َ إلا أن يتصف بهذه الصفة لأنها صفة كمال كما أنه لا يمكن أن يأمر الناس بهذه الصفة الكمالية ولا تكون عنده، مع أنه تعالى هو الحاوي لكل صفات الكمال على النحو الأتم والأكمل.

يقول تعالى: ﴿إِنّ‏َ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنّ‏َ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنّ‏َ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيراً(النساء:58).
ويقول تعالى: ﴿إِنّ‏َ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْي(النحل:90).

دواعي الظلم
الظلم ضد العدل، وللظلم دواعٍ ثلاثة إذا انتفت هذه الدواعي يثبت العدل وهي


1- الجهل
من دواعي الظلم الجهل بالظلم والعدل، فإن القوانين الوضعية التي وضعها الفكر البشري تحتوي على كثير من الظلم لأنها نابعة من الفكر البشري المحدود. ولو كان هذا العقل البشري عالماً ومدركاً لكل التفاصيل والنتائج لانتفت كثير من أسباب الظلم، في حين أن اللَّه تعالى عالم حكيم كما تقدم معنا في الصفات يقول تعالى: ﴿وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيم(النساء:12) ويقول تعالى: ﴿وَأَنّ‏َ اللّهَ بِكُلّ‏ِ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ(المائدة:97) وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(يونس:61).

2- الخوف
أحياناً يؤدي الخوف إلى الظلم سواء كان الخوف من الغير على الحكم أو كان الخوف من انهيار الوضع الاقتصادي للشخص مما يدفع بالأشخاص إلى ظلم الاخرين للحفاظ على أوضاعهم ومراكزهم وغير ذلك وهذا السبب يستحيل أن يكون في اللَّه تعالى لأنه هو القوي العزيز مالك الملك غلبت جبروته كل شي‏ء وقدرته غير متناهية، يقول تعالى: ﴿إِنّ‏َ اللَّهَ قَوِيّ‏ٌ عَزِيزٌ(المجادلة:21) ﴿أَنّ‏َ اللّهَ عَلَى كُلّ‏ِ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ(البقرة:259).

3- الحاجة والحرمان
الإنسان المحتاج الذي ييأس من تحصيل مطالبه بالطرق المشروعة فإنه قد يلجأ إلى طرق أخرى يظلم فيها نفسه بالمعصية ويظلم الاخرين بسلب بعض حقوقهم والاعتداء عليهم، وهذا لا يمكن أن يكون في ساحة اللَّه عزَّ وجلّ‏َ لأنه هو الغني المطلق وعنده خزائن السماوات والأرض يقول تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنّ‏َ اللّهَ غَنِيّ‏ٌ حَمِيدٌ(البقرة:267)، وقوله تعالى: ﴿إِنّ‏َ اللَّهَ لَغَنِيّ‏ٌ عَنِ الْعَالَمِينَ(العنكبوت:6)، وهذا لا يختص بالحاجة والحرمان المادي بل يشمل الحاجة والحرمان النفسي أيضاً كعقدة النقص...

معالم عدالة اللَّه تعالى
إن عدالة اللَّه تعالى تعني

1- أن جميع أفعاله تعالى حكمة وصواب وليس فيها ظلم ولا جور ولا كذب ولا عيب لأنه تعالى منزَّه عن هذه القبائح لعلمه تعالى بها وقدرته اللامتناهية.

2- أفعاله تعالى معلَّلة بالأغراض والمصالح لأنه حكيم والحكيم لا يصدر منه العبث، والعبث من فعل الضعيف، يقول تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ(الأنبياء:16).

3- أنه تعالى لا يكلف أحداً فوق طاقته. قال تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا(البقرة:286). ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ(البقرة:185)﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ(الحج:78).

4- إنه تعالى لا يضل أحداً من عباده: بل هداهم وهم أضلوا أنفسهم. حيث يقول تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(النحل:118).

أو أنهم أطاعوا كبراءهم ورؤساءهم فأضلوهم عن طريق الحق وأخذوا بهم إلى طريق الباطل، يقول تعالى: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا( الأحزاب:67).

5- إنه تعالى يعامل عباده معاملة الممتحن: أي يبلوهم ليمتحنهم ويثيبهم ويعاقبهم على أساس الاختبار، قال تعالى: ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً(الملك:2).

6- اللَّه تعالى لا يعاقب الناس على فعله. بل يعاقبهم على أفعالهم ولا يلومهم فيما صنعه بهم، فلا يعاقبهم على الأمور التكوينية كالسواد والبياض والطول والقصر وكل ما هو غير اختياري لهم، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ‏َ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمٌ(الحجرات:13).

7- اللَّه تعالى أراد الطاعة من عباده. إن اللَّه تعالى أراد من عباده الخير والطاعة وأحبها وكره المعاصي ونبذها.

يقول تعالى: ﴿...اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ...(الحجرات:7).


العدل والظلم في القرآن الكريم
1- لا يظلم أحداً

قلنا إن الظلم يقابل العدل وإذا نفينا الظلم عن ساحته المقدسة نكون قد أثبتنا العدل وهذا ما فعلنا عندما نفينا دواعي الظلم عنه تعالى ولكن الان ننفي عنه الظلم تعالى من خلال القرآن الكريم، حيث وردت ايات كثيرة جداً تنفي عنه تعالى الظلم وتتوعد الظالمين بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.
يقول تعالى: ﴿إِنّ‏َ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ(النساء:40).

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ(فصلت:46).

﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ءوَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(الزلزلة:7-8).
 

2- الظلم من النفس

آيات كثيرة من القرآن الكريم تسند الظلم إلى نفس الإنسان لأنه أعمى بصره عن الحق وتجاوز حدود اللَّه تعالى فكان ظالماً لنفسه أولاً ثم للآخرين.

 يقول تعالى: ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ(الطلاق:1).

﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(ال عمران:117).

﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ(الزخرف:76).

3- ذم الظالمين

إن اللَّه تعالى ذمّ‏َ الظالمين في ايات كثيرة وأوعدهم بأليم العقاب واللَّه تعالى منزَّه عمَّا ذمّ‏َ به خلقه.

يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنّ‏َ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَار(إبراهيم:42).

﴿إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ(سبأ:31).

﴿وَيَوْمَ يَعَضّ‏ُ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا(الفرقان:27).

﴿أَلَا إِنّ‏َ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيم(الشورى:45).

4- إبليس والظالمون
إن القرآن الكريم يحدثنا عن موقف إبليس مع الظالمين يوم القيامة وكيف يتبرّأ منهم ويكفر بما أشركوا فيه وذلك بعدما أغواهم ووعدهم وركنوا إليه فأخلفهم وتركهم يواجهون مصيرهم المحتوم بعد أن تركوا اللَّه سبحانه وتعالى الذي يدعوهم لما يحييهم كما يقول تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ(الأنفال:24).

﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(البقرة:268).

ويقول تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنّ‏َ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقّ‏ِ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيّ‏َ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنّ‏َ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(إبراهيم:22).

* عقائد قرآنية, إعداد ونشر جمعية المعارف الثقافيه, ط1, كانون الثاني 2006م, ص 37-44.



1- نهج البلاغة، حكمة 470.
2- بحار الأنوار، ج‏75، ص‏350.

2012-04-04