يتم التحميل...

الدين والحكومة

أبحاث في الولاية

تعتبر الحاجة الإنسانية الثابتة هي العامل الأساسي لضرورة وجود قانون وحكومة، وهذه الحاجة تنشأ بملاحظة طبيعة الإنسان التي تدعوه ليعيش مع أخيه الإنسان فيفيده ويستفيد منه.ولكن الإنسان ونتيجة ميوله وغرائزه من حب الذات والمال والجاه والحرية المطلقة لجميع ما يهواه سوف يقع الإختلاف والتعارض بين ما يريده هو وما يريده الآخرون...

عدد الزوار: 80

الإسلام وضرورة وجود الحاكم‏
تعتبر الحاجة الإنسانية الثابتة هي العامل الأساسي لضرورة وجود قانون وحكومة، وهذه الحاجة تنشأ بملاحظة طبيعة الإنسان التي تدعوه ليعيش مع أخيه الإنسان فيفيده ويستفيد منه.

ولكن الإنسان ونتيجة ميوله وغرائزه من حب الذات والمال والجاه والحرية المطلقة لجميع ما يهواه سوف يقع الإختلاف والتعارض بين ما يريده هو وما يريده الآخرون، ولا بد لأجل حل هذا التعارض والاختلاف من وجود مرجعية يتم الإحتكام إليها والخضوع لها وليست هذه المرجعية سوى "القانون" وأهم ما ينبغي أن يحمله هذا القانون هو العدالة لجميع الناس عبر اعطاء كل ذي حق حقه ورعاية العدل الإجتماعي.

وإذا كان القانون يشكل ضرورة لبني البشر فإن وجود الحاكم هو ضروري لتطبيق هذا القانون، لأن الإنسان قد يتجاوز القانون ولا يخضع له رعاية لمصالحه الخاصة، فوظيفة الحاكم هي ضمان تطبيق القانون لتحقيق العدل الإجتماعي.

لقد وردت الروايات التي تتحدث عن ضرورة وجود الحاكم، ففي رواية نهج البلاغة أن علياً عليه السلام لما سمع مقولة الخوارج: لا حكم إلا للَّه قال: "كلمة حق يراد به الباطل، نعم إنه لا حكم إلا للَّه ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا للَّه وأنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ويبلغ اللَّه فيها الأجل ويجمع به الفي‏ء، ويقاتل به العدو وتأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح من فاجر"1.

وفي رواية الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه السلام لما سأله: فلم جعل أولي الأمر وأمر بطاعتهم قال عليه السلام: "إن الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمر أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيه أميناً يمنعهم من التعدي والدخول فيما حظر عليهم، لأنه لو لم يكن ذلك كذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره"2.

ولكن يبقى سؤال: هل للإسلام حكمه ونظامه الخاص أم أنه ترك للناس تحديد النظام المناسب لهم؟ وللإجابة عن هذا السؤال علينا أن نلاحظ الأمور التالية:

الرسالة الخاتمة الكاملة
لقد خص اللَّه عزَّ وجلّ‏َ شريعة الإسلام من بين الشرائع السماوية بأن جعلها خاتمة الشرائع والرسالات فلا شريعة بعدها ولا رسالة. وهذه الخصوصية تتضمن أمرين مهمين:

1- أنها كاملة: فهي شريعة لاحظت في تشريعها كل ما يحتاج إليه الإنسان وكل ما يواجهه في أمور حياته منذ أن يأتي إلى هذه الحياة وإلى أن ينتقل إلى الحياة الأبدية. فقد نظّم اللَّه عزَّ وجلّ‏َ للإنسان مصالحه الفردية والاجتماعية وحدد له نظام علاقته مع الاخرين فيما يرتبط بعائلته ومجتمعه وفيما يرتبط بالسياسة والاقتصاد وغير ذلك.

قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا(المائدة:3).

وقال تعالى: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْ‏ءٍ(الأنعام:38).

2- شاملة مؤبدة: إن معنى كون رسالة الإسلام خاتمة الرسالات هو أنها جاءت للبشر كافة فلم تأت لقوم بعينهم ولا لجماعة خاصة بل هي لجميع الناس مهما تعددت ألوانهم وأعراقهم. قال تعالى ﴿ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ(الأنعام:90) وفي اية أخرى: ﴿نَذِيراً لِّلْبَشَر(المدثر:36).

وكذلك هي رسالة مؤبدة إلى يوم القيامة تصلح لتنظيم حياة الإنسان إلى يوم القيامة مهما تطور هذا الإنسان وارتقى في حضارته وصناعته فإن شريعة الإسلام تواكبه في هذا كله.

أحكام الإسلام‏
إذا كانت رسالة الإسلام شاملة لكافة جوانب الإنسانية فهذا يعني أنها نظمت علاقة الفرد مع الاخرين أي مع المجتمع ككل، ففي الإسلام نظام للعقوبات تكفلته أحكام الحدود والقصاص، ونظام للدفاع تكفلته أحكام الجهاد، ونظام للإقتصاد تكفلته أحكام المعاملات من البيع والإجارة وغيرها.

إن ملاحظة تشريعات الإسلام هذه تشهد وبوضوح على لزوم إقامة الدولة والحكومة لأن الكثير منها لا يملك قابلية التنفيذ إلا في ظل دولة قوية قادرة، وعدم قيام الحكومة يعني تعطيل هذه الأحكام.

بل تضمنت أحكام الإسلام قوانين أخرى وتشريعات لبيان كيفية تطبيق هذه الأحكام وما هي الطرق التي ينبغي إعتمادها لصيرورة هذه الأحكام واقعاً يحتكم إليه الناس ويعيشون في ظله.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "مجموعة القوانين لا تكفي لإصلاح المجتمع، ولكي يكون القانون مادة لإصلاح وإسعاد البشر فإنه يحتاج إلى السلطة التنفيذية، لذا فإن اللَّه عزَّ وجلّ‏َ قد جعل في الأرض إلى جانب مجموعة القوانين حكومة وجهاز تنفيذ وإدارة، الرسول الأعظم كان يترأس جميع أجهزة التنفيذ في إدارة المجتمع الإسلامي. . . والحق أن القوانين والأنظمة الاجتماعية بحاجة إلى منفذ"3.

وقد وردت الايات تحث الناس على إحياء أحكام الإسلام.

قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ(الحج:41).

وورد في الرواية عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "ساعة إمام عدل عادل أفضل من عبادة سبعين سنة، وحدٌّ يقام للَّه في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحاً"4.

* دروس في ولاية الفقيه, إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية, ط1, تشرين الأول 2005م, ص 7-12.



1- نهج البلاغة، من كلام له عليه السلام رقم 40.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام، ص‏107، ح‏1، الشيخ الصدوق.
3- الحكومة الإسلامية، ص‏33.
4- فروع الكافي، الكليني، ج‏7، ص‏175، ح‏8، باب التحديد من كتاب الحدود.

2009-08-03